1 ـ سير سير، لا شيء يستحيل
كل فرح عظيم، لا يجب أن ننظر إليه بوصفه ناتجا فقط عن حدث أعظم؛ وإنما يجب أن ينظر إليه، بوصفه تأسيسا لتاريخ جديد، يبدأ من حيث يكون ذلك الحدث والفرح الناتج عنه، مجرد بداية لسلسلة حدوث متتالية من شأنها توسيع إرادة اقتدارنا على اقتحام التاريخ من بابه العريض، أي من خلال ابتكار نمط وجود يستدعي المستقبل إلى المجال الخاص لكينونتنا. فلا شيء يستحيل على إرادة الاقتدار. وحده العجز قرين الحزن، هو الذي يجعل من بلوغ كمال أعظم مستحيلا، ويحول دون إرادة الاقتدار والكينونة، ويرمي بكل حدث في هوة عدم سحيق، لا تسود فيه سوى إرادة مبنية للمجهول، أو لغفلية القدر.
2 ـ في الفرق الميتافيزيقي بين العلة الكافية والعلة التأسيسية
يعبر مبدأ العلة الكافية ( لايبنتز) ميتافيزيقيا على أن كل ما يقال عن شيء ما إنما ينطوي في مفهوم هذا الشيء، إن الأمر لا يتعلق بماهية هذا الشيء، من جهة مبدأ الهوية، وإنما يتعلق الأمر بكل الأحداث بما في ذلك انفعالات الحب والكراهية وغيرها، التي تنتمي أو تنتسب لهذا الشيء، بحيث أنها جميعها منطوية في مفهوم هذا الشيء. وهذا معناه أن لكل شيء علة -والعلة raison ميتافيزيقيا لا تعني السبب cause- أي أن كل ما يحدث لشيء ما يجب أن يكون مطويا وإلى الأبد في المفهوم الفردي لهذا الشيء. إن مبدأ العلة الكافية باختصار يحكي سردية الشيء، بكل تفاصيلها الدقيقة التي لا يمكن أن نستثني منها أبسط التفاصيل التي تحدث لشيء ما، والتي تنتمي إلى مفهومه الفردي، باعتباره يعبر عن العالم في رمته.
أما مبدأ العلة التأسيسية(بومسهولي) فهو لا يحتفظ من مبدأ العلة الكافية، إلا ما يخص أفعال الاقتدار على الحدوث، أو على كل حدث ينتمي لمفهوم الشيء، لكنه لا ينتمي إليها إلا من جهة الاقتدار على ابتكار نمط الوجود في العالم. وبذلك فإن الحدث الإبداعي فقط والذي يخص المجال الخاص للاقتدار على الكينونة، أي في المجال الخاص الذي يؤسس للتاريخ، والذي يحتفظ دوما بشيء ما يقوله للمستقبل. وهكذا فلا نحتفظ في العلة التأسيسية بكل ما يحدث للقيصر، وإنما بعبوره لنهر الريبيكون، ولا نحتفظ من أفلاطون غير محاوراته، ولا من أرسطو غير تأسيسه للفلسفةالأولى، و لا من المتنبي أو بودلير، مثلا، سوى بأشعارهما التي أبتكرت أفقا إبداعيا للتعبير، ومن الركراكي وفريقه سوى بهذا الإنجاز غير المسبوق في تاريخ المغرب الكروي، كما لا نحتفظ من كل شخصيات التاريخ سوى بالأمجاد التي أنجزوها، ولا نحتفظ من الإنسان عامة سوى بالأحداث التي جعلت من المدينة أفقا للتعايش، ومن جعل من الحرية حدثا، ينطوي في مفهوم الإنسان عامة، بحيث أن الإنسان هو عينه هذه العلة التأسيسية التي تعبر بدورها عن العالم برمته بوصفه منطويا في مفهوم الإنسان.
مفهوم العلة التأسيسية يقول سير سير أو سير.
3 ـ إذا كنت لا تتفاعل مع تدوينات غيرك، فلا تنزعج-
خاصة إذا كنت منشغلا بالفلسفة- من عزوف البعض عن التفاعل مع تدويناتك. أليست المسؤولية في الفلسفة الأولى بدون مقابل؟ فلم الإنزعاج؟
شخصيا أنا لا أنزعج من ذلك، ولا ألومك بالذات، كما لا ألوم غيري، على عدم التفاعل مع ما أكتبه، تعليقا أو إعجابإ، لأني أعرف أن ما أكتبه هو في غير موضعه، وأنه في غير أوانه، كما أني لا أحفل بالمعاملة بالمثل، لأني لا أنتظر مقابلا من الغير لأنال الإعجاب. والحال أنه إذا كان نيل الإعجاب هو
غايتك القصوى في هذا العالم الرقمي، فقد ضاعت الفلسفة وضاع الفكر، وصرت منتفخ الأنا، ودائرا حول نفسك، كدائرة مفرغة إلا من نفخ الريح “المستريح”. إن من لم تعلمه الفلسفة التواضع والنبل والرصانة، فلا يعول عليه.
4 ـ كل العلل إنما ترجع إلى علة واحدة هي العلة التأسيسية (الإنسان).
إذن أن الإنسان هو الذي ينطوي مفهومه على العلل الأخرى. ولو جردنا الوجود عن الإنسان لانتفت العلة أصلا، لسبب بسيط، كونها تقوم في مفهومه، من الوجهة الميتافيزيقية، وليست في الوجود عينه، بالرغم من كون الوجود في مفهوم الإنسان هو علة ذاته. أي أن كل علة إنما تنتسب للإنسان الذي ابتكر مفهوم العلة، سواء كانت علة ذاته التي تنطوي عليها ماهية الوجود، أو كانت من قبيل العلل الأرسطية الأربع، أو من العلة الكافية التي ينطوي فيها كل مفهوم فردي على جملة الأحداث اللاحقة به. والحال أن العلة التأسيسية في نهاية التحليل، إنما تحتفظ في مفهوم الإنسان على العلل التي لا تفسر فقط الوجود والحدث، وإنما تؤسس لمفهوم الوجود عينه، كما تؤسس في الآن ذاته لأنماط الكينونة في الوجود، أي للحدث وللتاريخ والمصير وللحرية كابتكار فريد للعالم. وهذا معناه أن العالم لا يرجع للوجود، مباشرة، وإنما عبر توسط الإنسان.
5 ـ الحب يسع الكون برمته، أما الكراهية فلا تسع غير نفسها؛
لذلك كان الحب من قبيل لامتناهي الوجود، وكانت الكراهية من قبيل تناهي الموجود. وهذا معناه أن الإنسان بما هو موجود يتقاسم الحب بقدر ما يتقاسم الكراهية، إنه قادر على الحب لأن منبع هذا الحب من أثر اللامتناهي، أو من أثر هذا الوجود الذي يحب أن يمنح ويرعى الكينونة، ومن ثمة فإن الموجود أيضا يحب لأنه يستشعر الحب في ذاته ويمنحه للغير، بقدر ما ينبع هذا الحب عن الانتماء اللامشروط للوجود برمته، أي وفق الاستعمال الرشيد للحب. كما أن هذا الموجود قادر على الكراهية أيضا، لا لأنه يوجد كارها، أو ينتمي لوجود علته الكراهية، إذ أن الوجود لا ينفعل بالكراهية بقدر ما ينفعل بالحب، كعطاء أصلي ممنوح لكل الكائنات، بل لأن الإنسان قد يغفل طريق الوجود إلى الحب ككمال أعظم، فيختار بذلك، دون وعي، أو بوعي بئيس، أن يحب وفق كمال أدنى. إنه يحب أيضا، غير أن حبه إما يقتصر على حب النفس، فلا ينفعل سوى بحب ذاته كنرجسي مهووس بأناه المتورمة بوهم لامتناه زائف، وإما يتعداه إلى حب أسيء استعماله، أي إلى حب في تملك الغير، أو حب الاعتداء عليه، قد يبلغ حدا أقصى من الدناءة، فيتمثل في إنكار حق الآخر في الوجود، ليس من خلال التبخيس والإقصاء والاستعباد فقط، وإنما أيضا بنية تعديمه واجتثات كل إمكانيات كينونته. ذلكم هو منشأ الكراهية.