منذ اغتصاب أرض فلسطين من طرف عصابة صهيونية بدعم من القوى الاستعمارية الغربية وقوات الاحتلال لا تفتر عن جرائمها البشعة في حق الشعب الفلسطيني وعلى امتداد الأراضي الفلسطينية من تقتيل وإبادة جماعية وتطهير عرقي وتشريد وتنكيل واضطهاد حيث يتورط الاحتلال الصهيوني الغاشم في الجرائم الأشد ضراوة والأكثر جسامة وخطورة في التاريخ الحديث بالنسبة لحالات استعمار واحتلال أراضي الغير، وسنتعرض في هذه العجالة للجرائم المتعلقة بالتمييز العنصري التي ينهجها ويتمادى الكيان الغاصب في اقترافها بتعنت وصلافة.
وأخطر أشكال الميز العنصري تتمثل في نظام (الأبارتهايد) الذي ساد جنوب إفريقيا من العام 1948 إلى العام 1991، وهو نفس النظام الذي ما زالت تفرضه بالقوة سلطات الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين.
وتعني كلمة (أبارتهايد) في لغة الأفريكانو (وَضَعَهُ جانبا، أو نَبَذهُ) مع ما يحمله ذلك من معاني النبذ والتهميش والإلغاء وحتى الاحتقار. وساد هذا المفهوم أدبيات الحياة السياسية في جنوب أفريقيا في أواسط عقد أربعينيات القرن العشرين، وكان من المفروض أن تتخلص منه الإنسانية بشكل نهائي في زمن تنتشر فيه أدبيات وشعارات الحقوق والحريات الأساسية لكل كائن بشري بصفته كإنسان وليس لفصائل معينة من البشر.
والميز العنصري بكل أشكاله مُجَرَّم في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويمكن الإشارة باختصار شديد لأهم المواثيق الدولية حول جرائم التمييز العنصري:
- إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المؤرخ في 20 نونبر 1963 الذي يعتبر بأن التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني إهانة للكرامة الإنسانية…وانتهاكا لحقوق الإنسان (المادة 1)، ويحظر على أي دولة …أي تمييز كان ..في معاملة الأشخاص أو جماعاتهم (المادة 2).
- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المؤرخة في 21 دجنبر 1965، والتي تتعهد الدول بمقتضاها بمنع وحظر العزل والفصل العنصري واستئصال كل الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها (المادة2).
- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها المؤرخة في 30 نونبر 1973 والتي يعلن أطرافها تجريم المنظمات والمؤسسات والأشخاص الذين يرتكبون جريمة الفصل العنصري، وتمنع اتخاذ أي تدابير تشريعية أو غيرها بقصد منع فئة أو فئات عنصرية من حقوق المواطنة.
وتنص المادة 1 من الاتفاقية على أن “..العزل والتمييز العنصريين.. جرائم تنتهك مبادئ القانون الدولي، ولا سيما مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين”.
- إعلان بشأن العنصر والتحيز العنصري الصادر عن مؤتمر منظمة اليونسكو في 24 أكتوبر 1978، الذي يؤكد أن كل البشر ينتمون إلى نوع واحد وينحدرون من أصل واحد ويولدون متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جميعا جزءا لا يتجزأ من الإنسانية (المادة 1)، وكل نظرية تزعم بأن جماعة عنصرية أو إثنية ما، هي بطبيعتها أرفع أو أدنى شأنا من غيرها مما يمنح جماعة معينة حق التسلط أو القضاء على من تدعي أنهم أقل منزلة…هي نظرية لا أساس لها من العلم ومناقضة للمبادئ الأدبية والأخلاقية للإنسانية (الفقرة 1 من المادة 2).
- إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييزعلى أساس الدين أو المعتقد المؤرخ في 25 نونبر 1981 والذي يمنع تعرض أي أحد للتمييز من قبل أي دولة على أساس الدين أو غيره من المعتقدات..
- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في سبتمبر 2002 الذي يعرف التمييز العنصري بأنه “أي فعل غير إنساني يرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أي جماعة أو جماعات عرقية أخرى، ويرتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.” وتصنفه المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
7) اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي حظرت تغيير الطابع الديموغرافي والمركز القانوني للأراضي المحتلة. ومن أهم المواد التي تخرقها سلطات الاحتلال نص المادة (49) من الاتفاقية الذي يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي لسكان الأراضي المحتلة.
وإذا كان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قد اندحر منذ العام 1991 وأصبح بائدا بعد نضالات مريرة للسود من جهة، وفرض عقوبات من الأمم المتحدة من جهة ثانية، فإنه في فلسطين المحتلة تتواصل جرائم الميز العنصري ضد الفلسطينيين بل تترسخ هذه الجرائم بعد بناء جدار يعوق حياة الفلسطينيين الصامدين على أرضهم ويرمي لعزلهم ومحاصرتهم وتقييد حقهم في التنقل داخل بلادهم، ويجري ذلك أمام أنظار العالم والمنتظم الدولي الذي لا يحرك ساكنا رغم التعارض الصارخ للفصل العنصري مع المواثيق الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة.
إن جرائم التطهير العرقي التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب بشكل يومي ومستمر ضد كل مقومات الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وفي كل الأراضي الفلسطينية من اجتثاث لأصحاب الأرض ومحو لأي شكل من أشكال الوجود الفلسطيني ومعالمه التاريخية والحضارية، وعمليات هدم المنازل على رؤوس أصحابها، وتدمير المنشآت الاقتصادية والزراعية وسلسلة الاعتداءات المتواصلة على المؤسسات التعليمية، وعمليات التنكيل والقمع لأبناء وبنات الشعب الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة.
فرض قوانين عنصرية
ومنذ إعلان قيام الكيان “الإسرائيلي” قامت سلطات الاحتلال بفرض “قوانين” عنصرية ضد الفلسطينيين شملت كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مسعى لطردهم وتهجيرهم قسرا من ديارهم وأرضهم ومن هذه “القوانين”:
- “قانون النكبة” الجديد:
في سنة 2011 تم تعديل “قانون أساس الميزانية” المعروف بقانون النكبة ينص على توقف حكومة الكيان الغاصب عن تمويل مؤسسات وهيئات تحيي أو تشارك في إحياء مناسبات فلسطينية وخصوصا ذكرى النكبة.
- قانون إلغاء اللغة العربية:
لقد كانت العربية هي اللغة الرسمية في فلسطين وأضيفت إلى جانبها اللغة الأنجليزية بعد الانتداب البريطاني، وسن الاحتلال “قانونا” بإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية، ومنذ سنة 1950 تم منع تعليم اللغة العربية في كل المؤسسات التعليمية بما فيها المدارس العربية، وفرض اللغة العِبرية وحدها، غير أن مظاهرات حاشدة خرجت للاحتجاج ولم تتوقف إلا بعد السماح بعودة اللغة العربية للمدارس العربية.
- “قانون” التمييز على أساس الدين:
أصدر الاحتلال ما سماه قانون العودة سنة 1950 الذي يخول الامتياز لكل يهودي في العالم أن يأتي إلى الكيان الغاصب، وتم تعديله سنة 1952 بما سمي قانون المواطنة الذي يمنح المواطنة مباشرة لكل يهودي يأتي إلى الكيان ولأقربائه المباشرين اليهود.
- “قانون الدولة القومية لليهود”:
وفي تحد صارخ للمواثيق الدولية التي تجرم الميز العنصري ولكل ضمير إنساني يؤمن بسواسية البشر أصدر الكيان الغاصب في 19 يوليوز 2018 “قانون الدولة القومية لليهود” في فلسطين المحتلة الذي يجعلها “دولة خاصة باليهود” وأن حق تقرير المصير فيها يخص “الشعب اليهودي فقط” أي الإقصاء الشامل لكل الفلسطينيين سواء منهم الذين تم تشريدهم واجتثاثهم من أرضهم ووطنهم وكذا الذين ظلوا يعيشون داخل الأراضي المحتلة بمن فيهم عرب 1948. وفي هذا السياق العنصري المقيت نشر (بنيامين نتنياهو) رسالة ورد فيها أن “إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها…بل الدولة القومية للشعب اليهودي وله وحده”.
ويلزم القانون الذي سنه الاحتلال المحكمة العليا في الكيان بتفضيل “الهوية اليهودية للدولة على القيم الديمقراطية في حال وقع تناقض بينهما. مما يكرس الطابع العنصري لهذا الكيان ليس كمنهج وممارسة فقط وإنما يجعله راسخا في مواجهة أصحاب الأرض الشرعيين من خلال التشريع والقضاء.
ومما يشجع كيان الغصب والاحتلال على مواصلة وتصعيد جرائمه وممارساته العنصرية ضلوع دول الغرب الاستعماري مع هذا الكيان في اغتصابه لأرض فلسطين وفيما يرتكبه من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، جرائمه وسياسته العنصرية، ومن خلال هيمنة القوى الاستعمارية على منظمة الأمم المتحدة فهي تحمي الكيان الغاصب من أي عقوبات أو إدانة وذلك ضدا على المواثيق الدولية وضدا على الضمير الإنساني.
وحينما تمكنت منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 10 نونبر 1975 من اتخاذ قرار تاريخي تحت رقم 3379 ساوى الصهيونية بالعنصرية وجاء فيه: ” إن الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرر إن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري “، وذلك بناء على القرار الأممي بتاريخ 20 نونبر 1963 الذي تضمن إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
وأشار قرار منظمة الأمم المتحدة لقرار مؤتمر القمة لمنظمة الوحدة الإفريقية في دورته الثانية عشر في 28 يوليوز 1975 في كمبالا والذي تضمن “أن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين في زمبابوي وأفريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك، وتشكل كياناً كلياً ولها هيكل عنصري واحد وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته.”
وتضمن نفس القرار الأممي الإحاطة علما بالإعلان السياسي الصادر عن قمة عدم الانحياز في ليما في 30 غشت 1975 الذي أدان الصهيونية بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين وطلب من جميع البلدان مقاومة هذه الأيدلوجية العنصرية الامبريالية.
غير أن الكيان الصهيوني وحماته جن جنونهم لمرور قرار يمكن أن يفتح الطريق لإنهاء الجريمة الأصلية المتعلقة باغتصاب أرض فلسطين فشرعوا في العمل على إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي اعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
وفي المقابل تشكلت لجنة عربية بدمشق من كتاب وصحفيين ومثقفين لدعم القرار 3379 لتثبيته وتفعيل مضامينه وفضح الطابع العنصري والإرهابي والاستيطاني للكيان الصهيوني والسعي لكسب الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية.
ومع اشتغال اللجنة وتوسعها أصبحت تحمل إسم :”اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية “.
وتضمنت وثيقة سياسية أصدرتها اللجنة في ماي 1994 “أن الكيان الصهيوني مشروع استعماري استيطاني قائم على التعصب المقيت المستند إلى اعتقاد تلمودي مفرط في الخرافية والاستعلاء العنصري، وان الصهيونية تستمد جذورها الأيديولوجية من إرث “الشعب المختار” الاستعلائي العنصري، وأن المشروع الصهيوني يرتبط عضويا بالإمبريالية الأميركية ويهدف إلى استنزاف العرب، ثروة وموارد طبيعية وأموالا وطاقة بشرية وروحية، وإلحاق الإحباط والتخلف بأجيالهم وإبقائهم نهب التمزق وقيد الهيمنة، وهو المشروع المعوّق للتقدم والنهضة والوحدة في الوطن العربي”.
غير أن اختلال موازين القوى لصالح القوى الاستعمارية وتخاذل عدد من الحكام العرب والضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية وباسم النظام العالمي الجديد بقيادة أحادية القطب وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1991 على إلغاء القرار رقم 3379 الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية في سابقة فريدة من نوعها (وربما الأولى) في تاريخ الأمم المتحدة والتعامل الدولي مما وضع الكيان الصهيوني العنصري الإرهابي فوق الأمم المتحدة وفوق العهود والمواثيق الدولية والقانون الدولي. واعترضت 15 دولة عربية على الإلغاء وامتنعت 7دول عربية عن التصويت منها المغرب.
ومن الملفت للنظر إن الأمم المتحدة عندما وافقت على القرار 3379 بررته بالعديد من القرارات الدولية الهامة التي أكدت على عنصرية الصهيونية، ولكنها عندما اتخذت قرار الإلغاء لم تبرره ولا بكلمة واحدة أو قرار واحد لأنه لم يكن سوى نتيجة للهيمنة الأميركية على الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد، ومن أجل إرضاء اليهودية العالمية والكيان الصهيوني الغاصب.
وأثار إلغاء القرار 3379 الكثير من الاحتجاجات الشعبية العربية من خلال اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية وعدد من الاتحادات والمنظمات العربية، وأكد الأمين العام المساعد للجامعة العربية السيد عدنان عمران أن موافقة الجمعية العامة على إلغاء القرار الذي أصدرته عام 1975 هو سابقة خطيرة في تاريخ المنظمة الدولية لأنه يفتح الباب إمام إلغاء قرارات أخرى عديدة تمثل مكاسب لشعوب العالم بأسرها ويناقض قناعات المجتمع الدولي الذي استند في إصدار هذا القرار إلى الحقائق المتعلقة بالعقيدة الصهيونية وممارسات الكيان الصهيوني في مواجهة الشعب الفلسطيني وعلى مستوى المنطقة العربية.
لقد كان إلغاء القرار 3379 بمثابة طعنة قوية في مصداقية منظمة الأمم المتحدة وفي احترامها لميثاقها وقراراتها وسهرها على احترام العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية بما فيها العهد الدولي بشأن تحريم العنصرية والتمييز العنصري.
وقد ساعد إلغاء القرار 3379 على استمرار الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني بل شجعه على التصعيد في سياسة الفصل العنصري وتكريس الممارسات المتعلقة بالتطهير العرقي في مواجهة الشعب الفلسطيني والتحدي المتزايد للقرارات والمواثيق الدولية.
غير أن عددا من المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية لا تساير القوى الضالعة والمتواطئة مع الكيان الصهيوني الغاصب وتبادر إلى إصدار تقارير ونداءات وتحذيرات حول خطورة وجسامة الإجرام العنصري في فلسطين المحتلة، وما فتئت تعلو العديد من الأصوات الحرة من شتى مناطق العالم للتنديد بنظام (الأبارتهايد) الصهيوني والمطالبة بوضع حد له، ويواجهه شعب الجبارين الفلسطينيين بالمقاومة والنضال البطولي من أجل تحرير الإنسان من نظام عنصري فاشي وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني الغاشم.
ومن التقارير التي أعدتها منظمات دولية حول جرائم التمييز العنصري في الكيان الصهيوني الغاصب التقرير الذي أصدرته منظمة ”الإسكوا” المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، في 15 مارس 2017، واضطرت الرئيسة التنفيذية لتلك المنظمة الدكتورة ريما خلف لتقديم استقالتها بعد أن رفضت الانصياع لطلب الأمين العام للأمم المتحدة بعدم نشر التقرير.
وهناك أيضا تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر في إبريل 2021. ويشمل التطبيقات العملية التي تعكس السلوك العنصري لسلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ومن التقارير الحديثة والهامة في موضوع جرائم التمييز العنصري التي يرتكبها الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني التقرير الصادرسنة 2022 عن منظمة العفو الدولية (أمنيستي) التي تعد من أقدم وأهم المنظمات الدولية التي تراقب أوضاع حقوق الإنسان عبر دول العالم وتقاريرها كثيرا ما تزعج الأنظمة الاستبدادية والجهات التي تنتهك الحقوق والحريات الأساسية للإنسان ولها خبرة طويلة في رصد الانتهاكات وتحظى بمصداقية عالية، وتقريرها الذي يحمل عنوان “نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين” جاء مفصلا (288 صفحة) وموثقا حيث يستند إلى مجموعة القوانين والتشريعات المعتمدة من طرف الاحتلال الذي لم يجد من وسيلة للطعن في التقرير سوى اتهام منظمة العفو الدولية بعدائها للسامية.
وبعد أن يستعرض التقرير بإسهاب الممارسات “الإسرائيلية” ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ويستخلص عددا من التوصيات منها:
- توصية للادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية، بإدراج جريمة الفصل العنصري في سياق التحقيق الذي شرع الادعاء العام فيه، اعتباراً من 3/3/2021،
- توصية للجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تعيد إحياء اللجنة الخاصة المعنية بالفصل العنصري، التي أُنشئت أصلاً عام 1962 أثناء الحملة الدولية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.
- توصية إلى “جميع الحكومات والقوى الإقليمية الفاعلة، خاصة تلك التي تربطها علاقات دبلوماسية وثيقة مع الكيان العنصري.. ألاّ تدعم نظام الفصل العنصري، أو تقدم المعونة أو المساعدة لإدامة مثل هذا النظام، كما ينبغي عليها التعاون من أجل إنهاء هذا الوضع غير القانوني”. كما يحضّ التقرير ـ أخيراً- هذه الدول على أن “تراجع جميع أشكال التعاون والأنشطة المشتركة مع الكيان “إسرائيل” لضمان أنها لا تسهم في إدامة نظام الفصل العنصري”.
وهذه التوصية بالخصوص تعني فلول المطبعين وخونة القضية الفلسطينية العادلة في الدول التي اختارت ربط عجلتها بالإمبريالية والصهيونية ضدا على إرادة الشعوب التواقة للتحرر البشري والكرامة الإنسانية.
إن جرائم التمييز العنصري التي يقترفها الكيان الغاصب في الأراضي الفلسطينية المحتلة تمثل علامة بارزة لفشل منظمة الأمم المتحدة في إقرار نفس المعايير في التعامل الدولي مع الانتهاكات الكثيرة والجسيمة التي تتعرض لها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؛ مما يترك المجال للقوى الاستعمارية والإمبريالية لفرض هيمنتها والتصرف وفق ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية وأطماعها الاستعمارية وأهدافها السياسية ضاربة عرض الحائط بالقوانين الدولية بتحد سافر لكل ضمير إنساني حي.
وإن فشل المنتظم الدولي وتخاذل وخنوع وتواطؤ كثير من الأنظمة في العالم وخيانة عدد من الأنظمة العربية وضلوع بعضها في إخراج الاحتلال الصهيوني من عزلته ودعم وجوده والسكوت عن جرائمه ووحشيته، كل ذلك لا يمكن أن يخفي الحقيقة الساطعة كالشمس في منتصف نهار صيفي أمام الصمود البطولي للمقاومة الفلسطينية، وأمام يقظة الشعوب العربية والإسلامية، وأمام الضمير الإنساني لأحرار العالم، إنها الحقيقة التي تقول بأن الحق لابد أن يعود إلى أصحابه الصامدين من أجله، وأن فلسطين لابد أن تتحرر، وأن القدس ستبقى عاصمتها الأبدية.
*عضو المؤتمر القومي العربي
رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقا