أولا عيد فطر سعيد لجميع قراء “كيش بريس” ولجميع الأهل والأصدقاء …
هذه إطلالة على الشعر العربي من زاوية ونافذة عيدية احتفالية ـ باعتبار العيد موعد لاحتفالية جماعية تبتعد عن رتابة وحاجات الحياة اليومية ـ
أو من وجهة نظر ثقافية وشعرية على الخصوص، فكيف عاش الشعراء العرب العيد بعد شهر من الصيام، وكيف تفاعلوا مع أجوائه وكيف احتفلوا بلحظاته …
تغنى الشعراء العرب بالعيد وهم تتوزعهم مشاعر الفرح أو الحزن .. وهم ما بين متأمل مصدوم و منتظر على أحر من الجمر موعد الإفطار..
وهم ما بين مرحب ومتفائل ومتشائم…ومن يستغل لحظة العيد في المدح والتكسب الذي كانت سوقه رائجة في سابق الأيام ، و سبه معلوم ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصف هلال العيد :
ربط ابن المعتز بين منظر الهلال وبين عيد الفطر، وشبه شكله بمركب من فضة في بحر من الظلمة التي تظهر كحمولة من عنبر مما يزيد ضوءه بهاء و وضوحا وجمالا، وذلك كناية عن رقته وشدة الظلام المحيط به …
رحب الشاعر بهلال الفطر واعتبره مناسبة لتحية الأصحاب وتهنئتهم وتصبيحهم بالعيد والإسراع في ذلك لما فيه من إشاعة الخير والعلاقة الطيبة بين الناس ..
قال :
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أنـاخ هـلالُـه
فـالآنَ أغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ
قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ مــن عَنْبَـرِ
ويشبه ابن الروميّ انقضاء هلال الصوم وبياضه بحاجب شيخ ابيض وشاب من طول عمره وهرمه، فالعلاقة بين الهلال وحاجب الشيخ يجمعها بالإضافة إلى البياض الشديد الشكل المقوس، فشكله يشبه القوس تماما مثل الحاجب، كما نجد في الأغنية الشعبية .. “هاذوك حجبان ولا هلال يبان ..؟؟”.
نفس الإشارة بالقول في سياق السؤال الاستنكاري ويعني بصيغة المفرد هل هو حاجب أم هلال يظهر من بعيد ..
والمقصود في سياق النسيب أن الأمر لا يتعلق بالإشادة بالبياض، لعدم مناسبته المقام ودلالته عى هروب الشباب والهرم والشيخوخة، وهو أمر غير محمود في مقام المدح أو الغزل، وإنما بالدقة في رسم الشكل المقوس تماما ..
إن ولادة هلال العيد من جديد وظهوره ينهي الصوم ويأذن للناس باستئناف حياتهم الطبيعية في الأكل و الشرب :
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ
يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
العيد والجديد :
يتساءل المتنبي عن ما سيأتي به العيد من جديد، وهل من معنى للعيد في غياب الأحباب وبعيدا عنهم، متسائلا باستنكار :
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر ما فيك تجديد؟
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيد بعدها بيد
بالنسبة للشاعر العيد لم يأت بجديد فحالة الغربة هي هي، والأحباء قد لجوا في البعد وغرقوا فيه، والأقارب صاروا أباعد بينهم صحاري و قفار، فما العمل بالعيد و ما دلالته على الجديد، إنه بهذا المعنى عند الشاعر يوم عادي لا جديد فيه، يعلوه غبار الرتابة كغيره من الأيام و يحل فيه الحزن و الهموم ..
فالعيد أساسا يرتبط بالجديد من لباس أو طعام رغم أنه مبني على العادة والاستمرار، هو حال وشعور نفسي بحالة الفرح والسرور بقدوم لحظة سعيدة وإحساس جديد، وهو ما لم يتحقق بالنسبة إليه ..
أما شاعر المهجر فيتخذ عنده العيد طابعا فلسفيا يدعو إلى التأمل في معناه وتدبر في أحوال الناس، فلا معنى للعيد خارج دائرة الفرح الجماعي ..
فهو يتأمل حال الناس وقد أتى العيد ولم يجلب معه الفرح والسرور، فماذا يكون العيد وما معناه إذا لم يكن معادلا للفرح والسرور :
أقبل العيد و لكن
ليس في الناس المسرة
لا أرى إلا وجوها
كالحات مكفهرة
تحذر الضحك كأن
الضحك جمرة
أيها الشاكي الليالي
إنما الغبطة فكرة
ـــــــــــــــــــــ
العيد والواقع الاجتماعي :
في حين يتحدث اليا أبوماضي في قصيدته ـ ابتسم ـ عن العيد من جانب آخر ، جانب التكاليف التي يفرضها على المستضعفين في الأرض، فالعيد أقبل بمتطلباته وما يلزمه من إنفاق على الأهل والأبناء ..
وهذه المطالب تعترض وتحول دون الفرح ـ حيث أن وضعية الشاعر المالية لا تسمح له بمواكبة أجواء العيد ونفقاته .. فكف الشاعر لا تملك درهما كما يقول :
قال المواسم قد بدت أعلامها
و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و لي على الأحباب حق واجب
لكن كفي ليس تملك درهما
أما الشاعر المعتمد بن عباد فقد أدركه العيد وهو في حالة لا يحسد عليها ، فقد أدركه سجينا في أغمات يرى هوان نفسه وأهله وبناته في غير لباس العيد، وهو يرتدي لباس الأسر عوض الحرية ..فقال في ذلك مشفقا على حاله وعلى أهله مقارنا بين الماضي والحاضر ..
فيمـا مضى كنـتَ بالأيامِ مسروراً
فجـاءكَ العيـدُ في أغماتَ مأسـورا
تـرى بناتِـكَ في الأطمـارِ عاريةً
يطأنَ في الدَّيْنِ ما يملكـن قطميـرا
ولا يجد الشاعر العراقي مجالا للسعادة والفرح بالعيد وهو يرى مشاكل الوطن .. فيقول:
يقولـونَ لـي : عيـدٌ سعيـدٌ ، وإنَّهُ
ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ
أعيـدٌ سعيـدٌ !! يا لها من سعـادةٍ
وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ
وخاصة أن القدس، لا زالت تعاني من الأسر ، فيقول :
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّاً مضرَّجـاً
بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً
ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
وكذلك عمر أبي ريشة الذي يتمنى أن يمر العيد و يأتي بالانتصار والمجد ..
يا عيـدُ مــا افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يــا عيدُ
فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ
لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ
ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
استبطاء العيد :
وهناك بعض الشعراء الذين تناولوا العيد من جهة أخرى، من جهة انتظارهم للإفطار، لم يرجعهم الصوم عن غيهم ولم يعدهم إلى رشدهم،فمنهم من نفذ صبره و قد أدركه الحنين إلى عادته القديمة ..
ومن مثل ذلك قول بشار بن بُرْد مبدياً ضجره من رمضان مستثقلاً إيّاه، متعجّلاً انقضاءه، وقدوم العيد، فقال :
قُلْ لشهر الصّيامِ أنْحلتَ جسمي
إنّ ميقاتنا طلوعُ الهلالِ
اجهــــد الآنَ كلَّ جَهْدِكَ فينا
سترى مـا يكون في شوّالِ