بمناسبة الدخول التكويني 10/01/2022
أولا وقبل البدء لا بد من تحية كل الجهود التي تهدف إلى تجويد التكوين والرفع من قيمته ومن مستواه لصالح المكون والمدرس والإداري والتلميذ والمجتمع ككل، و جعل تكويننا في مصاف التجارب التكوينية المتميزة التي أدت الى تكوين أجيال متميزة من المدرسين كفايات وعلما وأخلاقا ..
ثانيا ، التكوين غير التدريس …ومن أجل جاذبية مهنة التكوين وجودته لصالح الأجيال المقبلة من المدرسات والمدرسين وغيرهم من الأطر الذي يحتاج إليهم قطاع التربية والتعليم، فإن من الضروري فهم خصوصيته شكلا ومضمونا، لأن التمييز بينه وبين التدريس ضرورة وليس ترفا، رغم ما يقربهما من مشترك تربوي، لاختلاف الأدوار والوظائف والمهام، فدور المكون في منظومة التربية والتعليم يختلف عن دور المدرس، في طبيعة المهام المسندة لكل منهما، وطبيعة المستفيد وأهداف وغايات كل من التدريس والتكوين.
فإذا كان المدرس بما اكتسبه من معارف وقدرات واستعداد وتجارب سواء في مختلف أسلاك التعليم أو في الجامعة، أو في التكوين الأساسي والمستمر، أو من خلال تجربته في التدريس وتعامله مع الوضعيات المركبة في الفصل الدراسي ، يعمل على تعليم المتعلم وتزويده بالمعارف والقيم والكفايات اللازمة حسب مستواه التعليمي وحسب الأحوال استجابة لحاجاته النفسية وذكائه الفارقي، وطبقا للبرامج المعمول بها في مختلف أسلاك التعليم، وطبيعة المقاربة التربوية المتبناة …إعدادا له للتعامل مع المعارف المتعددة ولفهم تلك التعلمات واستدماجها وممارستها في الواقع ،مع إعداده بطريقة غير مباشرة ، للاندماج في سوق الشغل، أو خلق مبادرات وشاريع شخصية في المستقبل …
فإن الدور الأساسي ( للاستاذ المكون) ومهمته تقتضي منه ـ شيئا ما ـ مهارات مختلفة ، ووعيا بممارسته التكوينية و تطوير لها باستمرار من خلال البحث المستمر، فلا تكوين جيد بدون بحث علمي مواكب للعملية التعليمية الواقعية، وإعادة النظر في الوسائل والأداء والمناهج والبرامج والمقاربات ..
علينا أن نقتنع أن وظيفة التكوين غير وظيفة التدريس، فهو لا يتعامل مع متعلمين صغار في السن ينتظرون منه أن يمدهم بالمعلومات والمعارف، إنه يتعامل مع أساتذة أو إداريين متدربين، حاصلين على شواهد عليا، مجازين أو حاصلين على الماستر أو حتى الدكتوراه، مقبلين على المهنة لتملك أسسها و تقنياتها، والمهم هو تهييئهم و إعدادهم لما سيمارسونه من مهام ، تزداد تعقيدا وتشعبا مع الوقت، بأقرب المناهج التي تمكنهم من النجاح في عملهم و تطوير أدائهم، عن طريق تمهيد الطريق لهم ومدهم بالكفايات اللازمة لتحقيق العمل والهدف المنشود، و تزويدهم بالمعلومات واستبصارهم بالصعوبات و المشاكل المعرفية و العلائقية و التواصلية التي ستعترضهم ، ومدهم بالطرق والاستراتيجيات التي تساعدهم على حل هذه المشاكل، وتقديم الحلول الملائمة المراعية لكل الوضعيات التي سيشاركون فيها المتعلمين أثناء القيام بمهامهم التربوية و التعليمية ، بل توجيههم حتى في مشاركتهم الادارية من باب الانخراط في المجالس و الاندية التربوية و تدبير الحياة المدرسية، وتقديم الارشاد فيما يحتاجه التقويم التربوي من دراية وحنكة، وتحتاجه دينامية مجموعىة الفصل من تواصل وتنشيط ..
و ما قلناه عن تكوين المدرسين نقوله عن تكوين هيئات الادارة و الدعم ،مع اختلاف في الشكل و المحتوى لاختلاف المهام، الشيء الذي يقتضي تكوينهم تكوينا جيدا يتلاءم أساسا مع الوظائف والمهام التي سيقومون بها في المستقبل، والمسؤوليات التي ستلقى على عاتقهم من خلال استشراف مستقبلي لمختلف الوضعيات الادارية و التربوية، ومن تم يصير البحث الاداري التربوي ذا أهمية خاصة في التكوين الإداري، بالاضافة الى التكوين التواصلي و التقويم المؤسساتي و الاداري و المالي و التربوي .. ..
و باختصار شديد ، إن عمل المكون هو تلخيص التجارب واختزال الإعدادات ووضع السيناريوهات من أجل اعداد أطر التربية والتكوين من مدرسين وإداريين، لممارسة المهنة باستحضار لكل المستجدات والتصورات والتقنيات، وهذا العمل لا يمكن ان ينعت بأي نعت آخر غير التكوين، لأنه تكوين أساس من أجل ممارسة مهنة محددة ومنظمة، تكوين يمكن المتدرب من فرص النجاح نتيجة الخبرة والتجربة التي راكمها المكون في ميدان التدريس أو الادارة والتكوين، ونتيجة توفره على مؤهلات لازمة في ميدان البحث العلمي التربوي والدراسات الاكاديمية في مجال التخصص وسواه ..
في حقيقة الأمر، البعض لا يميزون بين التدريس والتكوين، و حتى اذا ميزوا لا يفهمون ما الذي يخصص مهنة الاستاذ المكون الذي يتولى تكوين الأساتذة و رؤساء المؤسسات التعليمية و هيئة الدعم التربوي و غيرهم .. إن التكوين هو الذي يزود القطاع بما يحتاجه من أطر، فهو ينتج المدرس والمدير وغيرهم، والمفروض فيه أن يجيب عن مختلف انتظاراتهم ويساهم في حل المشاكل التي تعترضهم، وأن يجعلهم يطورون ممارساتهم في ميدان العمل ….
و للحرص على الجودة، لا بد من تحديد مواصفات هذه المهنة ، و المهارات التي تتطلبها مواردها البشرية، و تمتيعهم بالاستقلالية اللازمة للباحث في مجال تطوير التكوين و رفع مستواه، وقد فطنت الوزارة الى أهمية التكوين الاساسي والمستمر، وستفطن حتما الى ضرورة تحصين صفة المكون والباحث في مؤسسات التكوين، الذي أن لم يرسم دوره الحقيقي، لن تكون للتكوين الجودة المنتظرة ، فلا يمكن تصور تكوين بدون مكونين، ولا يفيد مكونون موسميون، تسند إليهم الصفة وتتنزع دون استمرارية، وهذا بالضرورة يطرح قضية اعادة النظر في تكوين المكونين و لم لا اعتماد مؤسسة خاصة لهذا الغرض ..
و ليس هناك داع لاستبدال لفظة التكوين بغيرها ، فهذا لن يطور التكوين في شيء ، فستظل المراكز تقوم بعملها في تكوين مدرسي المستقبل ، و حتما ستطور من اداءها في هذا السياق ، اذا ما توفرت لها الظروف و الشروط المناسبة للعمل ...
ستبقى المهمة الاساسية لمراكز التكوين هي التكوين و البحث التربوي و الاداري المساند و المطور لمهن التربية و التكوين ..
و في اعتقادي ليس التأهيل إلا جزءا من مهنة التكوين ، و لا يمكن ان تؤهل شخصا ما مهنيا بدون يتلقى تكوينا أساسيا في المهنة ذاتها، في هذا السياق لا يمكن وضع التأهيل مكان التكوين الا كمكمل له ، وتلزم العودة بهذه المؤسسات الى فكرة ووظيفة ، تكوين موظفي القطاع تكوينا رصينا لا يميز بين العملي والنظري في اطار سيناريوهات تكوينية واضحة، لممارسة مهماتهم في أحسن وجه محيطين بكل المستجدات و الاكراهات المستقبلية، منفتحين على ثقافة المجتمع و الأفراد و المناطق والجهات مع امكانية العودة اليها لانجاز بحوث في مستوى دراسات عليا للبحث في الحلول لاشكاليات واقع المهنة و متطلباتها ..
ان التكوين عمل مزدوج يقتضي تأهيلا مزدوجا، فإعداد المتدربين لممارسة المهنة يقتضي أولا معرفة بالتدريس وثانيا معرفة بالتكوين.. معرفة بالادارة والتكوين الاداري، والملاحظ إن مهمة أستاذ مكون أن وجدت على مستوى الواقع والممارسة، فإنها لحد الان غير معترف بها كهيئة مهنية، مما يدعو الى تدارك ذلك، لصالح جودة التكوين ..
فإن تسند إلى المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، و هي الوريثة لمؤسسات التكوين الوطنية أقصد المركز التربوي الجهوي وتكوين المعلمين والمدارس العليا …التي أمدت القطاع بخيرة الأطر ،مهمة التأهيل دون التكوين، فأمر يلزم أن يعاد فيه النظر …
إن التكوين و اعداد للمتدرب لممارسة المهنة ليس بالأمر الهين ، فلا بد للمكون من ممارسة و تجربة و تأهيل علمي مهني خاص ..لتمكين المتدرب كان مديرا أو أستاذا من قدرات متعددة لامتلاك و تقمص شخصية المهنة، وهي المهمة التي ستوفر الكثير من الجهد و الوقت ، و تنشر ثقافة الثقة و الأمل في المؤسسات التعليمية ، وتنقذ الكثير من المتعلمين من شطط ما أو أخطاء مهنية مفترضة و صراعات زائدة.. ..و تحارب الهدر و العنف و غيره من الظواهر اللاتربوية ..
إن ادراك أهمية مهنة التكوين وخصوصيتها، سينعكس حتما على جودة التكوين، فلا يمكن تصور تكوين بدون مكونين ..
إن هذه المؤسسات بطبيعة عملها البحثي و الأكاديمي، والمستوى العلمي للمستفيدين فيها من التكوين، من مستوى ما بعد الإجازة ، لا يصلح بها إلا أن تكون مؤسسة للتعليم العالي ـ كما كانت في السابق ـ بمعنى مؤسسة تمارس البحث العلمي في مجال التكوين والتدريس و الادارة، طبعا بشراكة مع غيرها من المؤسسات ذات الصلة، لحل مشاكل التربية والتعليم في بلادنا وللسهر على تكوين الأطر تكوينا جيدا ..
ومن جهة أخرى لا بد من الاهتمام بالمكون بمختلف فئاته ، والعمل على تكوينه تكوينا رصينا، باستعمال طراءق التكوين القابلة للتقويم والتي تنعكس بشكل مباشر على مؤهلاته وتطوير تجربته ، فتكوين المكونين ضروري و أساسي في تحقيق جودة التكوين، والحاجة اليه ملحة مع المستجدات المستمرة لتجنب بعض الصعوبات التي تعترضه في تأمين تكوين جيد منفصل عن منطق التلقين …و لا يسعنا في الختام إلا أن نتمنى لجميع المكونات والمكونين، موسما تكوينيا نافعا …