الجامعة تكون بلا شرط، في المعرفة والبحث، والتجريب، والابتكار، والإبداع. هي حَرَم، حِصْنٌ حصين، لا يقيده شيء. الجامعة فضاء رحب، مفتوح على المعارف قديمها وحديثها، فيها تتفاعل الأطروحات، وتتناسل الأفكار، وتتدافع الآراء، وتنشأ المواقف. الجامعة حرية، والحرية تتأذى، بإطلاق، من الشروط، ومن القيود. تحسب أن الجامعة جرم صغير، وفيها انطوى العالم. تحسب أنها برج من عاج بينما المجتمع منيخ بها، حاضر فيها باهتماماته، ومعضلاته، وتحدياته، ورهاناته، الكبرى منها والصغرى.
الجامعة عقل، وهي أيضاً ضمير، ضمير حي يتداعى للسياسات الفاسدة بالتظاهر، والاحتجاج، والشجب. تاريخ الجامعة تاريخ حراك طلابي لا يهدأ. هي هكذا، تستشعر العواصف قبل حدوثها، ،وتستشرف المستقبل، وهي ناقوس القلب الذي يدق للوطن.
لكل الأحداث الوطنية الكبرى صوتٌ داخل الجامعة، صوت يرُدُّه المجتمع بالصدى. تتناظر حول الخيارات، وتتجادل في السياسات، وتضع السرديات على المحك النقدي. لم تكن يوماً ما بعيدةً عن القضايا الكونية، خاصة منها تلك التي تتلازم تداعياتُها، أثراً وتأثيراً، على القضايا الوطنية والقومية.
وها نحن اليوم نرى بعض طلبة الجامعة ينتفضون، بالوجدان، ضد “الوعي المزدوج”، والزائف، ويحملون شارة فلسطين، وقوفاً مع القضية الفلسطينية العادلة، وشجباً للعدوان على غزة، وتنديداً بجريمة الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان الصهيوني. الجامعة “جهْرٌ”، يقول جاك دريدا، جَهْرٌ بالحقيقة، وجَهْرٌ بالحق.