كثيرا ما يُتعِبُ البعض نفسه كي يبرهن لنا أن اللغات العامية المغربية (الدوارج)، لغات مستقلة بذاتها، وتجمع بين معجم اللغة العربية العالمة (الفصحى) في معظم مفرداتها( وهذا خطأ)، وبين قواعد اللأمازيغية في بنيتها وصرفها ونحوها( وهذا خطأ كذلك). محاولا حشد الكثير من الامثلة والنماذج لتأكيد ذلك، وحيث يبحث في العربية العالمة عن صيغ صرفية أو نحوية أو تعبيرية موجودة في الأمازيغيات الشفوية وفي الدوارج العربية، فإذا لم يجدها، أرجع وجودها في الدوارج العربية إلى تأثرها بالأمازيغيات الشفوية وليس العكس ( تأثر الأمازيغيات في بنيتها وصرفها ونحوها بالدوارج العربية) لسبب بسيط هو أن تلك الصيغ الصرفية والنحوية والتعبيرية غير موجودة في العربية العالمة، غافلا على أنّ عرب بني هلال وبني سُليم وبني معقل، وحتى قبائل العرب الذين دخلوا شمال إفريقيا والمغرب في الغزوات الاولى مع عقبة بن نافع وغيرهم من قادتها خلال النصف 2 من القرن 1هج/7م كانوا يتحدثون بدوارجهم وليس بالعربية الفصيحة قبل أن يدخلوا إلى شمال إفريقيا والمغرب خلال القرن 1هج/ 7م والقرنين 6 و 7 هج/ 12 و13 م. وأن تلك الدوارج لا تنحدر من لهجة القريش التي صارت بعد تهيئتها (تقعيدها) العربية العالمة. ومتناسيا أن دوارج تلك القبائل العربية كان لها تأثير كبير على على المعجم والبنية الصرفية والنحوية للأمازيغيات الشفوية(تاشلحيت – تامازيغت -تاريفيت)، بعد الاحتكاك الطويل بينهما. كما تؤكد الدراسات اللسنية الاجنبية.
ومن يتبنى هذا الطرح المهزوز تاريخيا والخاطئ علميا يفترض أن قبائل العرب التي هاجرت الى شمال افريقيا واستقرت به كانت تتحدث العربية الفصحى، في حين أن التاريخ ينفي ذلك ويتبث أن أؤلئك العرب كانوا يتحدثون بدوارجهم قبل الوصول الى شمال افريقيا.
كما أن أصحاب هذا الرأي المختل يتوهمون أن كون الدارجة المغربية لغة مستقلة عن اللغة العربية الفصحى يعتبر كافيا لجعل العامّية المغربية خصما عنيدا للغة العربية الفصحى، ومن ثمة درعا للدفاع عن الأمازيغيات، متناسيا أن لا الدوارج العربية ولا الأمازيغيات الشفوية يمكن أن تشكل خصما للعربية العالمة(الفصحى). لسبب بسيط، لان الأدوار والمهام موزعة ومتكاملة فيما بينها في المجتمع والدولة منذ العصر الوسيط، وعليه فالدوارج العامية العربية هي التي تشكل خطرا على الأمازيغيات الشفوية، وليس العربية الفصحى في حد ذاتها، على اعتبار أن هذه الأخيرة تؤدي دورها وتنجز مهامها، في مجالات وفضاءات المدرسة والتعليم والدولة والدين والادارة، التي لم يسبق تاريخيا للأمازيغيات أن كان لها وجودا فيها، في الوقت الذي تشغل فيه الدوارج العامية المغربية نفس الأدوار وتقوم بنفس مهام الأمازيغيات الشفاهية، وبالتالي تزاحمها في نفس الفضاءات والمجالات( مهام لغة الام وأدوار لغة الشارع والعمل). وعليه فالتعريب “الدارج” هو الذي يشكل خطر على الأمازيغيات الشفوية على المدى القريب والمتوسط وليس التعريب “الفصيح”. ويمكن أن نقارب هذا الموضوع من وجهة نظر تاريخية وسوسيولسنية، بابراز تطور العلاقات بين الأمازيغيات من جهة والعربية العالمة (الفصحى) وكذلك الفرنسية من جهة ثانية ونبين كيف تشكلت أضلاع هذا المربّع اللسني المؤطر للوضع اللغوي بالمغرب.