![](https://www.kechpresse.com/wp-content/uploads/2025/02/العضراوي.jpg)
في برنامج سياسي لرئيس أعظم دولة على وجه الأرض، حزمة من القضايا والخطط، ما تعلق منها بأمريكا فهو من خصوصية الشعب الأمريكي وما تعلق منها بالسياسة الدولية فهو خاصية الشعوب الأخرى. المخطط “الترامبي” يكتسي طابعا اقتصاديا تجاريا وماليا، ويتعدد ليكون حربا معلنة على سيادة الدول ونوايا للمس بحرية الشعوب. تجد خلطة كبيرة من التناقضات في برنامج الرئيس ترامب السياسي، فهو يعد الشرق الاوسط بمرحلة من السلم الاجتماعي والرفاه لا نظير لها في التاريخ، وبتحويل غزة ريفيرا الشرق الاوسط تحت السلطة الأمريكية (…) وسعادة للفلسطينيين لم يروا مثلها في تاريخهم الدموي الطويل، ودولة إيرانية عظيمة منزوعة السلاح، واسرائيل مملكة موحدة تضم يهودا والسامرة (الضفة الغربية وإسرائيل الحالية) واسرائيل اقوى دولة في الشرق الاوسط. ولنا أن نحصي كم التناقضات الهائل في هذه الفقرة وحدها من مخطط ترامبي مفزع وغريب الأطوار، حين نجده يتوعد الدول العربية والمقاومة الفلسطينية بالجحيم إذا لم يتم ترحيل سكان غزة إلى دول عربية او افريقية.
تلك كانت خطة السلام في الشرق الاوسط على طريقة ترامب، ما لبتت ان حصدت رفضا عالميا من كل العواصم وموقفا عربيا موحدا يشمل السعودية ومصر والأردن وإبعادا تاما لصفقة القرن التي شكلت محور هذا المخطط. جاء الرد السعودي قويا ضد خطة الرئيس الأمريكي، بيان وزارة خارجية المملكة العربية السعودية عبر عن رفض مطلق لهذا العرض ونبهت المملكة العربية السعودية على أن المملكة تصر على تطبيق اتفاقية أوصلوا 1993 وأن الحل الوحيد الذي تقبله السعودية هو حل الدولتين ووقف الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية واستبعاد مخطط التهجير والعمل على تعمير غزة وإنهاء الحرب، الموقف نفسه جاهرت به كل من مصر والأردن وقطر والأمارات المتحدة ودوليا كل من فرنسا واسبانيا وانجلترا وألمانيا وأستراليا وروسيا والصين وغيرها من الدول التي كان بعضها حليفا لأمريكا وإسرائيل في حربها على غزة. الموقف السعودي عقد إلى حد ما مهمة الرئيس ترامب في تطبيع العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية التي كان سيجني من ورائها عدة مليارات، مما جعل صفقة القرن مستحيلة التحقيق وحلم الرئيس ترامب بريفييرا الشرق الأوسط ضبابيا.
لقد كان ترامب يعد بسلام دائم في الشرق الأوسط، لكنه أعاد من حيث يدري أو لا يدري مؤشر الحرب إلى نقطة البداية، قد يعود الجيش الإسرائيلي إلى معارك الإبادة الممنهجة للمدنيين الذين عادوا إلى غزة، وقد تعود المقاومة الفلسطينية أكثر شراسة لتكبد الجيش الإسرائيلي يوميا خسائر في الأرواح والآليات وما قاله السيناتور “كريس مورفي” أكدته من قبل المجندة الاسرائيلية التي اطلق سراحها في نصيحة موجهة للحكومة الإسرائيلية قائلة” اتخذوا حلا مع الفلسطينيين، انهم سيحاربونكم إلى آخر رجل أو طفل في غزة” ما قالته المجندة الاسرائيلية بعد اطلاق سراحها قاله الرئيس السابق جو بايدن قبل مغادرته البيت الأبيض، موجها كلامه لنتنياهو؛” عليك أن تستوعب خوف الفلسطينيين وتجد حلا معهم كي تحافظ على ديمومة اسرائيل”. والاكيد أن مصطلح “ديمومة أو استمرارية” يحمل الكثير من المعاني والدروس التي لا يريد التيار اليميني المتشدد في الحكومة الإسرائيلية وفي الشارع الإسرائيلي، أن يستوعبها.
غزة في ظل الوضع الراهن والإجماع الدولي ووحدة الموقف السداسي للدول العربية، هي وطن للغزيين وجزء من الدولة الفلسطينية التي لا محيد عن إقامتها لإنهاء الصراع الدموي في المنطقة، ولن تباع أو تشترى لتتحول إلى منطقة سياحية عالمية.
هناك مضاعفات خطيرة للوضع المتفجر تذكي مستقبلا نيران حرب طويلة الأمد بين إسرائيل والفلسطينية وفي متغيرات الأوضاع الدولية قد تقلب موازين القوة في المنطقة تقحم دول عربية أخرى في هذه الحرب، لا يمكن التكهن بمن سيكون في خط المواجهة ضد إسرائيل وحليفتها أمريكا بديلا عن إيران وحزب الله. إسرائيل الآن تدفع بقوة نحو هذا السيناريو بإشعال الضفة الغربية التي انتقلت اليها الحرب بعد وقف اطلاق النار مباشرة في غزة وستنتقل بديهيا المقاومة إلى الضفة إذا لم يجد الوسطاء حلا للقضية الفلسطينية، المقاومة توجد دائما حيث يوجد جنود محتلون وآليات، وإذا كانت خطة “الأرض المحروقة” العسكرية في الضفة الغربية على غرار ما قامت به إسرائيل في غزة، فإنها ستوفر بغباء الملاذ الآمن لوجود كتائب من المقاومين الفلسطينيين الذين سيجدون ميدانا قابلا للعمليات؛ خرائب وأبراج محطمة وملاجئ ومخيمات تم تهديمها وأماكن جيدة للتخفي واستهداف آليات وجنود للعدو وتدميرها على الطريقة الغزية تماما. الوضع قد يختلف تماما، لأن إسرائيل ستكون أمام امر واقع بسبب انسحاب حلفائهم في الحرب ردا على قرارات ترامب خصوصا إذا تغيرت موازين القوى في المنطقة وعدلت الدول العربية من مواقفها اتجاه التأييد الاسرائيلي، ولعل بوادر هذه المواقف تلوح من الآن وتبشر بوحدة مواقف عربية متوقعة، من شأنها أن تشكل ضغطا على إسرائيل لتفاوض مرة أخرى، على حل الدولتين.
ميلود العضراوي
كاتب من المغرب