تقديم :
الثقافة الشعبية متجددة دائما ، تواكب التغير في المستوى الاجتماعي وتهدف تحقيق تواصل موسع، فهي لا تحتوي فقط على ما سبق من أشكال الاتصال، ولكنها تضم أيضا كل القيم اللامادية المنتجة حاليا أو المستهلكة على نطاق واسع لذلك فهي تستوعب أشكال جديدة للتعبير والتواصل ابتداء من ـ النفار ـ وانتهاء بالهاتف النقال ..
في عالم يعتمد إثارة المستهلك ووعده بتحقيق الاتصال والتواصل، وبعالم جديد ، ودفعه إلى الإدمان عليه بكافة السبل، دون أن يحقق ذلك إلا تواصلا سطحيا لا حرارة إنسانية فيه يعمق العزلة أكثر ويجعل التواصل يرتد الى الداخل بشكل أكثر فردانية ..
من أشكال الثقافة الشعبية المتجددة تلك الرنات المختارة للهاتف الشخصي والتي يقبل عليها الناس بشكل يجتمع فيه الفردي بالجماعي ، والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد اليومي …دليلا على التميز وحتى تعبيرا عن القناعات الفكرية والثقافية وحتى الذوق الجمالي ..
في كل مكان وخاصة في الأماكن العمومية ستسمع حتما هاتفا يرن ويثير الانتباه فتسرع إلى تحسس جيبك لأنك لم تعد تتذكر رنة هاتفك الخاص أو لأن الرنة تشبه رنة هاتفك …. ولأنها مجرد استجابة مشروطة ..
الرنات أنواع وأشكال
بعد أن كان للهاتف الثابت رنين واحد يشبه جر سلسلة سرسرسر ،تعددت الرنات واختلفت بين مستعمل وآخر ، وأصبح الناس يتفننون في اختيارها حتى أن كل واحد يختار الرنة المناسبة له والتي يمكن أن يتفرد بها عن غيره …
وإذا كان للرنة وظيفة واحدة هي إثارة انتباه المتلقي إلى كونه قد تلقى مكالمة أو رسالة ، فلا تخفى وظيفتها الفنية والتزينية والتعبيرية …التي تحيل على ذوق المتلقي وطبيعة ثقافته ..
وتختلف هذه الرنات في مضامينها مابين رنات النشيد الوطني والأغاني العاطفية: خليني جنبك خليني ….
وتعابير خليجية وكلمات وردة وكلمات فيروز، و أغنية الستاتي و الطرب الشعبي ، والأغاني الدينية والبسملة والحمدلة واستعمال آيات من القران الكريم وأناشيد دينية .. انت الحبيب الذي ترجى شفاعته ..
ورنين بارد و هابي بورد داي ، وكلمات متصابية بصوت أنثوي .. هاي .. أو مجرد موسيقى بدون كلمات موسيقى فيروز أحبك يا لبنان يا وطني ..
أو رنات أكثر جرأة تثير الانتباه كاستعمال الموسيقى الشعبية ـ الجرة ـ مثلا …
طبيعة الاختيار
تختلف رنات الهاتف لتعبر عن اختلاف في الثقافة الاجتماعية واختلاف الميول الشخصية ، وقد يكون اختيار الرنة حسب عدد من المحددات السن، الفئة الاجتماعية الجنس، المهنة، ربما بسبب التقليد والمحاكاة ..
فغالبا ما يختلف اختيار الرنين بين الجنسين،فالرنة التي تختارها المرأة تختلف في كثير من الأحيان عن تلك التي يختارها الرجل …
وقد يحافظ الشخص على رنة واحدة أو يغيرها كل مرة كما يغير ألوان شاشة هاتفه ..
تصنيف دلالة الرنات
تحيل الرنات سواء كانت تعتمد الكلمة أو الموسيقى أو هما معا ،كأي شكل من أشكال الدلالة على معنى خاص يتوصل إلى فهمه المتلقي بسهولة قد يكون في حالة استعمال الكلمة…
أو يكون مجرد إحساس عام كما في حالة الاقتصار على الموسيقى مثلا أو استعمال لغة أجنبية لا يفهمها المتلقي الذي نقصد به الذي يسمع الرنة صدفة سواء كان فردا أو جماعة …
وتصنف دلالة الرنات إلى حقول دلالية تعبر عن المستعمل الذي يستعملها بقصد أو بدون قصد:
ـ رنات ذات بعد عاطفي تستعمل أغاني عاطفية معروفة تعبر عن المشاعر الحميمة وتدخل في سياق التعبير التخارج …
ـ رنات ذات بعد ديني تستعمل عبارات دينية مستوحاة من القرآن والحديث وتعبر عن ميول أو موقف ..
ـ رنات أكثر جدية تشير إلى الانتماء المهني لصاحبها .
وتختلف اللغات المستعملة في رنات الهاتف :
حيث نجد في المقام الأول استعمال اللغة العربية ..
ـ ثم اللغة الامازيغية
ـ فالفرنسية
ـ وبعض اللهجات كاللهجة المصرية واللهجة الخليجية
تشير دلالات رنات الهاتف في النهاية إلى التعدد والتنوع في الثقافة الاجتماعية وعن الحاجة إلى التفرد والتميز عند عدد من المستعملين كما تعبر عن الحالة النفسية والميولات الثقافية والعاطفية لصاحب الرنة ، والله أعلم .