لم أجد فيما قرأت عن مفاهيم النصر والحرب والقتال لدى الأمم شيئا يضاهي ما عند المسلمين على امتداد تاريخهم ، فحجم التدمير والخسائر بكل أنواعها كانت ضئيلة جدا في حروبهم إذا ما قورنت بفواجع وخراب حروب الأقوام الأخرى ، وهذه حقيقة أولية ومؤكدة ، تدل علينا ، ويجب أن نشيعها بين الأمم في وقتنا وفي جميع الأزمنة لأهميتها ، وأن نعتبرها من مفاخرنا ، ومن معاني الخيرية الخاصة بالأمة مصداقا لقوله تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ – آل عمران 110 ) .
وعندما نتكلم بلغة الدلالات فسنحصي لها مجموعة هائلة من العناوين المضيئة والمتكاملة في تعريف الإنسان بنفسه من جهة الواجبات والحقوق ، ومن جهة الحدود المرسومة لكي تستقيم الحياة ، ومن جهة المثال والنموذج والصورة الوجودية المنشودة في كل وجود إنساني بعد الإسلام ، كما سنستشف منها مُقَوِّما حياتيا دائما ومفصلا ، يشمل جميع مناحي العلاقات الاجتماعية الممكنة ، سواء كانت فردية أو جماعية ، مع الإشارة إلى الكيفيات والأحوال في السلم وفي الحرب وبقية مستويات الحياة ، ومن الدلالات كذلك حفظ النسخة الإنسانية المعتبرة وإن تناسيناها نحن المسلمين بصلاحها وصلاحياتها القابلة للاستشهاد بها ، والعوة إليها في جميع الأوقات ، لعلنا نتمسك بها ، ونحيي محاسنها في النفوس ، وتصحو ضمائرنا بفعلها من جديد ، ونتخذ من المضامين المحققة طريقا ووسائل للتصحيح ، والإصلاح ، والرجوع عن مواقف الكره والأحقاد والحروب .
والصورة المقدمة بجماليتها السابقة ووضوحها وتركيزها ، ودعوتها إلى التشبث بالمرجو الغائب من حياة الإنسان في معظم الوقت ، والإلحاح على ربط كل فعل بشري بشريعة الله تعالى ، وعلى الحث عليه في التربية السلوكية الفردية والجماعية في حال السلم والحرب معا ، واعتبار قيم النبل والعدل والإنصاف والحرية المتزنة والاستقلالية المسؤولة…. وغيرها…..
أعتقد أنها من الأسباب الرئيسية التي يُحارَب عليها الإسلام ، ويُكاد له على أساسها في مختلف مراحل تكوينه وانتشاره ، لأن بعض الخلائق لا يَرضَون لأنفسهم أن تكون متشابهة ومتساوية بالأخرى ، فالإنسان يعيش تحت تأثير تراتبية تمييزية مقيتة ، ويُدفَع إلى تكوين كيانات تنزلق إلى التعارض والتناقض ، فلا ينبغي أن يتساوى الغني والفقير على سبيل المثال ما دام أن شرع الإنسان يناصر القوي ، ويمجد الذات الظالمة ، ويميل إلى ذي القوة والبذخ ، ويؤسس نظرته الوجودية على الوضع الاجتماعي المُفرِق بين الناس في كل مناحي الحياة .
المواجهة والقتال في عُرف الإسلام يدخل في إطار التدافع ، والحفاظ على النموذج الإسلامي المرفوض من طرف أهل الشر ، أو المُحارَب من لدن الفئات الطاغية ، ومع ذلك فلا يجب أن تخرج نلك المواجهة عن الضوابط المرعية في تعاليم الأسلام ، ولا تتعدى النطاق المسموح به حتى لا يتحول القتال إلى عقيدة ذاتية ، وتَعَصُّب مُفرِط للعِرق واللون ، والمال والجاه ، وما شابهها من هرطقات الإنسان المستمرة……..
وقد سعى الإسلام إلى بناء كتلة كبيرة من القواعد الضامنة لمعاني الحياة حتى في أوقات الشدة ، ومنها ما يلي :
1 – محور الذات : إنه محور مهم ، تتأسس عليه كل الرؤى الصحيحة والخاطئة ، ولهذا أولى له الإسلام عناية خاصة من جهات متعددة : جهة الإيمان وما ينبثق عنه على صعيد علاقات القرب والبعد ، والنصرة والاتحاد ، وجهة الأهداف الممكنة التي سيُعمَل على الوصول إليها ، وجهة استحضار التاريخ الإسلامي بكل تجلياته ما دام فعلنا يمثل إضافة جديدة له ، ويخضع لأحكامه ومصالحه المرتبطة بأصوله وفروعه ، وجهة الاستعداد النفسي والفكري وَتَبَيُّنِ وسائلهما بشكل جيد تماشيا مع الرغبة في نشر الدين والحفاظ عليه لنصل إلى الغاية الكبرى وهي توطين النفس عن طريق الإحساس بالانتماء الجمعي السماوي والأرضي .
هذه أمثلة من المعالجات الذاتية ، هدفها هو إبقاء الفرد مندمجا في إطار الجماعة بشكل إيجابي ودائم ، وحتى تبقى الدوافع للقتال جماعية كذلك ، ولا ترتبط بشخص ، أو أشخاص معينين ، ولا بعقيدة أرضية مزيفة وخدومة لفئات محددة، والصورة بهذا الشكل لا يمكن أن تتحقق إلا إذا ارتبطت بالغايات السماوية أولا ، ثم تجري على وفقها أثناء الوقائع الأرضية المختلفة ، ففي الإسلام ليس هناك توسع بمعناه الجغرافي فقط ، وليس هناك استعمار للأراضي وتقسيمها على ضوء أهواء البشر ، وليس هناك شريعة للقوة تنشأ لأجل البطش والاغتصاب ، وتطبق على الضعيف بمفرده ، بل هناك رؤية شمولية ، الأساس فيها هو الدين وحرمته ، وتحصين عقيدته ، ونشر قيمه ، والدفاع عن وجوده ، وفتح المجال لقيام وجود إسلامي متكامل ونموذجي ومستمر .
2 – عِبَر التاريخ الإسلامي المتعددة : الرجوع إلى التاريخ لمطالعة حِقب البشر المتتالية هو مفيد دائما بغض النظر عن الدوافع والأهداف على اعتبار أن أحداث الإنسان الأساسية تتعاقب على وتيرة متشابهة تقريبا ، وهذه فائدة فكرية كبرى يَتَحَصَّلُ عليها قراء التاريخ باستمرار ، ويربطون بواسطتها بين الأزمنة والأمكنة في الماضي والحاضر والمستقبل .
وشواهد الحضور الإسلامي بأحداثه الكثيرة والمتنوعة تؤكد هذا المعطى من ناحية الاستمرار في رسم المشاهد المتناسلة ، وكذلك الأمر بالنسبة للحَمُولة الإسلامية الخالصة والخاصة .
معارك الإسلام منذ غزوات الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام كانت تجري وفق النظرة الدينية المتحكمة والمبنية على أسس تجمع ما بين الإنسان ومحيطه الصغير والكبير ، وما بين المنطلقات والأهداف ، وسأذكر بعضا منها وفق التالي :
2 – ا – القتال في الإسلام لا يكون إلا لدفع الظلم الواقع على النفوس من جهة الدين ، قال تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ – الحج 39) .
2 – ب – الاستعداد الدائم لأننا في وضع المدافعين ، وفي وضع المحسود والمقصود بكل تدابير الإقصاء والاجتثات من طرف الآخر العدو المتربص بنا بصفة الدوام ، وعلى كافة المستويات ، قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ – الأنفال 60) .
2 – ج – القتال في الإسلام لا ينبغي أن يتحول إلى عدوان لأسباب شخصية ودنيوية ، ولا يتحول إلى فساد وإحراق الزرع ، والإضرار بالنسل وغيره ، بل علينا أن نحافظ على وسائل الحياة ما أمكن ، قال تعالى : ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ – الأعراف 56) .
2 – د – يجب أن يكون الجُنُوح إلى السِّلم هو الأصل قبل المعركة وفي أثنائها ، وأيضا لما سيأتي بعدها بشرط أن تتبين مواقف كل الأطراف تبينا كاملا ، وأن لا تكون الدعوة إلى السِّلم مبنية على ضعف ، أو مصلحة جماعة معينة ، أو تفضيل حياة الدَّعَة والاستجمام على حياة القتال ، أو منطوية على خداع وغدر من طرف الخصوم ، والأهم هو أن لا نفقد معها قدراتنا واستعداداتنا المستمرة مع الحياة ، قال تعالى : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – الأنفال 61) .
2 – ذ – الاعتقاد الصحيح بأن النصر كله هو نصر من الله تعالى ، وهو نصر لدينه أولا ، فلا ينبغي أن يُنسب لشخص أو جماعة بالرغم من بلائها بإستثناء جماعة الإسلام ، وهذا المبدأ في حد ذاته يساعد على كبح الطموح الذاتي ، وصناعة الأبطال المزيفين ، ويقضي على الاعتقادات السلبية التي تتحول مع مرور الوقت إلى ظلم وطغيان ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ – محمد 7) وقال : ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ – الأنفال 10) .
وكما قلت فهو نصر عام يشمل القتال وأنواعا أخرى من معارك الحياة المختلفة على صعيد الفرد والجماعة .
2 – ر – القتال في الإسلام إذا كان وفق قواعده الصحيحة ، أي لله وفي سبيل الله فإن المشاركين فيه كلهم مأجورون ، والمقتول فيه من المسلمين يعتبر شهيدا ، وسيحشر صحبة النبيين والصديقين والصالحين ، فهو يدخل في إطار مفهوم العبادة المطلقة ، قال تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ – آل عمران 169) .
3 – التركيز على مفهوم القلة والتذكير به في كل نصر إلهي تحقق على الأرض : الإسلام لا يعتد بالكثرة والقلة في مفهوم القتال ، وإنما يتجه إلى الجوهر الذي هو علاقة الإنسان بربه ، وإبتغاء الحياة المرادة ، وإقامتها على قواعد الدين المختلفة وفي جميع المراحل .
ومفهوم القلة يردنا إلى ما قلناه عن النصر ، وأنه لا يحدث للمسلمين إلا بإذن إلهي ، ويساعدنا على دوام الارتباط القوي والدائم بين السماء والأرض ، وتجلياته عديدة ، تحافظ على المفهوم المقصود ، وتثبته في النفوس كما سنتتبع ذلك من خلال الاستشهادات القرآنية التالية :
3 – ا – المبدأ العام الأول المستفاد من أن النصر من عند الله هو أن العدد وكذلك وسائل القتال المتوفرة لا تدخل في الاعتبار بصفة أساسية ، فما على المسلمين إلا أن يحوزوا منها ما يلائم واقعهم وزمنهم ولكن دون أن يظنوا أنها السبب المباشر لحدوث النصر ، أو يتلاهون عن الجهاد الواجب في وقته بدعوى القلة في العدد والعدة ، قال تعالى : ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ – البقرة 249) .
3 – ب – المبدأ الثاني العام المساند لما جاء في المبدأ الأول هو أن الكثرة لا تعني شيئا إذا كانت تقوم على العدد فقط ، فالعِبرة هنا بالإنسان المتدين الذي سَيُظهِر من خلال القتال سلوكه الإيجابي في الإقدام والتضحية بكل شيء من أجل رفع راية الدين ، بالإضافة إلى أن القتال في الإسلام هو عبادة كما قلت ، ومن أشرف العبادات التي ستميط اللثام عن مكنونات الدين الأصيلة كما تجلت في النفوس ، ومورست على أرض الواقع ، قال تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ – التوبة 25) .
3 – ج – عندما يتحدث القرآن الكريم عن القلة يتحدث عنها – وهي من مواقف الضعف الإنساني في عرفنا وعقليتنا – للإشارة إلى صورها الحياتية الإيجابية كالنصر ، والتفكير بأمل العودة إلى نسخة الإنسان المفقودة ، وتحرير الأمم والشعوب ، وانعتاقها من براثن الظلم والتعسف والذل والظلام ، وإخراجها إلى النور ، والتأثير ، والإحساس بطعم الحياة ، وإحياء النفوس ، وبعث الروح في المفاصل ، ومن الأمثلة المشهورة على ذلك قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ – هود : 40 ) وقوله على لسان الطغاة : ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) وقوله تذكيرا بالمبدأ الإلهي في أن التدبير والنصر من الله وحده : ( وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ – هود 36) .
وبتقليب النظر في الزوايا الممكنة للوجهات الفكرية المحسوبة على مفهوم القلة سنلاحظ أنها كانت سببا في الفوز برضى الله والنجاة من عذابه أمام الكثرة المتغطرسة ، قال تعالى : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ – الذاريات 36). وأنها استخدمت في حوار شيق جمع بين الكبار والصغار من القوم ، سَلَّمَ في النهاية بحصول الضلال للأقلية المنحرفة بسبب زيغها عن طريق الأقليات الناجية، وفضلت عوضه اتباع خطوات الكبار السيئة تشبها وتزلفا ، قال تعالى : ( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا – الأحزاب 67 ) .
وعلينا أن نتذكر الآية السابقة الخاصة بنوح عليه السلام وقلة المومنين به بالرغم من طول المسافة الزمنية التي استغرقتها رحلته الدعوية ، ومع ذلك فقد شكلت تلك القلة الأساس الثاني والأصل الوجودي الذي حافظ على الإنسان ونسله ، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، قال تعالى : ( وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ ( وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرين…… الصافات : 75 / 76 / 77 /؛78) .
إن تدبير مفهوم الوجود والنصر ، وإقامة التجمعات البشرية الإيجابية هو من الله وحده ، وبما أن الحياة تجمع ما بين الخير والشر فمن الضروري أن يقع الاصطدام ، وتقوم الحروب في فترات قد تكون متقاربة أو متباعدة…ولكن ما ينبغي أن يُعلَم هو أن يعرف الإنسان كيف يعيش تحت ظلال الفِتن والرزايا ، وكيف يكون قريبا فيها من ربه ، وكيف يحيا على منوال النسخة الإنسانية المرادة المؤطرة بقواعد الكون الأصيلة والإيجابية ، لأن العبرة تقول بأن أوقات الشدة والظلمة ستزول لا محالة ، وسيعود الخلق لممارسة حياته كالمعتاد ، وإذ ذاك ينبغي أن لا تتأثر تلك الحياة بالأحقاد والضغائن الدفينة المُشَوِّشة إن لم تُعَالَج في وقتها ، وهذا هو الحاصل في زمننا المليء بالصراعات والحروب المصطنعة بدوافع أيديولوجية وحضارية ودينية ، يتم فيها التسابق المستعر من أجل السيطرة عن الآخر ، وتجريده من مقومات هويته ، وأسس وجوده ، وهو ما لن يتحقق أبدا لأنه يتناقض مع حقيقة الخلق الأبدية ، المقررة في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – الحجرات 13) .
صدق الله العظيم