15 أكتوبر 1975 تاريخ له دلالة عميقة في قلوب المغاربة .. خاصة النساء
بقلم : آية الفتاوي (طالبة بالمعهد العالي للصحافة والاعلام)
ارتأيت أن أستهل هذه المناسبة، التي تؤرخ للسادس من نونبر من كل سنة ، و التي يخلد الشعب المغربي من خلالها ذكرى انطلاق المسيرة الخضراء، بمقتطف من خطاب جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، الذي ألقاه بتاريخ 15 أكتوبر 1975 معلنا من خلاله انطلاق المسيرة الخضراء، ويقول المقتطف : « غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطالون أرضا من أراضيكم، وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز …… » ، حيث شارك في هذه المسيرة السلمية 350 ألف مغربي ومغربية مجتازين الحدود الوهمية للصحراء، من أجل استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حضن المملكة المغربية. فتحدوا أيما تحدي جيش فرانكو بعتاده في منطقة “الطاح”، بسلاحين اثنين: العلم الوطني والقرآن الكريم.
وفي ذات الوقت الذي دعا فيه مجلس الأمن المغرب إلى العدول عن مشروعه، أعطى جلالة المغفور له الحسن الثاني الأمر إلى المتطوعين بالتقدم. فقدمنا للعالم قاطبة معنى حب الوطن والتضحية من أجله. وبالفعل، نجد المغاربة قاطبة نساء ورجالا لبوا النداء وأبانوا عن وطنيتهم في أبهى صورة، وتوجهوا في مسيرة سلمية مظفرة صوب الأقاليم الصحراوية، مسلحين بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، مظهرين بذلك قوة وصلابة موقف المغرب في استرجاع حقه المسلوب، وإنهاء الوجود الاستعماري بأقاليمه الجنوبية.
وإن أردنا الحديث عن مشاركة المرأة المغربية في المسيرة الخضراء، علينا استحضار تضحية المرأة بحياتها من أجل قضايا وطنها الكبرى، و هي من الأمور الطبيعية، وقد تأتى ذلك بعد اندماجها في الحركات الوطنية وتفاعلها معها وقيامها بدور بارز في الانعطافات الوطنية، التي مر بها المغرب، كدورها في مقاومة الاستعمار، ومشاركتها في المسيرة الخضراء.
35 ألف مغربية بنسبة عشرة في المائة من مجموع المشاركين، كانت مشاركة فعالة ومتميزة في هذه الملحمة التاريخية، بجانب صنوها الرجل، الشيء الذي جعلها تكون في مقدمة المتطوعين لتحرير الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني.
والمثير في الأمر أن المرأة الحامل لم تتخلف عن المشاركة أيضا.. فمنهن من فجاءهن المخاض وهن يؤدين واجبهن الوطني. إحداهن اختارت لمولودها إسم “مسيرة” لتبقى لها أجمل ذكرى تحتفظ بها على مر العصور.
فأي تعبير راق هذا عن الحس الوطني الذي يجعل امرأة في شهرها التاسع تشارك في مسيرة لتحرير الأقاليم الصحراوية من براثن المستعمر؟ وكانت المرأة وهي تمارس أنشطتها طوال الطريق الى الصحراء. كما كانت في القرى والمدن، تقمن بالطبخ والعجين وتحمسن الأجواء، وتقمن بالتطبيب. وتجدهن في مقدمة المسيرة عند انطلاقها حاملات الأعلام والمصاحف وتطلقن الزغاريد…
ولعل الاختلاط بين الجنسين من مجموع التراب الوطني بتعدد أعرافه وتقاليده وانتماءاته، سمح بنشوء علاقات حب في الصحراء توج أغلبها بأعراس أسطورية، نظمت في الهواء الطلق.. فتحولت المخيمات إلى أعراس، أحيتها المجموعات الغنائية من فرق الشيخات، الفن الحساني، الغناء الأمازيغي (أحيدوس، أحواش وغيرها) عبيدات رما، والطقطوقة الجبلية..
وتتظافر جهود النساء المرافقات للعروسة بالمئات لإظهار جمالها في ذلك العرس بأجمل لباس، وعادت نساء متزوجات إلى مناطقهن رفقة أزواجهن، وأنجبن جيلا من مواليد المسيرة..
وضمت قائمة المناضلين المشاركين في المسيرة منذ انطلاقها أسماء عدد من النساء وقفن بقوة وإصرار في الصفوف الأولى، وتركن بصماتهن في النضال الوطني التطوعي، وأصبحن رمزا من رموز المرأة المغربية في جل المجالات.و نجد من بين هؤلاء النساء كأمثال، السيدة ميلودة بيسكوس، والسيدة مقتاني السعدية، والمناضلة والفاعلة الجمعوية السيدة لالة السعدية نعيم العلوي. ولغاية اليوم المرأة الصحراوية مثلت الحافظ للهويّة الثقافية من خلال تربية الناشئة على الالتزام بواجباتهم تجاه المسيرة ولقنتهم مبادئ الدفاع عن القضية. وربطا للماضي بالحاضر والمستقبل،
وسيرا على نهج أسلافه المنعمين، يواصل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مسيرة البناء، بعد مسلسل استكمال الوحدة الترابية للمملكة، مؤكدا في العديد من المناسبات على عدم التفريط في أي شبر من تراب أقاليمنا الصحراوية، التي تشكل جزء لا يتجزأ من تراب المملكة، وهو ما أكد عليه جلالته في الخطاب السامي الذي ألقاه في زيارته التاريخية لمدينة العيون في مارس 2002 حيث قال “إن حفيد جلالة الملك المحرر محمد الخامس ووارث سره جلالة الملك الموحد الحسن الثاني قدس الله روحيهما والمؤتمن دستوريا على وحدة المغرب، ليعلن باسمه وباسم جميع المواطنين أن المغرب لن يتنازل عن شبر واحد من تراب صحرائه غير القابل للتصرف أو التقسيم”.
ولعل الإنجازات التي تلت هذا الخطاب، لخير معبر عن مدى عزم صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على استكمال ما بدأه جلالة المغفور له الحسن الثاني حول القضية الوطنية. والتي تعتبر قضيتنا جميعا وهي أمانة في عنق كل مغربي ومغربية إلى يوم الدين..
لكن مقابل هذا الانتصار، اندلعت في فبراير 1976 مواجهات لم تهدأ حتى اليوم، مع إعلان جبهة البوليساريو في منطقة الصحراء.
وختاما عاشت المملكة المغربية الشريفة، من سبتة الى الكويرة. أرض السلم والسلام والأمن والأمان تحت القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.