تعرَّضت النساء – دون ذنبٍ ، أو بذنبٍ يسيرٍ ، يمكن الصَّفح عنه أو العفو – طوال التاريخ الإسلامي إلى عذاباتٍ ، تفوق الحصر والرصد ، تعدَّدت طرائقها ، وتنوَّعت أساليبها ، واختلفت أدوات تنفيذها ، لكنَّ التعذيب كان ينحصر في شكلين اثنين : الأول تعذيب يُفضِي إلى الموت في التو ، مهما تكُن الوسيلة المُستخدمة ، والثاني يشمل الأسلوب الأوَّل مُضافًا إليه الإهانة والفضح والهتك والإشهار وسط الناس ، خُصوصًا مع نساء لا حول لهن ولا قوَّة .
فكانت المرأة تُترك لتموتَ صبرًا ، أي تُقتل بطريقة الجُوع والعطش ، حيث يُمنع عنها الطعام والشراب حتى تهلك ، ومن النساء من كانت تبول في كفِّها ، وتشرب بولها ، إلى أن تموت في حبسها ، ومنهن من تُركت محبوسةً في بيتٍ يُطل على حافة النهر ، تشاهد من نوافذه جريان الماء أمامها ، تتمنى نقطةً من مائه إلى أن تموت عطشًا .
وهناك نساء صُلبن – لارتكاب هفوات قليلةٍ – على جذوع النخيل والأشجار عارياتٍ وهن جائعات ، أو عُلِّقن على خشباتٍ ، ثم لُجِمن كي لا يتأوَّهن أو يتكلمن أو ينطقن بشيءٍ ، أو يشكين من العذاب ، ثم أُحرقن بعد طال مقامهن في الصلب ، وذُرِّي رمادهن في مياه النهر ، وهناك من قُتلن سهَرًا ، أي تم منعهن من النوم ، وكلما تهاوت المرأة من سهرها ، ووهَن جسدها ، نُغِزتْ بمسلةٍ ذات طرفٍ حاد مُدبَّب في موطن عفَّتها ، أو في القلب من ثدييها .
وهناك من النساء من كانت تُخيَّر كيف تُقتل ، وهي طريقة فيها إنعامٌ شديدٌ في الإذلال والقهر ، حيث من الصعب ، بل من المستحيل على الإنسان مهما تكُن إرادته أن يختار طريقة مقتله ، وأخريات بُقِرت بُطونهن ، خصوصًا الحوامل ، وتم إفراغها من الأجنَّة ، وحُشيت بالملح والتبن والأوساخ ، وتعلَّق على أسوار المدينة ، وتُحرق بعد ذلك .
كأن المُتسلِّطين من أولي الأمر يقولون للنساء وهم يقتلونهن بقسوةٍ غير معهُودةٍ ، كأنهن يقتلون حيَّاتٍ : ” قتلنا الله إن لم نقتلكن قتلةً لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام ” .
ونقرأ في ” الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير ” لابن الساعي المتوفى عام (674هـ) : أن ابن الدباغ قتل سنة 602 هجرية أمَّه ، بسبب أنها كتبت له دارًا ، فطلب منها الكتاب ، فلم تسلمه إليه ، فظل يضرب رأسها بالأرض حتى نُثرت دماغها ، وماتت ، فأُخذ ، وحُمل إلى باب الأميرية ببغداد ، وضُربت رأسُه بالأرض ، وهو يستغيث ، حتى مات .
ومن عذابات النساء – أيضًا – أن بعضهن كُن يُربطن في جذوع شجرتين متقاربتين متجاورتين ، ثم يتم شد الشجرتين ، فيذهب كل جذعٍ في ناحية حاملا جُزءًا من جسد المرأة المقصُود قتلها ، وقد وقعت حوادث كثيرة مماثلة قبل أن يطوي القرن الثاني الهجري سنينه.
وفي (بدائع الزهور في وقائع الدهور ) لابن إياس ( 1448 – 1523 ميلادية ).
نقرأ أنه في سنة 689هـجرية قد أمر السلطان الأشرف خليل بن قلاوون (666ـ 693هـجرية / 1268ـ 1293ميلادية ) الشجاعي أحد قوَّاده بالقبض على حاشية الأمير طرنطاي، و نسائه وسراريه، وأحضر لهم المعاصير، فعصرهم ( أي عصر أعضاءهم وأعضاءهن ) ، وقرَّرهم على الأموال والذخائر.
وفي سنة 905هـجرية قبض السلطان الملك الأشرف أبو النصر جان بلاط من يشبك الأشرفى سلطان الدوله المملوكية البرجية (الشركسية) الرابع و العشرين ، و حكم مابين 1500 و 1501ميلادية ( حكم لمدة ستة أشهر و18 يومًا، ثم قُبض عليه ، وخُلِع ، و أُمر بخنقه في سجنه بالإسكندرية ) على الطواشي يسأله عن مكان السلطان السابق الظاهر قانصوه الذي كان مختفيًا، فأقر أن زوجته تعرف طريقه، فأرسل إليها السلطان الأمير طراباي، فسألها عنه، فلم تقر بشيء، فأحضر إليها المعاصير، وعصرها في رجليها، فلم تقر بشيء.
وفي سنة 910هـجرية نُودي في القاهرة من قبل السلطان بأن لا يعمل عزاء بطارات، ولا نائحة تنوح على ميت ثم غمز على نائحة عملت عزاء بطارات، فجرَّسها بركات بن موسى على حمارٍ، والطارات مُعلَّقة في عُنقها، ووجهها ملطَّخ بالسواد.
أما علي بن المعزأبيك فقبض على شجر الدر ( تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها بعد ذلك عز الدين أيبك التركماني سنة 648 هـجرية (1250ميلادية )، ويروي ابن تغري بردي : ” أنها كانت مُستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام” ، وقد قتلته سنة 654هـجرية ، وسلَّمها ابنه علي إلى أمه ، فأمرت جواريها أن يقتلنها بالقباقيب والنعال، فضربنها حتى ماتت، ثم سُحبت من رجلها، ورُميت من فوق السور إلى خندقٍ، وهي عريانة، فأقامت وهي مرمية في الخندق ثلاثة أيام ، وكان ذلك في القاهرة في يوم الثالث من مايو عام 1257ميلادي ، الموافق 23 من ربيع الأول لعام 655 من الهجرة ، ويذكرابن تغري بردي عنها أيضًا : ” وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البِرّ، معروفة بها…”.
وفي سنة 922هـجرية ، دخل شخص من التركمان على السلطان طومان باي ( تولَّى حكم سلطنة الديار المصرية سنة 1516ميلادية ) في خيمته، فشكُّوا به، فلما مسوا صدره وجدوا له ثديين طويلين، فإذا بذلك الشخص امرأة من نساء التراكمة ، كانت تحمل خنجرًا كبيرًا تحت ثيابها، فضربها المماليك بالسيوف، فلما قتلوها رسم السلطان بأن يعلقوها على باب النصر، فأتوا بها وهي عريانة، واستمرت معلقة هناك يومين عريانة، وعورتها مكشوفة بين الناس ثم دُفنت.
وطومان باي آخر سلاطين المماليك ، وُلد فى القاهرة ومات على أبوابها شنقًا على باب زويلة ، وكان قد تسلَّم الحُكم بعد مقتل عمه السلطان الغورى .
وفي سنة 879هـجرية رسم السلطان قايتباي بشنق جاريةٍ بيضاء جركسية، فشُنقت على جميزة، وكانت هذه الجارية حملت من بعض مماليك السلطان، فلما علم السلطان بذلك شنق الجارية، وأغرق المملوك، وقيل بل خصاه، ونفاه إلى الشام.
ويُحكى عن السلطان الناصر محمد قايتباي ( المقتول سنة 904 هجرية ) أمورٌ قبيحة منها أنه كان إذا سمع بامرأة حسناء هجم عليها وقطع دائر فرجها ( وفي رواية أخرى قطع رأس فرجها ) ، ونظمه في خيطٍ ، أعده لنظم فروج النساء ، ومنها أن والدته – وكانت من أعقل النساء وأجملهن هيئةً – هيأت له جارية جميلة جدًّا وجمعتها به في بيتٍ مُزيَّن أعدته لهما ، فدخل بها ، وقفل الباب على نفسه وعليها ، وربطها ، وشرع يسلخ جلدها عنها كالجلادين وهي حيَّة ، فلمَّا سمعوا صوت بكائها أرادوا الهجوم عليه فما أمكنهم ؛ لأنه قفل الباب من داخلٍ ، فاستمر كذلك إلى أن سلخها وحشا جلدها بالثياب ( وفي رواية أخرى بالتبن ) وخرج يظهر لهم أستاذيته في السلخ ، وأن الجلادين يعجزون عن كماله في صنعه ، كما يذكر ابن العماد في كتابه ” شذرات الذهب في أخبار من ذهب ” .
نعم أنا مشغول بتاريخنا ” الإسلامي ” ، ولن أخجل من ذكر معايبه ومخازيه وكوارثه وفضائحه ، وليس من العيب العلمي أن نستذكر ما فعل السفهاء منا سواء أكانوا أمراء أم سلاطين ولاة أم خلفاء أم حكاما ، وأغلبهم قُتل أو خُلع ، فما نراه بأعيننا الآن ما هو إلا صور تكرارية مقيتة لما فعله القتلة من الأسلاف ، كما أن الأفكار والآراء والفتاوى والأحكام الشاذة التي تنال من المرأة هي أيضًا مكرُورة ومُعادة ، وما أكثر المرجعيات الضالة والمُضلِّلة التي يعود إليها المُتشدِّدون ، والتي ليست من الدين في شيء .
وما من واقعة تعذيبٍ للمرأة وقعت في تاريخنا إلا ولها – للأسف – مرجعيةٌ عند أحد الفقهاء أو الأئمة ، فمثلا يرى عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (508 – 597هجرية ، 1116 – 1201ميلادية ) في كتابه الأشهر «أحكام النساء»: أنه «… ينبغي للمرأة أن تعرف أنها كالمملوك للزوج.. وينبغي لها الصبر على أذاه كما يصبر المملوك» .
ويرى أبو حامد الغزالي في كتابه الذائع الصيت ( إحياء علوم الدين ) أن : ” … القول الجامع في آداب المرأة من غير تطويلٍ أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمةً لمغزلها لا يكثر صعودها وإطلاعها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدّخول ، … ولا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ، فإن خرجت بإذنه فمتخفّية في هيئةٍ رثّةٍ ، تطلب المواضع الخالية دون الشّوارع والأسواق ، محترزة من أن يسمع غريبٌ صوتها أو يعرف شخصها ” .
كأن الله سبحانه وتعالي لا يقول لهؤلاء الحكام والفقهاء في كتابه الحكيم : « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (الآية 71 من سورة التوبة ) ، وقوله تعالى أيضًا : « فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ » سورة آل عمران الآية 195.
* ahmad_shahawy@hotmail.com