على الطريق الوطنية لمحتها تركب في مؤخرة سيارة نقل صغيرة (تريبورتر)، شابة في مقتبل العمر ، تلبس جلبابا أحمر اللون، وتضع على رأسها منديلا لم يكن يغطي شعرها بالكامل ، كما لم يكن يحجب الشمس التي انهالت على وجهها، فصيرت وجنتيها متوردتين ، جلست القرفصاء وعيناها مشدودتان إلى دولاب قد ربط الى السيارة بواسطة حبال بلاستيكية .
لا أدري لماذا تعلقت عيناي بها ، وظلتا متابعتين لها إلى أن غابت عني بعد أن تجاوزتها.
كان دولابا من نوع رخيص ، يكفي لوضع ملابس شخصين على الأكثر ، بني اللون ، بسيط في شكله .
وجدت نفسي أفكر بها ، ولا أدري لماذا تصورت أنها بصدد الإعداد لزفافها في قرية ما . كانت نظرتها للدولاب هي ما أوحى إلي بذلك ، كانت تحملق فيه ولم ترفع عينيها عليه ، إذ استحوذ على كل اهتمامها ، شاخصة إليه بعينيها وهي شاردة ، لم تعد منه.
دولاب الملابس هو كواسطة عقد ، يعد من أهم مستلزمات حجرة النوم بالنسبة لعروسين ، والتي لا تعدو أن تكون فراشا مصنوعا من الحلفاء ، أو ما شابهها ، ليس وثيرا ولا فخما ، وأغطية صوفية من صنع الجدة أو الأم ، وبعض الوسادات، هذا كل ما في الامر .
الدولاب، ذاك الفضاء الصغير المغلق، المفتوح على أشياء كثيرة عادية وغراىبية .
لم تنس كل ما حكته لها جدتها ، التي كانت من بين خدم دار القائد ، عن دولاب زوجته، التي اختارها دونا عن باقي البنات لجمالها الذي افتتن به ، فكان من نصيبها الخير العميم الذي أغدقه عليها ، وجعل دولابها لا يشبه دواليب غيرها من نساء القبيلة.
دولاب زوجة القائدمن خشب الجوز ، مذهب الحواشي ، يسع حاجيات أكثر من شخصين ، تنفد منه روائح طيبة تذكرك بروائح سمرقند .
كمغارة علي بابا ، مليء بنفائس ، تحار أمامها العين ، ويسر لها القلب.
هي تعرف أن دولابها لن يكون شبيها في شيء بذلك الدولاب المخزني ، لن يحتوي على مجوهرات ومرجان وحلي ذهبية سبكها أمهر السباكين وتفنن فيها، ولا عطور باهضة الثمن ، قادمة من بلاد اشتهرت بعطورها السحرية ، لن يضم في رفوفه رسوما وعقود أراض وممتلكات خبأت في غفلة عن عيون وأيادي الحاقدين ، وذوي النوايا السيئة، الحاسدين لذوي النعم .
ولا كذلك أحجبة من عمل الفقيه المتفقه في الطلاسم، التي ستجعل القائد محببا مقبولا لدى الجميع ( القبول ), حتى وإن لم يحبهم هو، كذلك أحجبة تجعله لا يحب ولايفكر في سواها ، ولا يرى في النساء أجمل منها، ويأتي منها وحدها بالخلف والذرية التي ستحمل إسمه وتحفظ ثراءه من بعده.
دولابها الصغير سيضم إلى جانب كل الرزم الاخرى ، مكانا لوضع رزمة حاجيات طفلها البكر ، الذي يجب أن يكون ذكرا يمتن زواجها ، ويقوي علاقتها بزوجها، ويحفظ مقامها ومصالحها.
الرجل الذي تقدم لطلب يدها ، فكانت موافقة والدها سريعة هو من يخاف عليها من العنوسة .
أماالزوج فهو لا يعاب أبدا إلا من جيبه ، وعليها هي أن لا يضيع منها في أي وقت وتحت أي ضغط ، وما عليها إلا أن تأتي منه بأبناء كثر ، حتى تثقل كاهله ولا يفكر أبدا في التخلي عنها ، وهي لها في هذا تدبيرها الخاص، سيحتوي دولابها على أدوات الزينة التي ستضعها لتستحوذ على عقله ، كما سيحتوي دولابها على مابه تحتفظ به عليه ، في انتظار عاشوراء لتنتقم لأنوثتها ، وتضمن أمنها واستمرار بقائها زوجة له وأما لأبنائه.
وأنا دائما على الطريق العمومي ، انتهى تخميني إلى أن لكل دولاب أسراره وخباياه،، وأن كل دولاب وجه/ مرٱة لصاحبه بين صحبه ، وكم تتعدد الدواليب وكم تختلف !.