اطلعت على بلاغ الناطق الرسمي الصادر على إثر فعاليات أشغال المجلس الوزاري ، والذي قدم السيد وزير الداخلية ، في نهاية أشغاله عرضا يتعلق بالتدابير التي تم إعدادها بشأن تنظيم الطائفة اليهودية المغربية. وتستمد هذه التدابير روحها من الأمانة العظمى، التي يتولاها الملك بصفته أمير المؤمنين، الضامن دستوريا لحرية ممارسة الشؤون الدينية، لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وتكريسا للرافد العبري كمكون للثقافة المغربية الغنية بتعدد روافدها. وتشمل هذه المنظومة والتي تم إعدادها بعد مشاورات موسعة مع ممثلي الطائفة اليهودية وشخصيات منتسبة لها، تشمل الهيآت التالية :
• أولا : المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية : ويتولى السهر على تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة. وستنبثق عن المجلس لجان جهوية تقوم بتدبير القضايا والشؤون اليومية لأفراد الطائفة ؛
• ثانيا : لجنة اليهود المغاربة بالخارج : وتعمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة ؛
• ثالثا : مؤسسة الديانة اليهودية المغربية : وتسهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته.
وعلى الرغم من أهمية كافة ما ورد في عرض السيد وزير الداخلية ، فإن ما اثار انتباهي هو ما جاء في فقرة ثانيا :
” رابعا: لجنة اليهود المغاربة بالخارج : وتعمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة ؛”
وهو مضمون كان يعمل به تلقائيا وقد حان الوقت في نظر الدولة بأن يخرج إلى العلن بمثابة سلوكات ممأسسة ومؤطرة بشرعنتها قانونيا ، بعد أن كانت مجرد مبادرات طوعية ، وغالبا ما كانت تمارس موسميا وبمناسبة ديناميات مرتبطة بالقضية الوطنية ، أو كانت تفوض من قبل قوى الضغط والتأثير في أروقة الأمم المتحدة أو في سياق الدبلوماسية الموازية ؛ إنها خطوة تؤشر لمزيد من الشفافية أي إضفاء نوع من الوضوح والعلانية ، مما يرتب النقد والمحاسبة وربطها بواجب تحمل المسؤولية السيادية ؛ وإن كان التساؤل يحوم حول ظرفية طرح المبادرة وإطلاق هذه الدينامية كشأن دولتي وأمني سيادي ، وذلك بربط بسياق التحولات الجيوسياسية والاستراتيجية الإقليمية والدولية ، الجارية والمتراكمة في العلاقة مع قضايا ما كانت تنعته الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع الشرق الأوسط الموسع ، وعلى الخصوص مع إستحضار خرجات وجولات رئيسها في المنطقة ، وفي ظل محاولة إطلاق تشكلات جديدة لملامح عالم بلا حدود لكن مشروط بقطبية متعددة ؟ فهل سينجح المغرب في أن يتبوأ له موقع قدم على هذا الصعيد ، وذلك في إطار علاقات ندية وتنافسية منصفة تضمن للبلاد وضعا متقدما على مستوى التنمية الإجتماعية والإقتصادية والديمقراطية دون إشتراطات ما عدا ضمان و تحصين إستقلالية قراراته المالية والسياسية والأمنية ، وكذا الحق في إقرار سياسة خارجية تراعي حقوق الشعوب في السلام والتعايش السلمي وتقرير مصيرها وحماية وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية ، ضد أي تدخلات أجنبية سواء كانت بعلل إنسانية أو باسم عولمة حقوق الإنسان أو تصدير الديمقراطية !
فهل سيفتح حزبيونا وحقوقيونا المغاربة نقاشا حول تداعيات ما تتخذه الدولة من قرارات إيجابية في جوانبها السيادية كلحظة وطنية ، وسلبية من زاوية ثانية كلحظات حقوقية وسياسية ؟
إنني أدعو الجميع بالاهتمام بالشأن العام وبالقيام بقراءة نقدية وتشخصية جيدة للمسكوت عنه في قرارات ومبادرات مأسسة الرافد العبري في المغرب ومجاله ومجالات اشتغاله ، فليس غريبا أن يقع كل التحول على الصعيد الدبلوماسي والثقافي دون أن يتخلى البعض عن لازمة ” كم من حاجة قضيناها بتركها ” وفي ذلك تكريس سلبي لتمثلات أن الأمن والدين والسيادة شؤون محفوظة للملك ، في ظل تصاعد عناية الدولة بالشأن الثقافي بالانفتاح على ” مزايا ” المسألة اليهودية إقترانا مع سيرورة ترسيخ القضية الأمازيغية !