الكاتب والمترجم رشيد بازي
صدر عن دار النشر الأردنية خطوط وظلال كتاب “ماركس وأبناؤه” للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، ترجمة الكاتب والمترجم المغربي رشيد بازي وهو يقع في 136 صفحة من الحجم المتوسط.
عندما صدر كتاب “أطياف ماركس”لجاك دريدا (1993) (الترجمة العربية صدرت عن مركز الإنماء الحضاري، سنة 2006، طبعة ثانية) أثار موجة من الانتقادات من طرف كتاب أعظمهم ماركسيون (نذكر من بينهم أحمد إعجاز الدين، بيير ماشري، غاياتري شاكرافورتي سبيفاك) والذين يعتقدون بأن من حقهم كماركسيين الدفاع عن النظرية الماركسية، والتي يرى بعضهم بأن القراءة التفكيكية التي يقترحها الفيلسوف الفرنسي لها من شأنها أن تجردها من ماديتها، وتفرغها من مفاهيمها التي كانت دائما تغذيها وتميزها عن غيرها من النظريات.
ومن ثمَّ فالمفهوم الأساسي الذي عمل دريدا على تفكيكه في “ماركس وأبناؤه” ‒ الذي كتبه للرد عليهم والذي صدر أول الأمر بالإنجليزية في مؤلف جماعي سنة 1999‒ هو مفهوم “ماركسي”، أي الانتماء الماركسي، والعلاقة العضوية التي تربطه بمفاهيم أخرى أكثر شمولية من قبيل “البنوة” و”الانتساب” و”الإرث” و”التملك”.
بالإضافة إلى هذا، فدريدا يطبق القراءة التفكيكية ذاتها على مفاهيم أخرى لا يمكن الإلتفاف عليها عندما يتعلق الأمر بالتساؤل حول راهنيّة النظرية الماركسية، مثل “الطيفية” و”الطبقية” و”الأممية” و”الأنطولوجيا” و”السياسة” و”الحداد” و”الماشيحانية بدون ماشيح”. والمفهوم الأخير يمكن القارئ من الاطلاع، على نحو مبسط، على موقف دريدا من العلاقة التي توجد، من جهة، بين الدين والإيديولوجيا، ومن جهة أخرى، بين الدين والإيمان.
هناك جانب آخر من هذا النص جدير بالإشارة، رغم أنه لا يرتبط بالإشكالية المحورية بشكل مباشر، وهو الذي يتعلق بالأهمية التي يوليها دريدا لضرورة التمييز بين فكره هو وما دأب المحللون على تصنيفه فيه من مختلف المدارس الفكرية، والأمر يتعلق هنا بالاتجاهين المابعد الحداثي والمابعد البنيوي.
هل قرر دريدا أن يتصالح أخيرا مع ماركس وأن يتجاهل كل ما كان يوليه من جفاء؟ وفي حالة كون الجواب إيجابا، هل نجح في مصالحته هذه؟ أم أنها تبقى مجرد محاولة “انتهازية” (كما يذهب إلى ذلك بعض منتقديه) من طرفه لاستغلال الماركسية لأغراض أخرى؟ هذان هما السؤالان المحوريان اللذان يستقطبان كل ما ورد في الدراسة التي بين أيدينا من انتقادات وردود.