تقديم :
لن أتكلم بالتفصيل عن أنماط المتسولين من شباب وشابات ، شيوخ نساء أطفال ، ذوي عاهات و من لا عاهة لهم ،من يلبسون لباسا رثا أو جديدا… متسخين أو أكثر نظافة ..أو صبية يلبسون جلابيبهم و يحملون ألواحهم الخشبية .. بقايا فلاحين منتمين للمدينة أو للبادية ، أو غيرهم من دار عليهم الوقت برحاه أو غيرهم من الذين يعترضون طريقك أو يمرون قرب طاولتك في المقهى ..
سأقتصر على تحليل بعض طرائق هذا التسول و طبيعة الخطاب الاستجدائي الذي يتوزع بين تسول المدينة و تسول البادية ، وتسول بطيء في حافلة النقل وسريع في ملتقى الطرق ، بين تسول شفهي .. شي بركة ـ الله يجعلها صدقة و رحمة الوالدين، وتسول كتابي.. يتخذ أشكالا أكثر حداثة من خلال توزيع أوراق مكتوبة بعناية على ـ القارين ـ الجالسين في المقاهي.. بين تسول خشن و آخر فني مصحوب بالموسيقى سواء ناي أو طبل ، طرا طان طان ، هاذاك مرضي الوالدين ـ الله يشافي .. التسول في النكتة الشعبية ..
أحدهم كان يلقن ابنه أساليب و فنون التسول ، فمرا قرب جمل يجتر طعامه فمد الابن يده في اتجاهه طالبا منه الصدقة ، فعلم أن ابنه لا يحتاج إلى تلقين و عاد به إلى البيت …
و يحكى من باب النكتة الشعبية أن أحدا أعطى بشكل مخفي لمتسول صدقة ، فشكره قائلا : ـ الله يجعلك من الذين آمنوا….. فلما تتحقق منها و علم قلتها ، استطرد قائلا : ثم كفروا …. و من الحيل التي يقوم بها المتسولون انتقاء الهدف بعناية ، و تحكي النكتة أن أحدهم صعد إلى حافلة للنقل الحضري ـ الطوبيس ـ و هو يلبس لباسا أنيقا ، و قال بلهجة آمرة : ـ للي ماخدامش ينزل .. فظن الركاب العاطلون انه مشغل أو شخصية من الشخصيات، فنزل الكثير منهم .. فأمر السائق أن يغلق الباب ورائهم ، و تقدم نحو من فضل من الركاب وأخرج ـ الوتار ـ من تحت ثيابه ثم قال لهم :
ـ اخوتي للي خدامين آروا دوروا مع خوكم… راه ما خدامش… التسول طرائق و مناهج فبالإضافة أنه يختار الموقع المناسب قرب المساجد و في مفترق الطرق و قرب الشبابيك الأوتوماتيكية و في أماكن التجمعات، وفي الأسواق الأسبوعية و خاصة في المطاعم الشعبية و المخابز.. قد يكون المشتغل بالتسول قد نمى قدرات على التواصل مع مختلف الشرائح الاجتماعية فهو يستعمل في ندائه :
- آخويا ـ آلحاج ـ يؤخرها أو يقدمها أو يغيرها حسب المقام والحاجة، ونجده يقول موجها الخطاب في نفس الوقت إلى شخصين من أعمار مختلفة :
- ـ الله يسهل عليك يا خويا … ـ الله يخلف عليك يا لحاج راه الحالة ضعيفة …. و قد يقنع بأي شيء تجود به النفس أو قد يحدد مقدار الصدقة بنفسه :
- ـ باش ما سخاك الله … ـ شي درهم ؟ أويقول بشكل متفكه :
- ـ شي مليون ؟ ـ أو يقول بشكل مفاجئ :
- ـ وا خلص شي قهوة يا أستاذ او بشكل مستفز إذا لم تعطه الصدقة … ـ راه كاين الله … أو يصرخ بشتيمة وراء ظهر من لم يستجب له .. و قد يحرجك أحدهم بالوقوف قربك دون كلام و بمد يده نحوك ما أن تتحسس جيبك ؟؟
- تسول و فن في الحافلة يصعد ثنائي إلى الحافلة ، يطلبان انتباه الجمهور و يقدمان قصيدة مؤثرة عن مأساة اجتماعية تدور حول ابن يتنكر لأمه التي تعبت من أجله ، بأسلوب السرد و الوصف والحوار ، فرجة فنية موجهة لمرضيين الوالدين فقط ، مصاحبة على آلة الوتارـ بوترات شجية ، فنانين مغاربة متجولين من بقايا التروبادور ،خبروا نفسية الجمهور و جمالية العزف على الآلة الوترية ، كان سيكون لهم مستقبل لو فتحت لهم وسائل الإعلام أذرعها ، و لفنهم الذي يروم إصلاح علاقات القرابة في زمن النزوع الفردي والأنانية المفرطة : اسمعوا هذا واحد العدو أهيا الحباب واش جرى لو ومات باه و بقات مو وامسكينه شيبانية تزوج و خاذ مرا وقالت لميمتو:
- برا مانشوفك بعينيا .. آيا وليدي كافي ليا كبرتك بين يديا وبغيتك باش تحسن بيا و اليوم الرجا بيد الله الوالدين دوزوا محنة مللي ولدنا جربنا يدخلو ولادهم الجنة ولا جهنم الحامية ………….
- بعد القصيدة يتقدمان بالدعاء للمسافرين : الله يرحم ليك الوالدين أخويا العزيز الله يفرحك دير معانا واحد الدعاء ديال الخير هاذ الناس الله يوصلهم على خير تسول كتابي : بحكم الظروف و التمدرس ،انتقل التسول و الاستجداء من الشفهي إلى المكتوب ، فقد توزع امرأة شابة في الغالب ورقة صغيرة على رواد و زبائن المقهى دون كلام ، و بعد هنيهة تقوم بجمعها و ما جاد به زبناء المقهى في صمت … و مضمون الورقة الكثيرة الأخطاء، يتناول بعد البسملة و السلام و من باب الأخوة والإسلام تعرض الفتاة وضعيتها بضمير المتكلم.. إنني فتاة ترك لي أبي 5 أخوات امي مريضة بالقلب و تحتاج الى عملية جراحية و علاج ب300 درهم كل أسبوع أعينوني إن الله لا يضيع أجر المحسنين …
- في 10/03/2010 فتاة في مقتبل العمر تلبس ثوبا أنيقا أحمر و تضع خرقة سوداء …. و بأسلوب التراسل الإداري و تقديم الطلبات الرسمية، تحيطك علما بتفاصيل هذه الوضعية وفاة الأب و مرض الأم المزمن و مصاريف العلاج و السكن التي تثقل كاهل الموظف ناهيك عن فتاة في مقتبل العمر لا معيل لها…ولتقدم في النهاية طلب الإعانة و لتدعو للجميع … بسم الله الرحمان الرحيم إخواني المسلمين سلام الله عليكم اني أخت لأربعة أطفال صغار في طور التمدرس و أنا أكبرهم سنا فان مسؤولية تربيتهم على عاتقي و أحيطكم علما أيها الإخوان المسلمين أن أبي متوفي و أمي مريضة بمرض مزمن بداء السكري مما يستحيل عيشها بلا أنسولين مرتان في الشهر بمعنى 300 درهم في الشهر بالإضافة إلى كوننا مكترون بيت مع الجيران بسومة شهرية 600 درهم و قد تترتب على كاهلنا في هذه المدة الأخيرة أشهر بمعنى 1000 درهم اطلب من المحسنين أن يعينونا بأي شكل من الأشكال على هذه الفاقة اللاحقة بنا جزاكم الله خير الجزاء و الله لا يضيع اجر من أحسن عملا فتاة في مقتبل العمر تمر في مقهى و توزع هذه الو Entre
فتاة في مقتبل العمر تمر في مقهى و توزع هذه الورقة بتاريخ 16/09/2009
التسول الرقمي ..
ظهر نوع أخر من التسول في الآونة المعاصرة هو التسول الرقمي ، المتسول معروف بشخصه أو صفته لكن المحسن إليه فد يكون في أي مكان من العالم ، فهو إذن تسول عابر للحدود ، يتسول فيه صاحبه اللايكات و الزيارات و المشاهدات من اجل عدد اقتناص عدد اكبر ، هو توسل قد يتخذ شكل تقديم خدمة و مقايضة ـ لكنه في كثير من الأحيان خدمة لم يطلبها الزبون و إنما وضعت في الطريق التي يمر منها افتراضيا لإثارته بعناوينها اللافتة ، و قد يتخذ شكل طلب وساطة مادام المحسن لا يقدم عطاء ماديا ملموسا لكن فعله قد يتحول إلى مدخول مادي ..و المتسول الرقمي يفكر بمنطق قطرة قطرة يحمل الواد ، و كل و شطارته في التأثير على زائري الساحة العمومية الزرقاء و استقطاب أكبر عدد من روادها ..
و قد يفكر أيضا بمنطق لا بد لكل عمل من أجر و إن كان تسولا في الباطن..كمن يمسح زجاج سيارتك دون أن تطلب ذلك منه و يطالبك بالمقابل ، أو من يحمل عنك قفة خفيفة في السوق و يطلب منك أجرا .. انثربولوجيا التسول انثربولوجيا متحولة من الشفهي إلى الكتابي إلى الرقمي ، تواكب تعقد الحياة الاقتصادية و الاجتماعية ، خاصة أن التسول نشاط حر ـ غير معترف به رسميا على أنه من الأنشطة المدرة للدخل ـ غير مهيكل و منفتح عن الإبداع ههه بالاحتيال ، جذاب على الأكثر للمشتغلين في مهن ضعيفة الدخل لكن لا مانع عنده أن تنخرط فيه فئات أخرى ، و يضا هو دخل منفلت و غير خاضع لأي نوع من التحصيل الضريبي ،و متجدد و يتوسع باستمرار .. و في الختام قد يلتبس علينا في كثير من الأحيان التمييز بين التسول و غيره ، فمن نصدق إذن ؟