يقول الراوي : من بين « الموضوعات الاقتصادية » التي ساهم الشاهد في إنضاجها، مع بعض اقتصاديي « اللجنة »، موضوع « التحوُّل الإنتاجي ». مفهوم « التَّحوُّل » حمَّالُ أوْجُه. المقاربة المؤسساتية تستخدم مصطلح « التحول الهيكلي » أو « البنيوي »، ومن أدواته « التحرير الاقتصادي »، « الاستقرار المالي »« الخوصصة »، « إعادة الهيكلة الصناعية »، و« الحكامة الجيدة ». وهو المعنى الذي تعتمده المؤسسات المالية الدولية. الشاهد كان أمْيَل إلى مفهوم « التحوُّل الكبير »، الذي صاغه كارل بولانيي (١٩٤٤)، لاستيعابه لشرط التقدم، وللرَّبْط العضوي الذي يُقيمُه بين النمو الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي. التقيُّد بالخط الفكري المستقل، وبالمصلحة الوطنية، والبناء على ما راكَمتْه « المدرسة الاقتصادية المغربية » من « تجربة ذهنية » لصياغة النموذج التنموي الجديد، كل هذا كان يستوجب، بالنسبة إلى الشاهد، تخْليص المفهوم من لبوس الليبرالية.
يروم النموذج التنموي الجديد إحداث « تحوُّل اقتصادي »، « هيكلي »، في نمط الإنتاج «من اقتصاد يتسم بقيمة مضافة ضعيفة، وإنتاجية منخفضة مع أنشطة ريعية ومحمية » إلى « اقتصاد منتج ومتنوع، قادر على خلق قيمة مضافة ومناصب شغل ذات جودة ». تحوُّل إنتاجي من شأنه أن يصب في « تنمية مندمجة، دامجة، مستدامة، ومكينة ». وهو ما يستدعي إعادة توجيه الاستثمار، قطاعياً، وترابياً، نحو أنشطة إنتاجية أكثر تنوعاً، وأكثر خلقا لمناصب الشغل، بمساهمة أكبر للقطاع الخاص المنظم. يجْنحُ التقرير، في فقرات عِدَّة، إلى صيغة «التحوُّل الإنتاجي » للتركيز على مكْمَن الخلل، والضعف في عملية التنمية.
تقع دينامية القطــاع الخــاص فــي صُلْــب أولويــات النمــوذج التنمــوي الجديــد.كمـا أن للقطـاع العـام دور مهيكل ليس فقط فـي تقويـة تنافسـية الاقتصـاد الوطنــي، بل أيضا في تحفيــز المبــادرة الخاصــة، وهو ما يستدعي إصـلاح سياســة المســاهمة الماليـة للدولـة خاصة فـي بعـض القطاعـات الاسـتراتيجية، وفي بعـض المنظومـات الاقتصاديـة القطاعيـة والترابيـة (اسـتقلال مالـي للمؤسسـات والمقـاولات العموميـة، توضيـح الوصايـة التـي تخضـع لهـا، الفصـل بيـن المهـام الاسـتراتيجية وبيـن مهـام التدبيـر العملـي ومهـام الضبـط فـي كل القطاعـات).
خمسة « اختيارات اسـتراتيجية » تقوم عليها عملية « التحول الإنتاجي » (أنظر التقرير العام، ص ٦٩ وما بعدها) : « أولا، تأمين المبادرة الخاصة بهدف القضاء على كل العوائق التنظيمية، والحواجز الإدارية، واقتصاد الريع. ثانيا، توجيه الفاعليــن الاقتصادييــن نحــو الأنشــطة الإنتاجيــة ذات القيمــة المضافــة المرتفعـة بواسـطة منظومـة متكاملـة للدعـم والتحفيـز. ثالثاً، إحداث صدمـة تنافسـية قصـد تخفيـض تكاليـف عوامـل الإنتـاج وتحسـين جودتهـا. رابعاً، وضع إطار ماكرو اقتصادي فـي خدمة التنميـة. خامساً، بروز الاقتصـاد الاجتماعـي كدعامـة جديـدة للتنميـة ».
يقرأ القارئ في التقرير : « ويتعيـن تفعيـل الخيـارات الاسـتراتيجية بكيفيـة مسـتعجلة قصــد بنــاء اقتصــاد مــا بعــد جائحــة كوفيــد-١٩، خصوصــا وأن هــذه الجائحــة قــد تســببت فــي أزمــة اقتصاديـة عميقـة وغيـر مسـبوقة كشـفت مكامـَن ضعـِف النسـيج الإنتاجـي الوطني وأثرت سـلباً علـى إمكانات النمـو الاقتصـادي. وتسـتلزم هـذه الأزمـة عمـلا إراديـا للحفـاظ علـى المقـاولات غيـر أنهـا ُتنبـئ أيضـا بفـرص اقتصاديـة جديـدة مـع تطـور الصناعـات المرتبطـة بالحيـاة ونقـل سلاسـل القيمـة خصوصـا بأوروبـا، إذ يتعيـن اسـتغلال هـذه الفـرص بصفـة كاملـة عبـر فسـح المجـال لمبـادرات المقـاولات وعبـر بـروز جيـل جديـد مـن المقـاولات الحاملـة لمشـاريع التحـول الإنتاجـي ».
كل هذه الخيارات الاستراتيجية ضرورية لإحداث « التحول » المأمول في النموذج الإنتاجي الوطني، وهي غير مسبوقة. لكنها، في نظر السارد، تظل غير كافية، إذا لم تواكبها منظومة قانونية فعلية تحُثُّ المقاولة على « التحول من الداخل »، من ذاتها، بذاتها، ولذاتها.
حول هذه « النقطة العمياء » التي يشهد الشاهد أن اللجنة لم تكن مُتحمِّسة لإدراجها في جدول الأشغال، ومعالجة إشكاليتها، لا يسع الراوي إلا أن يقول إنه بقي في نفس الشاهد « شيءٌ من حتّى ».