الخوف جزء من الاقتصاد النفسي للإنسان يوجد غير بعيد عن منطقتي الحب والكراهية والحسد والمقارنة والحقد …فقرب الخوف من الحب يظهر عندما نخاف من فقدان من وما نحب….. وقربه من الكراهية يظهر في الخوف من أن يقع لنا مكروه دون سوانا من نعرف أنهم يناصبونا الكراهية …
الخوف ملازم للإنسان منذ وجوده الأول على الأرض فكان لا بد أن يرتبط بإنتاج ثقافة خاصة غير معلنة تلازم ذهن الإنسان وتستمر معه بدون وعي لأجيال عديدة دون أن يستطيع التخلص منها لانها ليست خاضعة للوعي و الإدراك .. لقد خاف الإنسان من الظلام فنتج عن ذلك تخيله لكل الكائنات التي ترتبط بالعتمة و خوفه منها كل هذه السنين وفي كل أنحاء العالم حتى أنها موجودة في كل الروايات العالمية.
ففي انجلترا مثلا ينتشر الخوف من الأشباح و العائدين و في أجزاء من أفريقيا يتخيل الناس عودة اسلافهم من ظلامهم الأبدي … وخاف الانسان من كل ظواهر الطبيعة التي ترعبه لحد الآن و لكن بدرجة أقل خاف من الرعد و السيول المطرية المغرقة خاف من الطوفان كما خاف من اليبس و الجفاف وانحباس المطر و أنشأ لذلك طقوسا للقضاء على الجفاف.
ففي أفريقيا ينصب للجفاف تمثالا من القش الأصفر و يضربه جميع الحاضرون في طقوس سحرية راقصة إلى أن يحطم تماما ..وعندنا يخرج الناس ببقرة مع رموز من الخصب فان انزلت ماء فسيكون هناك مطر .. .خاف الإنسان من الأوبئة و الأمراض الجماعية و اعتبرها نتاج غضب الاهي على الجماعة لاغراقهم في الشرور و الفجور و اعتبرها كائنات شريرة و نتيجة اعمال سحرية من فعل السحرة… وليس المختبرات …و حسد الاعدا ء وحاول كل سبل التطهير السحرية للخلاص منها … فأنشا أسوار المدن و زاد في علوها و أبراجها وفي طولها و عرضها و حرس ابوابها حراسة منيعة ….و زودها بالرموز التي ترد الشر و تحصن المكان من أحجبة و تمائم ..ومنع الداخل والخارج منها بحلول الليل …ومارس التعقيم و التلقيح و رش المبيدات على الداخلين إلى المدينة …. .
خاف الانسان من العقم و انقطاع الذكر المرتبط بوهم الخلود .. فأنشا حكايات تعالج ذلك من خلال تناول اطعمة سحرية و فواكه تاتي في غير اونها على شكل رمان سحري يرميه طائر سماوي في واد يأتي و يسيل من الجبل .. خاف الإنسان عموما من المرض كيفما كان نوعه فرديا أو جماعيا فانشا طقوسا لطرده من خلال طقوس شفوية كما نجد في افريقيا حيث يعتبر الشامان ان المرض كائن شرير تسلل الى جسد المريض في غفلة منه لذلك عليه أن يخرجه من الجسد …و عالج المرض بواسطة بخور و أدعية و طقوس سحرية .. ودعا إلى التداوي و الأخذ بالأسباب … إلى أن ظهرت كل اشكال التداوي المعاصرة من اجهزة للفحص و تحديد المرض العضوي بدقة، والتدخل بكل اشكال الادوية و الجراحة و كل التقنيات الاخرى التي انتجتها ثقافة العلوم الجتمعة و المتكاملة في تحقيق العلاج المناسب لكن مع ذلك لا زال المرض ينتج ثقافته الخاصة من خلال ثقافة الخوف من العجز عن الحركة و العمل ….
و في الأخير الخوف من فقدان الحياة و الحيوية التي يحاول الطبيب ..رغم نجاعة الطب الحديث…. إرجاعها إلى جسد المريض دون أن تكون له كل القدرة على ذلك من خلال مشاكل تحديد نسبب نجاح التدخل الطبي بدقة ….و من خلال الأعراض الجانبية المرتبطة بالتداوي …مما يجعله في النهاية يعود إلى معتقد الأجل و المكتوب … إن ثقافة التطبيب و التداوي تلازمها دائما ثقافة الخوف خاصة وأن صورة المشفى ارتبطت في اذهان جل الناس بصورة سلبية أقرب إلى الموت من الحياة ..فكلما ذكروا المشفى تذكروا المرض المؤدي إلى الموت .. عوض أن يتذكر الحياة و هذه صورة لها علاقة بمجال لم يتم التطرق إليه بشكل كاف انها أنثروبولوجيا للصحة التي ينبغي أن تتغير في مجتمعاتنا …
فمتى نرى في مستشفياتنا رمزا للحياة …؟؟ و خاف الإنسان من الموت فبحث و لا زال يبحث عن إمكانية استبعادها باعتبارها المرض الاخير و الأمر اليقيني و الحتمي الذي لا مفر منه و الخوف الأساس الذي يهدد البشر و لا يجد له ترياقا أو دافعا .. والخوف من الموت هو الذي يفسر الأهمية التي أعطاها البشر لطقوس العزاء و الوداع الأخير و حضور الجنائز وكل الكلام المرتبط بها في وداع الموتى وفي كل المجتمعات …وارتفاع درجة الخشوع في هذه المجامع و القدرة على الاستماع والإقناع بلا جدوى الحياة حتى أن البعض يمررون خطاباتهم السياسية الدنيوية في هذه المقامات و يكسبون المزيد من التأييد … وأنها عبرة ما بعدها عبرة تلك اللحظة التي يودع فيه الإنسان كل ما يحبه و هو مغلف بالبياض و ما يرمز إليه من سكينة و من رقاد ابدي ؟.
إن الخوف من الموت خوف ما بعده خوف. لذلك يلجأ الإنسان كل حياته و إلى أبعاده من خلال كل خطابات الصحة و الوقاية و الحمية لكن الأجل يرتبط في المعتقد بالقدر و بالمكتاب … مثل له في السرد القديم بكونه النهاية المحتومة و المرض الأخير الذي أعيى كل طبيب و حكيم و أنهى كل مباهج الحياة… هو يأتي ليفسد كل شي..
إن الموت يصور في السير ة كالتالي هازم للذات و مفرق للجماعات …و عاشوا في تبث و نبأ و رزقنا بصبيا و بنات إلى أن أتاهم هازم اللذات و مفرق الجماعات معمر القبور و مخرب القصور … إنه مثل غراب البين مفرق بين الأحبة …لقد عاش الإنسان الخوف من الموت مقترنا بالخوف من المرض للسببية التي تجمع بينهما فغالبا ما يعلن عن الموت بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج…. أو بعد مرض الانسان الأخير الذي الزمه الفراش …و لم ينفع معه دواء …
وكثيرا ما يلطفن الموت عند المؤمن فتخف درجته التراجيدية والمأساوية كانقطاع من هذا العالم …إلى كونه راحة و معبرا … فيعتبر راحة من كدر الحياة و من بؤسها ومن لذاتها المنتهية و سعادتها الوهمية إلى عالم لذاته غير منتهية و لا يدركها كدر .. ففي الموت راحة واستراحة لذلك لا داعي للخوف من الموت فما هو إلا قنطرة للعبور من الدنيا المليئة بالشر.
* كاتب رأي من أسرة كش بريس