كنت أود أن أتحدث إليك اليوم، وإلى باقي الرفاق الآخرين الذين كانوا فاعلين في المشروع الأصلي، للاحتفال بتحقيق الأمنيات التي صغناها عند إنشائنا ل«حركة لكل الديمقراطيين” منذ 14 سنة، تلك الحركة التي تعد واحدة من أنبل المبادرات السياسية في تاريخ بلدنا الحديث.
لكن الظرف صعب. ليس بالنسبة لبلدنا وشعبنا فحسب، ولكن أيضًا بالنسبة لجميع شعوب العالم، للأسف، حيث تتضاعف الأزمات وحالات ندرة الموارد التي تنذر بتوترات اجتماعية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية: أزمة الغذاء، أزمة المناخ، الأزمة الصحية، أزمة الطاقة، الحروب المفتوحة أو الخفية، عودة صعود الحركات الإرهابية، التمردات، الأزمات السياسية، والأسوأ من ذلك: انهيار عدد من الدول القومية.
إن أي رجل سياسة جدير بهذا الاسم يتعين عليه اليوم أن يجعل من ضمن انشغالاته، اتخاذ القرارات، التاريخية إن صح التعبير، التي يمليها الوضع الوطني والدولي، أي القرارات التي تواجه المخاطر غير المسبوقة لجيلنا وجيل أطفالنا، المذكورة أعلاه، وليس الاكتفاء بتدبير الشؤون الجارية كما يفعل أي إطار تنفيذي، أو تقنوقراطي حسب البعض. لاسيما إذا كان عضوا في الحكومة، وأكثر من ذلك إن كان يترأسها …
ذلك أن شعار “ممارسة السياسة بشكل مغاير”، الذي اعتمدناه بفخر في إطار “حركة لكل الديمقراطيين “، هو اليوم ذو راهنية أكثر من أي وقت مضى.
لقد ارتفعت تكلفة الطاقة، وخاصة المحروقات، بشكل حاد منذ تحرير القطاع في ديسمبر 2015. وفي الآونة الأخيرة، شهدت بلادنا ثلاث زيادات متتالية في شهر واحد فقط، حيث يكاد السعر المعتمد للبنزين الممتاز يصل إلى 20 درهماً للتر الواحد. هذا الوضع لم يكن بالإمكان تصديقه قبل بضعة أشهر فقط.
لا أدري ما إذا كان لا يزال لديك الوقت، لمخالطة الناس البسطاء. اِعلم أن غضبهم بلغ درجة عالية أكثر من أي وقت مضى. واعلم أن إحباطهم بلغ درجة غير مسبوقة. ليس فحسب بسبب هذه الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات. لكن لأنهم لا يستسيغون كيف يمكن للشخصية الثانية في الدولة، التي من المفترض أن تتبنى مصالحهم وتحميها، بل وتدافع عنها، أن تتمادى – في ظرفية غير مسبوقة – في موقف سلبي يشبه الجشع المنفلت في قطاع حساس وإستراتيجي في ذات الآن، ومؤثر للغاية على دخلهم الضئيل.
حقا، إن حكومة بنكيران هي التي اتخذت، من بين أمور أخرى، القرار الكارثي الرامي إلى تحرير أسعار المحروقات دون ضوابط. ولكن يجب أن نُذكِّر أيضًا أنك كنت أحد أعضاء هذه الحكومة، والأكثر من ذلك، كنت صانعا أساسيا للسياسات العمومية، لاسيما في إطار وزارة الاقتصاد والمالية والزراعة والصناعة … كان بإمكانك أن تعترض على ذلك، وتدافع عن المعوزين، وتحافظ على تسقيف الأسعار وهوامش ربح المستوردين-الموزعين، وهو أمر عملت على تجنبه بعناية.
في الوقت نفسه، عرفت مصفاة النفط الوطنية “لاسمير”، التي كانت تؤمن تكرير النفط الخام الذي تحتاجه البلاد، المصير المؤسف الذي آلت إليه اليوم. لن أسهب في الحديث عن المغامرات والمسؤوليات والجوانب الخفية لهذه القضية الكارثية التي لا تزال بحاجة إلى توضيح. إن الوضع اليوم، بفعل الأزمة الحالية، يضع بلدنا على شفير فقدان سيادته في مجال الطاقة.
والأسوأ من ذلك، أن التوترات الاجتماعية التي تلوح في الأفق والشعور بالإحباط الذي تغذيه، تنذر للأسف بزيادة درجة انعدام الثقة – التي أبرزتها بالفعل اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي – مما من شأنه أن يلقي بظلاله في نهاية المطاف على الإنجازات التي شهدها المغرب منذ مجيء الملك محمد السادس.
ما العمل إذن؟
عند مفترق طرق التاريخ، فإن جعل المصلحة العامة في مقام الأولية القصوى، والتماسك والتضامن، ووحدة الأمم، يمكن أن يحمي من الأخطار. والناس البسطاء لا يؤمنون إلا بما يرونه: فهم يدركون بسهولة مدى حقيقة الشجاعة المتوفرة لدى قادتهم في الانخراط والتضحية لتحقيق ذلك.
جميع البلدان يمكن أن تمر بأوقات عصيبة، حاسمة بالنسبة لمستقبلها. في هذه اللحظات يرتقي القادة إلى مستوى تحديات التاريخ.
الملك محمد الخامس محاطا بأفراد أسرته قام بذلك؛
محمد الزرقطوني قام بذلك؛
علال بن عبد الله قام بذلك؛
موحا وحمو الزياني قام بذلك؛
عبد الكريم الخطابي قام بذلك؛
محمد بالحسن الوزاني قام بذلك؛
مليكة الفاسي قامت بذلك؛
علال الفاسي قام بذلك؛
عبد الرحيم بوعبيد قام بذلك؛
عبد الرحمن اليوسفي قام بذلك؛
علي يعتة قام بذلك؛
عزيز بلال قام بذلك؛
امحمد بوستة قام بذلك؛
المهدي بنبركة قام بذلك؛
إدريس بنزكري قام بذلك؛
أبراهام السرفاتي قام بذلك؛
سعيدة المنبهي قامت بذلك؛
وغيرهم كثيرون قاموا بذلك …
ليس مطلوبا منك تقديم مثل هذه التضحيات.
المطلوب منك بكل بساطة أن تكون قدوة من خلال تجنب الاتهام بتضارب المصالح والإثراء غير المشروع، ومن خلال استعادة شركة “لاسامير” للدور والمهمة اللذان أرادهما لها الملك محمد الخامس وجيل الوطنيين الذين كافحوا إلى جانبه لضمان السيادة الطاقية لبلدنا في وقت مبكر. وإلا فإن مكانك ليس في الحكومة، وإنما في مكتب رئيس تنفيذي يهتم بأعماله التجارية مثل كثيرين آخرين.
أما جميع من آمنوا بالاختيار الأساسي لـ “حركة لكل الديمقراطيين “، فسيستمرون في النضال الآن وغدا لإعطاء المعنى الكامل للشعار الرئيسي المذكور أعلاه (“ممارسة السياسة بشكل مغاير”) والذي يعني اليوم: إعادة كامل الإشعاع والفعالية لشركة “لاسامير” وتسقيف أسعار المحروقات وهوامش الربح المرتبطة بها…
بالإضافة إلى تعزيز مصادر الطاقة الأخرى لبلدنا. وتلك قصة أخرى.
ملحوظة: من فضلك لا تكلف شخصا آخر بأن يجيبني. لن أتفاعل معه. الأمر متروك لك للقيام بذلك بشكل مباشر كما في الأيام الخوالي لِـ “حركة لكل الديمقراطيين”، إذا كنت تعتقد أنه من المناسب الرد على غضب المغاربة وانتظاراتهم المشروعة.
بكل صراحة ومسؤولية.
صلاح الوديع، 20 يونيو 2022