‏آخر المستجداتلحظة تفكير

شيخ المجاهدين م عبد السلام الجبلي يكتب عن المحجوب بن الصديق قائد الطبقة العاملة المغربية

ليس بين أيدي تاريخ ميلاد الأخ الراحل المحجوب بن الصديق، ولكن غالبا ولد في 1916 بمدينة مكناس، وقد درس في الكُتاب القرآني، وبعد حفظه للقران الكريم ولج المدرسة وتعلم اللغة الفرنسية، وبعد ذلك تولى وظيفة في إحدى محطات السكك الحديدية كمراقب، وانخرط في النقابة الفرنسية س.ج.ت، وهي النقابة التي انخرط فيها كل العمال بما فيهم الفرنسيين أثناء مرحلة الحماية أو الاستعمار 1956-1912. لكن الأخ المحجوب سرعان ما انخرط في النضالات

الوطنية للحركة الوطنية، وكانت فترة الخمسينيات مرحلة النضج الكبرى بالنسبة له، خصوصا بعد (لقائه) برفيق حياته الراحل عبد الله إبراهيم  -توفي عام 2005- وكان اللقاء غالبا سنة 1951 في سجن غبيلة بالدار البيضاء، لكن علاقتهما ستتوطد أكثر بعد 1952 تاريخ اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد الذي كان الشرارة الأولى في المغرب العربي لتأسيس نقابات وطنية والخروج من الوصاية الأجنبية النقابية. وقد قاد الأخ المحجوب بن الصديق ورفاقه عملية توطين العمل النقابي الذي توج بتأسيس الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955 أي قبل عام من استقلال المغرب الذي أعلن في 2 مارس 1956.

لقد عرف تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، فضلا عن الاستعمار والنقابة الأجنبية خلافا حول قيادة الاتحاد، إذ كان الطيب بن بوعزة المنافس الأول للأخ المحجوب على القيادة، لكن تم التفاهم على إسناد الكتابة العامة للاتحاد للأخ المحجوب الذي تميز بحركية وفهم واسع للمرحلة حتى أن الدارس لتاريخ المغرب السياسي خلال السبعين سنة الماضية سيلاحظ أن اسم الأخ المحجوب يذكر في كل زوايا هذه المرحلة/المراحل سواء على مستوى النضال العمالي أو الخلاف السياسي أو الصراع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحظ الأخ المحجوب لم يك جيدا مع قيادة الحركة الوطنية أو حزب الاستقلال ، إذ كان العديد من أعضاء القيادة يفضلون شخص آخر لكونه لم يتوانى عن معارضتهم وكان ينتقدهم علنا، والأمر نفسه بعد انشقاق حزب الاستقلال سنة 1959.

 وقد زادته علاقته بالراحل عبد الله إبراهيم فهما واستيعابا للمرحلة، فضلا عن مساند قوي ومفكر سياسي كان إلى جانبه في كل هذه المراحل باستثناء المرحلة الأخيرة. واجه المحجوب بن الصديق الصراع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان عضوا في أمانته العامة، وقد تطور الخلاف حول دور الاتحاد المغربي للشغل النضالي داخل الاتحاد الوطني، وكان للمحجوب رأيا في هذا وقد وصلت الخلافات إلى حد الانشقاق عندما أسس البعض في الستينيات النقابة الوطنية للبريد ضد الجامعة الوطنية للبريد /الاتحاد المغربي للشغل والنقابة الوطنية للتعليم ضد الجامعة الوطنية للتعليم / الاتحاد المغربي للشغل.

وقد حاول الإخوة في الاتحاد الوطني خصوصا الراحلين عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم رأب الصدع خاصة في 1967، فقد اعتقل الأخ المحجوب بن الصديق في نفس السنة بعد أن احتج على احتفالات اليهود بالمغرب علنا على هزيمة 5 يونيه 1967، واعتقل وصدر عليه الحكم بثلاثة سنوات ومن الطريف أن القاضي الذي أصدر هذا الحكم صار بعده عاملا/ والي لأحد الأقاليم، وبعد دخول الأخ المحجوب إلى السجن اجتمع ما تبقى من قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وألقى الأخ عبد الله إبراهيم محاضرة حول “الحزب والنقابة” باعتبارها منهاجا للعمل السياسي داخل النقابة

والانخراط الفردي والعمل النضالي الجماعي في منعرجات معينة، كما تم تأسيس مكتب سياسي جديد بعضوية عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد الفشتالي، إلا أن هذا لم يؤدي إلى رأب الصدع، وبعد قرارات 30 يوليوز 1972 تم الانشقاق داخل الاتحاد الوطني وفيما بعد تم تأسيس نقابات جديدة، ومن المعلوم أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بقيادة الراحل محمد نوبير الأموي -توفي عام  2021- اتخذت نفس الموقف الذي اتخذه الاتحاد المغربي للشغل بقيادة المحجوب بن الصديق، ورفضت أن تكون لها صبغة حزبية أو جزءا من حزب الاتحاد الاشتراكي، مما جعل هذا الأخير يؤسس الفدرالية د للشغل مرة أخرى وتوالت النقابات وتوالدت حتى أن البعض يؤكد أن هناك 39 نقابة.

 ورغم أنني خلال مرحلة 1962-1979 لم أك مقيما بالمغرب، إلا أن الأخبار كانت تصلني أول بأول من خلال الإخوة في الاتحادين عند زيارتهم لي سواء في الجزائر أو بفرنسا، إلا أن علاقتي بالأخ المحجوب تعود لبداية الاستقلال ، إذ كنت أزوره في عمارة الحاج عابد بشارع السويس أو شارع المقاومة الآن بالدار البيضاء، وكان  معه في نفس العمارة عبد القادر أواب ومحمد عبد الرزاق وعبد الله إبراهيم وغيرهم، وكان سكناهم في نفس المكان نظرا للظرفية الصعبة ومما زاد ووثق علاقاتهم.

 وقد التمس مني الأخ المحجوب عدة مرات –1956-1957– التدخل في بعض مناطق المغرب لطي المشاكل التي تقع خلال تأسيس الكتابات الإقليمية والجهوية للاتحاد المغربي للشغل، كما كنت ألتقيه بشقة الأخ عبد الله إبراهيم بعمارة لحاج عابد أيضا، عندما كان رئيسا للحكومة وكنا بمثابة لجنة استشارية لحكومته خلال -1960-1958-.

وبعد رجوعي إلى المغرب في 1979 وجدت أن هناك شبه قطيعة بين الأخوين عبد الله إبراهيم والمحجوب بن الصديق، فالاتحاد المغربي للشغل شارك في الانتخابات البرلمانية لسنة 1977 -ومابعدها- في فئة المأجورين وفاز بالرتبة الأولى، بينما كان عبد الله إبراهيم ينتظر مساندة الاتحاد المغربي للشغل له في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتبار المغرب -في رأيه- يحتاج إلى حكومة وبرنامج وطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ولمدة 4 أو 5 سنوات قبل ولوج الانتخابات.

… لقد واجه الراحل المحجوب بن الصديق هجومات لم يتعرض لها أحد، وخاصة من حزبي الاستقلال / الاتحاد الاشتراكي وكلها مجرد هجومات شخصية ومحاولة لإزالته من قيادة الاتحاد المغربي للشغل ليس إلا، وكل الادعاءات التي قِيلت عنه مجردة من المصداقية وهدفها لم يك بريئا أو صادقا، وقد أظهرت الأيام صدق رؤيته ونفاذ بصيرته، وأين نحن؟ من أمثال هذا المناضل الفذ -المتوفى في 2010- في هذه الأيام.

رحم الله الفقيد والشهداء والمناضلين

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button