لا ينبغي أن تتحول المناسبات الدينية إلى ثقل على الناس. وما ينبغي لها أن تكون كذلك. وبما أنها تحولت إلى “كابوس” فهذا يعني أن مفهوم “الطقس” خرج عن طوره وفقد معناه. وفي البحث عن المعنى لابد من ربط القضية بشجرة أنسابها، حتى نتبين ما لحق بها من شوائب منذ ميلادها وإلى اليوم.
العيد اليوم ابتعد كثيرا عن “الطقس” وأضحى “دورة اقتصادية”. هذا الإخراج “القسري” من طور إلى طور هو “الذي أهلك الحرث والنسل”. ليس عيبا أن يكون للعيد جنبته الاقتصادية. بل من المهم أن يكون طريقا للعيش وحتى الربح. لكن ما حدث هو الطغيان الرأسمالي على الطقس وتسليع المناسبة، التي يدخلها كثيرون بديون متراكمة من السنة الماضية بل لأكثر من سنة.
خروج “الطقس” عن طوره الطبيعي أخرج ما في الإنسان من “توحش”. ليس طبيعيا أن تصبح المناسبة عبئا كبيرا، يتسابق فيه الناس على اقتناء أدوات “الذبح والسلخ” و”الشواء”، ويدهس الرجل أخاه بحثا عن كبش كيفما كان.
تفصيلا كثيرة محيطة بالكبش وشكله ونوعه حتى يكون “الطقس” كاملا. هذه التفصيلات ليست ترفا، ولكن كي يفهم الإنسان أنه ليس ضروريا شراء الأضحية في غياب شروطها. وشرطها الأساسي هذا السمو الروحي والالتحام بين الإلهي والإنساني الذي تجسده التضحية.
تواطأ “الفقيه” مع “التاجر” فتحول صاحب “الأضحية” إلى ضحية. وإذا يمّم وجهه شطر “التنوير” وجد تزويرا خطيرا وتعسفا على التاريخ والجغرافيا والثقافة. هو ضحية للجميع. أي تنوير لا يسير في اتجاه تهذيب “الطقوس” هو تقليد “سلفي” لا يختلف عن “السلفي” الآخر إلا في العين التي يشرب منها.
وتهذيب “الطقوس” ينطلق من تطور الذوق. هذا العنوان قد يساعد على التخلي عن العديد من مظاهر “التوحش”.
والتهذيب منطلقه “التخفيف” من الأشكال المرتبطة بالعيد. كما يحتاج أيضا إلى جرأة الفقيه واستقلاله عن التاجر، لكن دون الإخلال بالدورة الاقتصادية، التي قد يتضرر منها الضعيف قبل الغني. والفقيه هنا “عالم الدين” الجامع لشرائط الاجتهاد.
والتهذيب يحتاج أيضا إلى جرأة “التنويري” المبدع للأفكار أما الناقل فهو مجرد “سلفي” مختفي في جبة “أفندي”. لكن ثالث الأتافي هو هذا “السقوط الحر” للتنوير حتى وصل إلى “مفكرين” قصارى جهدهم “أن يدخلوا على خط” الوقائع ليقولوا فيها قولا مخالفا لـ”السلفيين” وكفى الله التنويريين شر الاجتهاد. القصة أكبر من ذلك. التنوير هو نفسه “التهذيب”. تهذيب العقل والذوق. ترديد إنشاء “العقلانية” لن يغير في الأمر شيئا.
التسطيح انحراف في طريق إنتاج الأفكار. وكثير من “المفكرين التنويريين” لا يختلفون عن رواد ورائدات “روتيني اليومي”. أحيانا يستدعون قضايا من واقع آخر. بل حتى أفكارا ليست هناك حاجة إليها. في الخصوصي ما يفيد ويؤهلنا لتلقي الكوني دون صدمة، أقصد “التحسين والتقبيح العقليين”. حكاية أخرى تغيب عن “التنويري”. وغيابها ترك صاحب الأضحية ضحية للفقيه والتاجر و”التنويري” نفسه. والحل في عملية “تهذيب” يشارك فيها الثلاثة، لكن بعد أن يتحلوا بالجرأة، ومن سقطت “جرأته” لن يعثر عليها.