“تُشير التقارير المتتالية لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام إلى أن الجزائر تُخصص ميزانية أكبر من المغرب مرتين، وتُوقّع صفقات أسلحة بفارق كبير عن خصمها، لتتحول بذلك إلى الدولة العسكرية الأولى في شمال إفريقيا…”، هذه خلاصة مقال في جريدة “الشروق” الجزائرية لأحد كتبتها، ثٌلثاه هجاء للمغرب، وثلث مدح في الجنرالات… الأخ أخذه التّباهي، و”الزيادة” في تنفيذ توجيهات جنرالات الحكم الجزائري، بأن أقرّ بما يُنكره مُوجِّهوه… بأن الجزائر هي “الدولة العسكرية الأولى في شمال إفريقيا”؛ فيما حسبه تهديدا للمغرب… صدق الرجل، حتى ولو ولم يكن ذلك غاية قوله… ولكن الحقيقة تصدُر، في حالات، من أفواه البُلَهاء…
الجزائر هي الدولة العسكرية الأولى؛ ذلك ما كتبتُه عشرات المرّات، وكتبه غيري قبلي، وعلى مدى عُقود، عشرات المئات من المرات… مبروك عليها هذه الهوية والمبنى والمرتبة وهذه الميزة، والمغرب لا ينافسها عليها…
دولة المغرب مدنية خالصة، مُسالمة وتطمح إلى السّلم في المنطقة… المغرب يحرص ويسعى إلى أن يكون الدولة الاجتماعية والديمقراطية، بالطموح وبالإنجاز… وفقط دولة اجتماعية وديمقراطية… بدون ترتيب لا في المنطقة ولا في العالم… دولة تكون مفيدة لشعبها ولشعوب المنطقة ولأهداف التنمية والسلم في العالم… لا دولة مُعادية لجيرانها، كما هي حالة “دولة” جنرالات الحُكم الجزائري، التي هي “دولة” عسكرية فعلا، تُؤثِّث أروقتها بأعوان مدنيين، وضمنهم المحرر المداح، الذي يجهل ما يعرفه الجنرالات… يعرفون أن الحروب لا تُربح لا بِكَمّ ولا بنوع الآليات المتوفرة للجيش؛ لذلك يُلوِّحون بالحرب، وفقط يُلَوِّحون؛ وتلك وسيلتهم لتثبيت مركزيتهم في “الدولة” ومدخلُهم لإدامة الاغتناء بذلك، أما الحرب فهم أعجَز عن خوضها وأضْعَف…
المقال الذي يفضح حقيقة عصابة الحكم في الجزائر يخترق كلماته وجمله حقد سام ضد المغرب، حقد هو “ميثاق” تحرير إعلام الجنرالات؛ هو حقد مُعلن وعن عمد وسبق إصرار… مثل تقديم المغرب فقط من خلال الكوارث وبعض الجرائم المعتادة في المجتمعات، ومن خلال ما تعتقده عصابة الحكم أنها أخبار مُسيئة له، من نوع بعض “التماس الكهربائي” في السياسة المغربية، الناجم عن تهوّرات ومُزايدات يسراوية، أو مُتأسلمة، وهو “تماس” تستوعبه الديمقراطية المغربية…لأنه من تدافعاتها، وهو من استثناءاتها التي تُنضج وتُمتِّن قاعدتها… أما النجاحات المغربية، الواضحة والناصعة، فلا يراها إعلام الجنرالات ولا يُحب أن يراها العالم، وآخرها النجاح في تنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم النسائية في المغرب… ورغم أن تلك التظاهرة الرياضية الهامة نظمها، في المغرب، الاتحاد الإفريقي لكرة القدم… الذي رئيسه، الجنوب الإفريقي، زار الجزائر، مؤخرا، واستقبله السيد تبون… رغم ذلك فإن الإعلام الجزائري، الذي أمكنني الاطلاع عليه، عبر عشرات الصحف، تجاهل التظاهرة… ولم يحفل حتى بفوز فريق جنوب إفريقيا بالكأس… كل ذلك لأن نجاح التظاهرة في المغرب أخرَس ألسُن وأنْضَب مِداد إعلام الجنرالات… لقد أُصيب بوُجوم مرضي، يُداري به حنقا مُستعرا ألمَّ به… إنه الغليان الداخلي الذي يعبر عن نفسه… بالصمت.
جنرالات التحكم في الجزائر لا يملكون، دائما، القدرة على تلفيف حنقهم من نجاحات المغرب بالصمت… فيأمرون عونا لديهم بتحويل غليان حقدِهم إلى صخَب إعلامي. يُسمى ذلك لدى أطباء الأمراض النفسية الصراخ المُهدِّئ لآلام الحنق، لتنفيس ضيق الصدور… وعَوْن الخدمة، الجاهز والمستعد لهذه المهمة، هو نفسه السيد عمار بلاني، المصرح الرسمي الجزائري الخاص بالنزاع حول الصحراء المغربية… وبالنظر فيما يُنتجه عون التصريح هذا فإن كل ما يتحصل عليه من راتب، علاوات وإكراميات، هو محض خسارة وهَدْر للمال العام الجزائري، لأن الجنرالات لن ينفحوه فلسا من جيوبهم… ما يُردِّدُه السيد المصرح الرسمي هو من الضَّحالة ومن الإسفاف بحيث يمكن جمهرة من كتبة إعلام الجنرالات “تدبيج” أفضل منه… بدون تكلفة مالية زائدة ولمجرد “تمتُّعهم” برضا مشغليهم…
السيد بلاني، المُصرِّح، “أزعجته”، شديد الإزعاج، القنصليات التي فُتحت في العيون وفي الداخلة… وصَفها بأنها قنصليات “شبح”… وبأنها عملية دعائية وممولة من وزارة الخارجية المغربية… مُشغِّلوه هالَهُم تكاثر تلك القنصليات، فأطلقوه ضدها، محتقرا الدول التي تمثلها ومُستصغِرا فتحها تلك القنصليات… وقد أغفل، السيد المُصرح الرسمي أن تلك الدول محترمة، وأكثرها إفريقية، وضمنها السنغال، يتودَّد لها جنرالات الجزائر للتصويت معهم في الاتحاد الإفريقي… وضمنها الإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة التي يسعى الجنرالات إلى استمالتها لصالحهم، ولها وزنها المؤثر في مخاضات القرار الدولي، السياسي والطاقي. السيد المصرح، وهو يستهدف المغرب، أطلق النار على عديد دول علاقات الجزائر… وعلى وزير الخارجية الجزائري، أن يُحاول إطفاء النيران التي أشعلها السيد بلاني، في محاولته لتسلق منجزات المغرب… وفي محاولة، لإطلاق الغازات المُضَبِّبَة للرؤية، على مُتابعي ما يُراكمه المغرب من تقدم في اتجاه الحل السلمي، الجدي، الواقعي، المُتوافق عليه والدائم للمنازعة الجزائرية حول الصحراء المغربية…
عبثا يُحاول، الأخ، بتلك الجُمل، العُدوانية المعنى والشعارية المبنى…أن يُقلل من أهمية تلك القنصليات، ومن وقع فتحها، في الداخلة وفي العيون، على تعاظم الانحياز الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي…ووقع ذلك على تأجيج غضب الجنرالات وسعارهم من تقلص سوق ومساحة ترويجهم للسلعة الانفصالية ضد المغرب.
السيد بلاني وصل إلى موقع “تفسير” أحلام الجنرالات، هذا الذي يمارس من خلاله هذيانه، متأخرا، وبعد عقود من تدخل الأمم المتحدة في المنازعة الجزائرية حول الصحراء المغربية… خلال تلك العقود شارك منتخبو الأقاليم الصحراوية المغربية في الاستشارات والمفاوضات التي أقرتها الأمم المتحدة، داخل الأقاليم الصحراوية، أو خارجها…
أمس واليوم، السيد بلاني، يُغرِّد خارج مسار الحل السلمي، الذي أضحى ُمسيّجا بالإرادة الدولية، ليُكرر ما تجاوزته قرارات مجلس الأمن… وما كرَّسته الحياة الديمقراطية المغربية من المشاركة الفعلية والمُبدعة للمواطنات وللمواطنين، من سُكَّان الأقاليم الصحراوية المغربية، في كل الاستحقاقات الانتخابية، التشريعية والمحلية منذ 1977… يُكرر كلاما أُقبر منذ عقود، مُشكّكا في تمثيلية المنتخبين الصحراويين المغاربة لمنطقتهم، ولناخبيهم من سُكان أقاليم الصحراء المغربية… وأولئك المنتخبون أنفسهم التقوا في الأقاليم الصحراوية المغربية مع جميع السابقين من ممثلي الأمين العام الأممي، هم مَن شارك في عدة موائد ومفاوضات رعتها الأمم المتحدة، وآخرها تلك التي جرت في جنيف، تطبيقا لقرارات مجلس الأمن… السيد المصرح الرسمي لم يُراجع أوراق الملف الذي كُلِّف بالتصريح في شأنه… وربما راجعها، وهو الآن يطلق ما يملك من “قُدُرات” على البهتان، لمحاولة محو سطورها وقراراتها… إنك مجرد عابث أيها المكلف بالمهمة المستحيلة، مهمة مناطحة التاريخ وخلط أوراقه أو محوها.
السيد المصرح نفسه سيفسر التزام المبعوث الأممي بقرار مجلس الأمن الأخير، في بلاغه المشترك مع وزير الخارجية المغربي، الذي سجل أن مقترح الحكم الذاتي المغربي هو القاعدة الأساس لحل النزاع حول الصحراء المغربية، في نهاية زيارة السيد ديميستورا للمغرب… سيفسرها “سيادته” بأنها ضغط “مخزني”، وعرقلة لمساعي الأمم المتحدة… الرجل يستصغر، بل يحتقر، السيد ديميستورا، وفي الآن نفسه يستعظم قوة الدولة المغربية، في التلاعب بالمنظمة الأممية وبمبعوثها… والحال أن قوة المغرب تمثلت، فقط، في جرأة، واقعية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به جلالة الملك سنة 2007… وهو المقترح الذي استوعبت، بل ثَبَّتَت مضمونه كل قرارات مجلس الأمن، الأممي، لعدة سنوات، وصولا إلى القرار الأخير، في خريف 2021… والذي كُلف السيد ستيفان ديميستورا باعتماده، مرجعا له في مساعيه لحل النزاع… وفي بلاغه مع وزير الخارجية المغربية لم يحِد عنه… والذي حاد عن الجدية وعن الصواب هو السيد بلاني… إلى حد أن يغضب من الأمم المتحدة… فليشرب من كل محيطات وبحار هذه الأرض… لتغذية هذيانه وللتنفيس عن آلام الجنرالات مشغليه، وعن حنقهم وحقدهم ضد المغرب… بئس المُصَرِّح… بئس مُوجهوه…والذين “يجتهدون” في معاكسة المغرب بسلاح “الهذيان”… المغرب مُنتصر…تشبثُه بحقه الوطني هو مناعته القوية … المغرب تحفِّز إرادته القناعة الدولية… ويخفره المجرى الواقعي والإيجابي للتاريخ… ويبقى للجنرالات في الجزائر أن ينشغلوا بتعداد الآليات العسكرية التي يملكون… وبمراكمة الخيبات والخسائر الدبلوماسية والسياسية…