ذ. عزيز بومسهولي يتابع كتابة شذراته الفلسفية : إننا لا نعيش في الحياة مرتين
1 ـ
ثمة كائنات إنسانية حرة تعمل لأجل نفسها ولأجل إسعاد الآخرين، حيث العمل مجرد وسيلة من أجل الرفع من جودة الحياة المشتركة أو بالمعية.
وثمة عبيد العمل، أو كائنات تجعل -في غياب الوعي بالذات- من العمل غاية في الظاهر فقط ، وليس إخلاصا لأجل هذه الغاية في حد ذاتها، لأن تظاهرها بالعمل ليس إلا تنكرا يخفي التهرب من أية مسئولية تجاه الغير. هذا النوع من الكائنات/العبيد لا يسهم في شيء يعلو بالحياة بقدر ما يسهم في الدنو بها إلى درجة العدم.
فما جدوى عمل بدون إنتاج للقيمة ولمعنى الحياة؟
2 ـ
إننا لا نعيش في الحياة مرتين، إذ أنني ككائن حي لدي فرصة واحدة في الحياة، فلا يمكن لي أن أولد ثانية لأعيش مرة أخرى وربما مرات أخرى وهكذا دواليك، كما لو كنت من ذوي الانبعاث الخالد. غير أن الفرصة التي منحت لي ككائن فان ومتناه، يمكن أن تعاش كما لو أنها حيوات عديدة لا متناهية، وذلك لأن الفرصة هي صدفة كرمية نرد تلقى مرة واحدة لكن كل رمية تولد التعدد والكثرة، إنها إذن لا تنتمي إلا للعود الأبدي، وما دامت الفرصة الممنوحة لي كذلك فإنني يمكن أن أعيش عودا أبديا أي بأن أجعل من كل لحظة من حياتي وكأنها بداية لحياة أخرى ما تفتأ تتجدد، بحيث تكون حياتي التي أعيشها مرة واحدة محدودة بالولادة والموت، حياة لا متناهية ما دام بإمكاني أن أعيشها ثانية بكيفية غير مسبوقة، أو بكيفية تختلف بدرجة اقتدارها على إثبات معنى الحياة وقيمها التي لا تنتسب لشيء سوى لاقتدارنا على الالتحام بعود أبدي ليس بمثابة خلود للكينونة، بل هو كلحمة للكينونة في أن تعيش هذه الكينونة بتناهيها تجربة العودة اللامتناهية للوجود.
3 ـ
ليس للوجود توقعات من قبلنا، غير أن كل ما نتوقعه إنما هو رهين بعالمنا فقط، لذلك ثمة ما هو ليس قط خاضعا لإدراكاتنا المتناهية، لأن كل ما ندركه عن الوجود بما هو وجود، لا يكون إلا على نحو مبهم (بنية اللايقين)، لأنه ينتسب لللامتناهي. وثمة ما ندركه في عالمنا على نحو واضح، يكشف اقتدارنا على توقع ما هو خاضع لوعينا، لأنه فقط ينتسب للمتناهي أو بالأحرى ينتسب لمجال كينونتنا الخاص (بنية اليقين). وبين ما ينتسب لللامتناهي وللمتناهي ينشأ الحدث كما لو كان حدثا غير مسبوق، لكنه يستدعي يقظة الوعي، والاقتدار على الفهم.
4 ـ
قد ترضي الناس جميعا – إن استطعت ولن تستطيع- لكنك، بالمقابل، ستخسر نفسك لا محالة، والحال أنك إذا خسرت نفسك، فإنك ستخسر الناس جميعا، فتفقد رضاهم عنك ، وذلك لأن الوجود الناسي هو الأكثر تنكرا لكائن تنكر لذاته في سعيه الخائب لإرضاء الناس جميعا، مهما بذل من جهد لأجل ذلك.
5 ـ
الإنسان هو الوحيد الذي لا يقدر أن يفكر بنفسه- في -نفسه، إلا بقدر ما يفكر في غيره؛ والحال، أن نفسه التي يفكر فيها هي غيره أيضا أو آخره، وبهذا المعنى يكون كل أنا يفكر في نفسه هو آخر الذات ( أنا هو آخر : رامبو)، ليس لأن هذآ الآخر منفصل عنه، أو لأنه آخر بالنسبة للذوات الأخرى فقط، بل لأنه الآخر الذي يلازمه، كونه آخر الذات التي تنعكس في مرآة الذات عينها، ولذلك كانت العلاقة مع الذات غيرية بامتياز، فأنا لا أفكر في ذاتي عينها إلا باعتبارها هذا الآخر الذي أفكر فيه، كما لو أنها منفصلة عني، والحال أنني أفكر فيها لأستعيدها ثانية في ذاتي، غير أن هذه الذات التي استرجعها ثانية، تنعكس أيضا في ذات الآخرين، بقدر ما أستعيد بدوري ذات الإخرين في ذاتي. ولهذا فالإنسان لا يفكر بنفسه في نفسه إلا بقدر ما يفكر في غيره.
6 ـ
الإنسان يخشى الحقيقة مع أنه يرغب فيها؛
تلك هي مفارقة الحقيقة، أو المعادلة العويصة لحقيقة الإنسان. وذلك لأن الإنسان بقدر ما يرغب في الحقيقة، فإنه يسعى جاهدا إلى إتلاف الجانب الخلفي للحقيقة، كونه لا يحب أن يظهر عاريا في الحقيقة، أي في أن تظهر الحقيقة حقيقته الخاصة، أو الجانب الخلفي لحقيقته، لهذا لا يحتفظ من الحقيقة إلا ما يناسب مظهره الخارجي، أو ما يلائم صورته عن ذاته التي تنعكس في مرآة الذوات الأخرى، أو في الضمير الجمعي للناس، وفي ذات الآن يسعى إلى إتلاف الجانب الآخر لحقيقته، والتي من شأن ظهورها وانكشافها في وعي الآخرين أن ينسف حقيقته من الأساس. لذلك يمتلئ التاريخ بأصناف الحقائق. إذ إن البطولات التي تتغنى بها الشعوب لا تحتفظ إلا بالصورة المجيدة لأبطالها، لكنها تسعى دوما إلى إخفاء الفظاعات التي كانت مجرد وسيلة لتشكيل الحقيقة الماثلة في وعي الشعوب. والأمر ينسحب على الإنسان العادي، الذي يكون أقصى اهتمامه منصبا فقط، على صيانة مظهر حقيقتة الذي يمتثل في ضمير الآخرين، لأن من شأن ظهور حقيقتة في كليتها أن ينسف وجوده وجوده الخاص، أو يظهره على الأقل على نحو لا يرغب فيه على الإطلاق، وبالتالي يفقد الاعتبار الذي يتأسس عليه وجوده بين البشر.
7 ـ
هل تمارس إدارة الفيسبوك نوعا من الحجب على بعض المنشورات؟ شخصيا استغرب من كون أغلب ما أنشره في الأيام الأخيرة، لا يكاد يطلع عليه إلا نزر يسير من الأصدقاء،
(الحاصول أن الفيس ما عندو ما يدير بالفكر، ولا صداع الرأس …اللهم إلا إذا كنت مدعوما من جهات ما، وفي هذه الحالة يرتفع رصيد ما تنشره بغض النظر عن فحواه و قيمته).
8 ـ
الانبطاح المجاني، وتبخيس إرادة الشعوب المقهورة، والانغماس في إثارة انفعالات هوجاء بمنآى عن فضيلة الاتزان، والإفراط في الرأي حد الابتذال، بل والانحياز الأعشى لمنطق قوة غاشمة لا تتورع عن القتل المجاني للأبرياء، لا يمكن أن تكون من صفات المنشغلين بالفلسفة أو محبي الحكمة قط، مهما ادعى المرء خلاف ذلك.
إن مفكرا أصيلا لا يمكنه إلا أن ينآى بذاته ليس بعيدا عن الأحداث والناس، ولكن بعيدا عن إصدار أحكام جزافية أو متحيزة لميولاته الشخصية وغروره النرجسي.
لقد كان كانط محقا عندما حذر في أسس ميتافيزيقيا الأخلاق، وفي مناسبات أخرى من مساوئ ما يسمى بالفلسفة الشعبية، ومن المغالطات الناتجة عنها.
9 ـ
الشيء أوالقيمة.
كل شيء، بما هو شيء، ليس شيئا آخر، سوى قيمته كونه شيئا معينا وليس لا شيء يفتقد للتعيين، ومعناه أن كل شيء إنما يحتفظ بقيمته، ما دام أن هذا الشيء ليس عدما خالصا. أو هما (الشيء والقيمة) المماثل عينه. لذلك لا يمكننا الفصل مبدئيا بين الشيء والقيمة، فما دام أن الشيء شيء فهو بحد ذاته قيمة، غير أن هذه القيمة قد تكون كامنة وقد تكون فائضة، أي أنها قيمة ساكنة أو متحركة، أو هي قيمة ملازمة للشيء لا تزيد عن حد الشيء، وقد تكون قيمة متعاظمة أو مضافة. أما الحالة الأولى فيمكن أن نعبر عنها من خلال كل الأشياء التي يحفل بها الوجود، ولكنها تعيش في غفلة عن وعينا بالقيمة، إذ لا ينتبه لها الوعي لأنها لا تخضع مؤقتا أو لحين من من الوقت لمنطق الحاجة أو بالأحرى لمنطق الرغبة، لكنها بمجرد ما تظهر للوعي بوصفها قصدية للوعي، (وتلكم هي الحالة الثانية) فإنها تصير ظاهرة، وبمجرد ما تصير كذلك فإنها تكتسب قيمة مضافة، أي أنها تنكشف للوعي القصدي كأشياء في ذاتها، غير أن ما تكونه في ذاتها ليس غير قيمتها المضاعفة، أي بوصفها شيئا يحتفظ بقيمته الملازمة له، وبوصفها أيضا قيمة تنكشف لوعي قصدي يجعل منها شيئا يظهر لوعي يظهر القيمة، أو يضيف هذه القيمة على شيء صار في متناول الإدراك.
10 ـ
بإمكاننا أن تقول مع الحكماء: إن الحياة بسيطة لكنها ليست سهلة، وبإمكاننا أن نقول أيضا بأن الحياة معقدة، لكنها ليست مستعصية. ومعناه أن الحياة بسيطة لا بقدر ما هي سهلة البلوغ، بل بقدر ما تكون لنا القدرة على فهم مشكلات حياتنا أولا، وبقدر ما يمكننا هذا الفهم لواقع الحياة من التصرف بكل بساطة وتجرد من التكلف والتصنع وتضخيم الأمور ، وذلك من أجل التمكن من حل مشكلات الحياة باقتدار، كون هذه المشكلات ليست ضرورية في الحياة وحسب، وإنما هي متوقعة أيضا، وكل ما ينشأ على هذا المنوال فهو كذلك معقد، كونه مركب من العوارض والأحداث والتصادمات ولواحق المشكلات، ولكنه ليس عويصا ولا مستعصيا، بل هو قابل للبسط والتحليل، أي لبساطة الاستيعاب والتناول بالاقتدار على حل عقد الحياة وصعوباتها.