المقاومة الفلسطينية تواجه، باعتمادٍ على الذات، منذ أزيد من شهرين جيش الاحتلال المدعوم من طرف تحالف غير مسبوق للدول الغربية. هذه المنازلة غير المتكافئة بكل المقاييس كانت نتيجتها محسوبة، ونهايتها محتومة، منذ البداية، في نظر الاحتلال. هزيمة المقاومة، ونفوق حماس في أيام معدودات. الحسابات هذه ذهبت أدراج الرياح. تمكنت المقاومة، في لمح البصر، يوم السابع من أكتوبر من رأْب تلك “المسافة الضوئية” المفترضة، الفاصلة بين تقدم الكيان الصهيوني، وتأخر البلدان العربية في كافة المجالات. ثم توالت البطولات منذ ذلك اليوم باطراد (معركة الشجاعية يوم الثلاثاء الماضي نموذجاً)، وتوالت خيبات الاحتلال، وانكساراته. “المسافة الضوئية” نال منها “الالتحام” من “المسافة الصفر”. اقتحمت المقاومة “البروج المشيدة” عبر ثقوب المستحيل، وكالأنبياء صنع الفلسطينيون المعجزة. هزموا ميثولوجيا الاحتلال، و معها هزموا الهزيمة، هزيمة الروح، التي أناخت بالوعي العربي، تأكل أيامنا، تشل الفعل، وتتدحرج بنا من “أخلاق السادة ” إلى “أخلاق العبيد” (نيتشه).
فلسطين المستقلة، هي البوابة نحو المستقبل، هي شرط وجود، من وجودها يلزم وجودنا. ولا نهضة ممكنة والاحتلال قائم، جاثم، يسلب الأنفاس، أنفاس العالم. ولا تنمية شاملة في المنطقة العربية والإرادة الوطنية غير مستقلة، خاضعة لمنظومة اقتصادية ومالية الاحتلال هو من يتحكم في آليتها، بوصفه الوكيل الرسمي للرأسمالية الدولية. مخطئ من يظن أنها معركة من بين معارك، خريف وينتهي كل شيئ، لكي لا يتغير أي شيء، وتعود مياه الطوفان إلى مجاريها. منازلة غزة فاصلة تاريخيّة بين ماضٍ ومستقبل، بين خضوع وتحرُّر، بين بغْي وعدل، وقبل هذا وذاك بين احتلال ومقاومة.