الإسلام في الهند
قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ” عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يستعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب ” .
ويقصد الرسول عليه الصلاة والسلام عود الكسط أو القسط الهندي، مما يدل على أن الهند كانت معروفة، ولديها علاقة تجارية مع جزيرة العرب. وأن الرسول عليه السلام كان على معرفة جيدة بها، حتى في ميدان الأدوية.
وقال الشاعر كعب بن زهير ـــ في مدحه عليه السلام ـــ
إن الـــرســـول لــســـيــــف يــسـتـضـــــاء بـه
مـهــنـــد مـــن ســـيــــوف اللــه مـــســلــــــــــــــول
في هذا البيت قرن كعب بين نور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والسيف أو الحديد الهندي.
وقال أبو الطيب المتنبي:
وظــلـــم ذوي الــقـــربـــى أشـد مـضـاضـة
عــلـــى الـمــــرء مـــــن وقـــــع الـــحــســام المهــنــد
وليست كلمتا القسط والمهند فقــط اللتـــان دخلـتـــا اللغة العربية، بل كلمات عديدة مثل: هند، و “برمك “ التي تعني ” رئيس “ في الهندية، ” بهار “ التي تعني توابل، وشطرنج وهي كلمة معروفة، وقد انتقلت من العربية إلى اللغات الأخرى، والفوطة، وكشري، وغيرها من الكلمات القديمة والحديثة.
وهذا راجع إلى العلاقة العربية / الهندية التي تعود إلى مئات السنين قبل وبعد الإسلام، وإلى التجارة التي ترسخت بين شبه القارة الهندية والجزيرة العربية. أما بعد الإسلام فإن العلاقة العربية / الهندية تطورت بشكل كبير، خصوصا بعد حكم المسلمين للهند 1193-1857. وفـي الـعــصـــر الحديث بعد ظهور حركة عدم الانحياز، ومن خلال كتاب جواهر لال نهرو” لمحات من تاريخ العالم “، والذي أشار فيه إلى مجمل الدول العربية، تتضح المعرفة العميقة للهنود بالعالم العربي.
الفتح العربي الإسلامي للهند
لم يكن التواجد الإسلامي مبنيا على الفتح فقط، بل لعب التجار العرب المسلمون دورا هاما في نشر الإسلام، بالإقناع والقدوة الحسنة، مع الإشارة إلى كون الجزيرة العربية كانت تربطها علاقة تجارية واسعة بالهند، في مرحلة ما قبل الإسلام، وذلك راجع لقرب المنطقة، وكون الهند تقع في الجانب الغربي على بحر العرب. فقد تواجد المسلمون في الهند بالكجرات وفي السند، وإن كان هذا التواجد شبه رمزي يتمثل في بناء بعض المساجد. إلا أن الوجود الإسلامي كسلطة في الهند، لم يبدأ إلا بعد المرحلة التالية لسنة 38 هجرية ( 659 م ). عندما جهز الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حملة لفتح بلاد الهند للإسلام، ومن المعروف أن الإمام علي كرم الله وجهه تزوج سيدة من مناطق السند، ــ بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كريمة الرسول عليه الصلاة والسلام ــ ، والتي اشتهرت باسم الحنفية وأنجبت له ابنه الفقيه الجليل محمد ابن الحنفية ــ رضي الله عنه–.
وقد كانت هناك حملة قبلها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في عام 23 هجرية (644) وكلتا الحملتين لم تعرف استقرارا وتواجدا مستمرا. لكن الوجود الإسلامي الأهم بعد هذه المرحلة، كان الحملة التي قادها محمد بن القاسم الثقفي، بتكليف من والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان قد تولى ولاية العراق في عام 695 في خلافة عبد الملك بن مروان والوليد 711-715م والتي عرفت تركيز الوجود الإسلامي في السند على الأخص، وتم تأسيس حاضرة إسلامية هي مدينة المنصورة، وجاءت حملة السند هذه بعد صراعات بين المسلمين والهند، وصلت إلى درجة الاقتتال، مما انعكس سلبا وأدى إلى عودة الهندوس إلى المناطق التي سبق للمسلمين العرب السيطرة عليها. وقد لافت حملة محمد بن القاسم نجاحات هامة، وتمت السيطرة على عاصمة السند الملتان، وهي من أهم مدن السند آنئذ، وتم تأسيس قلاع عسكرية، وعرف الإسلام انتشارا نسبيا بين الهندوس والبوذيين، خصوصا أن الجيش العربي الإسلامي استعان بأبناء البلد في الحكم والتسيير الإداري. وفــي سـنــة 715 توقـف الفـتـــح في مناطــق السند على مشارف البنجاب وكشمير الحاليتين، ولا تعرف أسباب هذا التوقف على وجه الدقة، فالبعض يعزوه إلى عزل محمد بن القاسم الثقفي قائد الحملة المحنك، الذي استدعى في ظروف سيئة من طرف سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي الذي خـلـف الـوليد بن عبد الملك في نفس السنة ، وكان الخليفة الأموي سليمان يكن عداءا خاصا للحجاج وأهله، ورغم أن الفرد قد تكون له أهمية في بعض الأحيان. فإن عزل محمد بن القاسم من قيادة الجيش العربي الإسلامي في الهند ليس السبب الوحيد، فالحملة واجهت صعوبات جغرافية أمام جبال كشمير وواجهت أيضا تناقض مراكز القرار والتكاليف الباهظة والصراع واختلاف القرارات باختلاف الخلفاء في مركز السلطة في دمشق، الشئ الذي انعكس على الحملة التي اكتفت بالتواجد في بعض المدن الصغيرة، وأهمها مدينة المنصورة، والتعايش القلق مع الهندوس بطوائفهم. ومع الأسف فرغم كل هذه الظروف فإن الذي عرقل الفتح هو صراع المسلمين فيما بينهم، الذين كانوا يدينون بالولاء لبني أمية، وكان الخلفاء في دمشق يعينون أمير المنطقة، وكان الأمير منصور الكلبي آخر الأمراء الأمويين، ودخلت المنطقة في صراعات بعد تولي العباسيين السلطة، وانتقال مركزها إلى بغداد، وكانت الإمارة السندية الإسلامية تناضل في شروط صعبة، خارجية وداخلية وفي وسط عدائي، وجاءت نهاية هذه الإمارة العربية في عام 1155 إلا أن المسلمين الغزنويين وقبل 1155 والقادمين من أفغانستان الحالية وكذلك الغوريين، الذين خلفوهم في غزنة، قاموا بالمرحلة الثانية الأهم لفتح بلاد الهند للإسلام، وقد حاولوا المحافظة على علاقتهم الاسمية بالخلافة العباسية. وكان خلفاء بني العباس يبعثون بمراسيم التكليف لملوك الهند. وسوف نلاحظ أن حرص المسلمين الهنود على المحافظة على علاقتهم الاسمية بالخلافة في دمشق ثم بغداد سيمتد فيما بعد إلى المناداة بالارتباط بالخلافة في الاستانة، أي مع الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، وأثناء الصراع ضد الاستعمار الإنجليزي والخلاف بين المسلمين الهنود حول البقاء مع الهند المستقلة عن انجلترا، بأكثريتها الهندوسية، أو تأسيس دولة جديدة والحنين إلى ماضي المسلمين في الهند، عندما كانوا في السلطة ومرتبطين ولو شكليا بالخلافة العباسية.
كان تأسيس سلطنة دلهي الإسلامية أهم مرحلة من مراحل التوطين الإسلامي الدائم في الهند ومنطلقا لنشر الإسلام في باقي المناطق، رغم أن الانتشار الإسلامي، واجه صعوبات عديدة، فالسلطة الناشئة، واجهت عداءا من جيرانها أصحاب العقائد الأخرى، مع التذكير بكون الهند آنئذ، كان تحفل بدول، وإمارات قوية، تمتلك جيوشا ضخمة، و “دبابات” ذلك الزمان الفيلة، بالإضافة إلى الصراعات على السلطة بين المسلمين أنفسهم، داخل المؤسسة الحــاكــمــة في السلطنة، وقد عاشت سلطنة دلهي الإسلامية، حوالي 3 قرون 1193 – 1526 عرفت اتساعا في النفوذ وفي أراضي السلطنة مركزيا حتى البنغال، وتقلصا أحيانا في النفوذ والأراضي بما لا يتجاوز ضواحي دلهي، حتى أنه في مرحلة سنوات محمد شاه الأخيرة، في الحكم، وهو أهم إمبراطور هندي في هذه المرحلة، حكم ما بين 1320 – 1351 واتسعت إمبراطوريته شرقا وجنوبا وشمالا، في مراحل حكمه الأخيرة، كان المواطنون يتندرون قائلين ” خوند عالم من دلهي إلى بالم ” وهم يقصدون أن سيد العالم لا تتجاوز سلطته بالم، وهي ضاحية قريبة جدا من دلهي.
لقد كان أهم مشكل داخلي واجهته السلطة الأولى، التي أطلق عليها من بعض المؤرخين، المرحلة الأفغانية، العداء المستحكم بينهم وبين إمارات الهندوس، والصراع الداخلي بين السلاطين وأبنائهم، ثم أعدائهم، واغتيالهم من طرف النخبة الحاكمة نفسها.
وعانت السلطة أيضا من خوف مستمر، من أعداء خارجيين خاصة المغول، الذين هددوا السلطة بحملات كانت تواجه في السند، وأحيانا كانت سلاطين دلهي ينتقلون بأنفسهم لمواجهة هذه الغارات، التي اشتدت بعد غزو تيمورلنك لدلهي في 1398. وكان القرن الخامس عشر إيذانا بنهاية سلطنة دلهي، التي عانت ضعفا عسكريا واقتصاديا، انتهى بتولي المغول بصفة نهائية السلطة في دلهي، وبالتالي الهند الإسلامية في 1526 على يد بابر، الذي فشل من قبل في توطيد سلطته على دلهي. هناك مراحل حاسمة في تاريخ سلطنة دلهي الإسلامية الأولى، فمن 1193 تاريخ سيطرت قطب الدين أيبك على دلهي وقبلها في 1186 على لاهور، واغتيال شهاب الدين أو ” معز الدين “ في 1206 مما أدلى عمليا إلى استقلال الهند عن مركزها الغزنوي في أفـغــانســتــان. وبعد قطب الدين أيبك الذي توفى في 1216 ، تولى عرش السلطنة الوليدة شمس الدين التوتمش، الذي أسس عائلة حاكمة إسلامية في الهند. وحاول مواجهة مشاكل السلطنة المعقدة خلال العشرين سنة، التي جلس فيها على عرش السلطنة، إلى أن وفاته في 1236 أدت إلى صراع بين أبنائه على منصب السلطنة.
المرحلة الأخرى الأهم، هي مرحلة السلطان علاء الدين، الذي أسس هو الآخر سلالة عائلية، لم تنجح في الاستمرار بعد وفاته ونفس الأمر كان مصير باقي العائلات، سواء ذات المنشإ التركي أو الأفغاني أو الهندي. والأمر راجع لكون مركز القرار السياسي والعسكري كان السلطان والمؤسستين الدينية والقضائية، التي كان موقفها أحيانا، يتعارض مع رغبات السلطة، إلا أن المؤسستين لم تكن لهما استقلالية عن شخص السلطان، الذي يستمد سلطته الإسمية من الدين ومن الخلافة العباسية، باعتباره حاكما باسم الخليفة أمير المؤمنين، وكان سلاطين دلهي الإسلامية ــ وحتى أثناء غزوات محمود الغزنوي الذي أنعم عليه الخليفة العباسي بلقب يمين الدولة ــ يرغبون في التعيين الخليفي لهم للخليفة العباسي، لأن ذلك يكسبهم حصانة ومكانة دينية زائدة، في مواجهة خصومهم من الإسلاميين. وكانوا أحيانا يبعثون بخراج وهدايا للخليفة في بغداد. ورغم الطابع الإسمي للتكليف الذي يبعثه الخليفة، فإن ذلك كانت له أبعـــــاد معـنــويـــة، لدى سلاطين دلهي، يعطي شرعية للمجالس على عرش السلطنة.
وقد حاول الفاطميون والإسماعيليون، الدخول على الخط بعد تأسيسهم دولة في مصر، والاتصال بالسلطــنـــة عــن طريق بعث خطابات تكليف، إلا أن مذهبية سلطنة دلهي الحنفية / السنية وكراهية خلفاء بني العباس للإسماعيلين، أدت إلى فشل الإسماعليين، في كسب ود سلاطين دلهي، بل إن جيوش السلطنة كانت تحارب وبشكل لا هوادة فيه أي نشوء لدويلة إسماعيلية، وبالتالي أي مذهب غير المذهب السني. وإذا كانت علاقة سلاطين دلهي الإسلامية مع المسلمين من غير السنيين على هذا الشكل فكيف كانت علاقتهم مع رعاياهم الهندوس؟.
اختلف تعامل ملوك السلطنة مع الهندوس، وإن كان الطابع العام هو أن نفس المعاملة التي يلقاها الرعايا المسلمون، يلقاها الرعايا من الهندوس، ومع كون الوظائف السياسية في الأغلب كان يتولاها المسلمون، إلا أن أداء الواجبات المالية سواء كانت خراجا أو زكاة كان ملزما للجمـيــع بـهـــا، كذلك المعاناة التي عاناها المسلمون، والمعارضون منهم خاصة كان يعانيها الهندوس أيضا. إلا أن هناك ملوكا تعاملوا مع الهندوس بشكل أكثر ودا وقربا، وأحيانا قلدوهم وظائف سامية، أما الخدمة العسكرية فكانت ملزمة لجميع الرعايا، من المسلمين والهندوس في جيش، يقوده المسلمون، وكان بعض المسلمين جنودا في جيوش الهندوس، وقد التقى ابن بطوطة ببعض المسلمين في عصابات وجيوش الهندوس، والمعارضين للسلاطين في دلهي ولاحظ وجود هندوس في جيش السلطنة، وأشار إلى أن الهندوس كانــوا يسـتـقـبـلــــون من طرف حرس السلطان، أثناء الاستقبالات الملكية بالقول ” هداك الله “، وقد لاحظ أيضا أن محمد شاه عين أحيانا ولاة من الهندوس، رغم معارضة النخبة الإسلامية المكتومة6 . والمفاجأة التاريخية في سلطنة دلهي تولي سيدة منصب السلطان، وهي أول سلطانة في تاريخ الإسلام، إلا أن مصيرها كان مأساويا… لكن مصير السلاطين الذين جاءوا بعد السلطانة راضية بنت شمس الدين 1236 – 1240 لم يكن مختلفا عن مصير أول سلطانة مسلمة في التاريخ الإسلامي،فعدد كبير من السلاطين في هذه المرحلة تم اغتيالهم أو الإنقلاب عليهم.
وكان عدم الاستقرار هذا وتوالي الأسر الحاكمة، واغتيال السلاطين، والانقلاب عليهم، والإفلاسات، التي عانت منها خزينة الدولة نتيجة لهذه الصراعات، واحتياج كل سلطان لأموال لشراء الأمم، وتجهيز الجيوش، وبالتالي إثقال كاهل الشعب والفلاحين على الأخص بالضرائب التي وصلت أحيانا إلى 50 % وهو الحد الأقصى المقبول شرعا في مذهب أبي حنيفة النعمان 700 – 767 م الذي أخذ به مسلمو الهند في غالبيتهم.
( … يتبع)
*باحث مغربي