من أسمى مهام دولة الحق والقانون بت الطمأنينة في نفوس مواطنيها وتأمينهم على حرياتهم وحقوقهم، ويعتبر القضاء السد المنيع في تطبيق القانون بالعلم والعدل دون تمييز بين الأشخاص، ولأن مصالح الناس تداخلت مع تطور العصر وتعارضت نتج عن ذلك نزاعات وشكايات ودعاوي استوجبت تدخل القاضي لوضع حد للنزاعات والبت في الحقوق، اعتمادا على التحقيق في ادعاءات الخصوم وكثيرا ما يتطلب الأمر التدقيق والتريث قبل البت في القضايا وإصدار الأحكام خاصة منها الأحكام الأسرية، إلا أن اعتماد التريث والتروي والإجراءات المطولة قد يساهم في ضياع المصالح بعد فوات الأوان في القضايا المستعجلة. ولتفادي الضرر الناجم عن هذه المسألة يتم اللجوء إلى القضاء الاستعجالي.
غاية القضاء المستعجل إذن هي معالجة القضايا التي تحتاج إلى بت سريع لا تسمح به الإجراءات العادية، مما يقتضي بحث ودراسة الشروط الموضوعية والشكلية إلى جانب تعيين الجهة المختصة قانونيا بالبت في مسائله وهذا لا يختلف كثيرا على استحداث خدمة المستعجلات بمجال الصحة.
والمشرع المغربي قد اعتنى بهذا القضاء في قانون المسطرة المدنية وعالجه في ستة فصول من الفصل 148 إلى 154 ونظم قواعده الموضوعية والإجرائية بعد أن حدد نطاقه وعين الجهة المختصة بإصدار أحكامه وقراراته.
تعريف مفهوم القضاء الاستعجالي:
الاستعجال لغة: عَجِلَ، يَعْجَلُ عَجَلاً. والعجلة أي السرعة وهي ضد البطء والانتظار.، وعاجِل وعجيل من عَجالى وعُجَالى جمع عجلان والاستعجال والإعجال واحد بمعنى الاستحثات وطلب العجلة، واستعجل الرجل: حثه وأمَرَه أن يعْجَل في الأمر ، استعجلته أي تقدمه فحمله على العجلة وعاجله بذنبه إذا لم يمهله والعاجل نقيض الآجل
الاستعجال في الاصطلاح القانوني: لم يرد تعريف محدد ودقيق في القانون، لكن يمكن الاعتماد على تعريفات الفقهاء منها: الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درؤه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده .
وقد عرفه البعض من فقهاء القضاء أنه “طلب اتخاذ إجراء وقتي يبرره خطر داهم، أو أمر يتضمن ضررا قد يتعذر أو يصعب إزالته إذا لجأ الخصوم إلى المحاكم بإجراءات الدعوى العادية”
وقد عرفه منشور لوزارة العدل صادر سنة 1959 على أنه” مسطرة مختصرة تمكن الأطراف في حالة الاستعجال من الحصول على قرار قضائي في الحين، معجل التنفيذ في نوع من القضايا، لا يسمح بتأخير البت فيها من دون أن تسبب ضررا محققا”
مثال: القضاء الوقتي وجد للفصل في المسائل المتعلقة والمرتبطة بظـروف وقتيـة كإثبـات حالة عارضة، يخشى عليها من ضياع معالمها بمضي الوقت، أو سماع شهادة يخـشى علي صاحبها من الموت أو عدم القدرة علي إبدائها، كما سيتضح فيما بعد.
وبذلك يتبادر إلي الذهن أن المسائل التي يعتني بها القضاء الوقتي تنطوي علـي حالـ من الاستعجال.
وينص الباب الثاني من قانون المسطرة المدنية المستعجلات:
الفصل 149 :
يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا، بالإضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجلات. وإذا عاق الرئيس مانع قانوني أسندت مهام قاضي المستعجلات إلى أقدم القضاة.
إذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف مارس هذه المهام رئيسها الأول. وتعين أيام وساعات جلسات القضاء المستعجل من طرف الرئيس.
الفصل 150 :
يمكن أن يقدم الطلب في غير الأيام والساعات المعينة للقضاء المستعجل في حالة الاستعجال القصوى سواء إلى قاضي المستعجلات أو إلى مقر المحكمة وقبل التقييد في سجل كتابة الضبط أو ولو بموطنه، ويعين القاضي فورا اليوم والساعة التي ينظر فيها الطلب. يمكن له أن يبت حتى في أيام الآحاد وأيام العطل.
الفصل 151 :
يأمر القاضي باستدعاء الطرف المدعى عليه طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصول 37، 38، 39 عدا إذا كانت هناك حالة الاستعجال القصوى.
الفصل 152 :
لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر.
القضاء المستعجل في الشريعة الإسلامية:
اهتم الكتاب والسنة بالقضاء في الشريعة الإسلامية مصداقا لقوله تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾.
وبتوسع الدولة الإسلامية توسع القضاء فانفصلت وظيفته عن الخليفة واستقلت بأمر الفصل في الخصومات والنزاعات ورفع المظالم وذهب الدارسون أن القضاء المستعجل ليس له وجود في القضاء الإسلامي مادام هذا الأخير كان يرتكز على العجلة والسرعة في البت وكانت الدعوى ترفع شِفاها ويستمع القاضي إلى أقوال الخصوم ويفتح المجال أمامهم للدفاع والجواب ويطلُب البينةَ ومتى ثبُت الحق أصدر حكمه بدون تأجيل شروط القضاء الاستعجالي وتحديد نطاقه
بمقتضى الفصلين 149 و152 من قانون المسطرة المدنية يمكن أن نستشف منهما الشروط التي يجب أن تتحقق من أجل الاستفادة من القضاء الاستعجالي ومزاياه، وهذه الشروط الأساسية هي:
عنصر الاستعجال، الذي يبرر تدخل القاضي لمنح الحماية القضائية المؤقتة، وهو من الشروط المتعلقة بموضوع الدعوى وليس بالشكل، وتقدير مدى توفر حالة الاستعجال سلطة تقديرية للقاضي كما أنه بطبيعته مؤقت ولا يحوز حجية الشيء المقضي فيه، ويختلف باختلاف الزمان والمكان مثلا: انقطاع التيار الكهربائي على ساكن في الريف لا يشكل عنصرا استعجاليا إلا أنه كذلك في حالة صاحب مصنع لتبريد أو تخزين للمواد الصيدلانية فتلفها من الصعب تعويضه فقد يؤدي ذلك المرض أو نقص فادح في الأدوية، كما على القاضي تعليل الأوامر التي يصدرها وإلا كان أمره معيبا.
ويدخل استخلاص عنصر الاستعجال في صميم سلطة القاضي التقديرية وهذه السلطة منصوص عليها في الفصول 3 من المسطرة المدنية. *(القضاء الاستعجالي لا يخضع لرقابة القانون لأن محكمة النقض لا تراقب إلا القانون ويعتبر تعليل أسباب استخلاص أو استبعاد عنصر الاستعجال بمثابة رقابة غير مباشرة
عدم المساس بالحق أو الجوهر، فلا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر، بمعنى أن القاضي يفصل في الدعوى المعروضة أمامه دون المساس بموضوع النزاع، مثال قضية استعجالية لسفر المحضون لا تمس حق الحضانة، أو حق بيع غلة مخافة إلحاق الضرر بمحصول لا تمس حق الملكية المشتركة.
خصائص القضاء الاستعجالي:
* إمكانية إصدار الأوامر الاستعجالية بالسرعة المناسبة.
* مرونة شروط رفع الدعوى الاستعجالية.
* الأوامر الاستعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
* الأوامر الاستعجالية لا تقبل الطعن بالتعرض، ولا الطعن بإعادة النظر، ويجوز الطعن ضدها بالاستئناف فقط.
وفي إطار المرونة المسطرية:
لا يشترط تمثيل النيابة العامة لدى القضاء الاستعجالي وإسناد مهامه لقاض فرد هو رئيس المحكمة أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ولا يلزم المتقاضون بمسطرة كتابية للإدلاء بأوجه دفاعهم واستنتاجاتهم.
ويجوز للقاضي طلب الخبرة والتحقيق للتأكد من الضرر والخطر المحدق والخبرة هي من الإجراءات كثيرة الاستعمال من طرف القضاة سواء القضاء المدني أو الإداري وأهمية الخبرة تزداد في الأمور المستعجلة.
إذا لم تتوفر حالة الاستعجال فإن القاضي يحكم بعدم الاختصاص.
شروط الدعوى الاستعجالية:
* الصفة لرافع الدعوى أو للمرفوعة ضده
* وجوب عدم سبق حكم في الدعوى المستعجلة
* عدم اشتراط تقديم في الموضوع لرفع الدعوى الاستعجالية
* قضية سفر المحضون في القضاء الاستعجالي
إذا كان الحكم بالنفقة يدخل ضمن النفقة المؤقتة وفق المادة 113 والمادة 190 من مدونة الأسرة فإن للقضاء الاستعجالي دور في الاقتطاع من ريع أو أجر المحكوم عليه بمقتضى المادة 190 من مدونة الأسرة، لم يفصح المشرع عن تطبيق الاستعجال لكنه وسيلة لما يراه القاضي مصلحة المحضون، ما دامت لا تمس جوهر الحق وهو النفقة، أما في يخص مسألة الإذن بسفر المحضون أو الاستقرار به خارج المغرب فلأن صلة الأرحام وحق الزيارة من المسائل المقررة شرعا والتي أمر الله بها في قوله تعالى “وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله” فقد عمل المشرع على حماية حق الزيارة وجعله مكفولا بقوة القانون*.
ولحماية هذا الحق جعل الأصل هو منع سفر المحضون لما فيه من إخلال بحق زيارة المحضون، ولقد عملت مدونة الأسرة على تنظيم حق الزيارة وفق ضوابط محددة تراعي المصلحة الفضلى للطفل وفق مقتضيات المادة 186:
فقد نصت المادة 179 من مدونة الأسرة على أنه: “يمكن للمحكمة بناء على طلب من النيابة العامة، أو النائب الشرعي للمحضون، أن تضمن في قرار إسناد الحضانة، أو في قرار لاحق، منع سفر المحضون إلى خارج المغرب، دون موافقة نائبه الشرعي.
تتولى النيابة العامة تبليغ الجهات المختصة مُقَرَّر المنع، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ ذلك.
في حالة رفض الموافقة على سفر المحضون خارج المغرب، يمكن اللجوء إلى قاضي المستعجلات لاستصدار إذن بذلك. و لا يستجاب لهذا الطلب، إلا بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر، ومن عودة المحضون إلى المغرب”
واضح إذن أنه رغم أن الأصل هو منع سفر المحضون دون موافقة النائب الشرعي فهناك استثناءات حيث أعطى المشرع للحاضنة في حالة رفض النائب الشرعي التسريح بسفر المحضون إمكانية اللجوء إلى القضاء المستعجل من أجل استصدار أمر استعجالي يسمح للحاضنة بالسفر وذلك عملا بمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 179 من مدونة الأسرة. والقاضي في هذه الحالة مقيد بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 179 من مدونة الأسرة حيث يجب عليه التأكد من الصفة العرضية للسفر وكذلك توفير ضمانات تؤكد عودة المحضون في الوقت القريب، بالإضافة إلى كل هذا فإن الشرط الأساسي لاختصاص القضاء المستعجل هو توفر عنصر الاستعجال والذي هو مناط الاختصاص الاستعجالي طبقا لمقتضيات الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية ولعل من بين المسائل التي تتيح هذا الاختصاص، سفر المحضون من أجل الاستشفاء أو في إطار بعثة ثقافية أو رياضية أو من أجل الدراسة أو قضاء عطلة وكل ذلك تحت مسؤولية السلطة العمومية .
وفي حالة الإخلال بالشروط المحددة بمقتضى المادة 179 فإن القضاء يكون مجبرا على تأكيد المنع وفق مقتضيات المادة 179 التي نصت على ضرورة التأكد من الصفة العرضية للسفر ومن عودة المحضون إلى المغرب.
وفي قرار المنع من السفر فقد أوكلت للنيابة العامة مهمة الحرص على ضمان تنفيذه باتخاذ مختلف الإجراءات التي تحول دون خروج المحضون خارج تراب المملكة وذلك بتبليغ الجهات المختصة بمراقبة المنافذ الحدودية سواء، المطارات والموانئ والمعابر الحدودية.
نماذج من الأحكام الاستعجالية المرتبطة بسفر المحضون:
قصة خديجة وتوجيه مقال استعجالي بالجديدة بتاريخ 12/8/2011 ، ملف عدد : 864/1101//2011 موضوع الإذن بسفر المحضون ضد النيابة العامة باعتبارها طرف أصيل في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق مدونة الأسرة حيث كان المتسبب في التأخير هو مراعاة موافقة النائب الشرعي للمحضون والتأخير عن موعد سفر المحضون طبقا للمادة 3 من مدونة الأسرة:
” تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة”
منع سفر محضون، في أمر استعجالي صادر بتاريخ 11 مارس 2020 في ملف رقم 233/1101/2020 عدد 275 عن قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بالرباط، رفض هذا الأخير الإذن للسفر بالمحضون بسبب الخطر المحدق عليه في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد. وقد أسس قراره القاضي برفض الطلب على مجموعة من المقتضيات القانونية الواردة في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1980.
خلاصة القول، القضاء الاستعجالي المرتبط بسفر المحضون يقوم بدور جد فعال لحماية المحضون من انتزاع حقوقه أو التعسف على مصلحته وللقاضي كامل الصلاحية في استعمال السلطة التقديرية في التصدي لامتناع الأب أو الأم إذا كان الامتناع تعسفيا.
*الرباط في مارس2023
*عائشة حسمي:
★باحثة في شؤون الاسرة، حاصلة على ماستر تخصص: قضايا الأسرة بجامعة محمد الخامس الرباط
★فاعلة جمعوية وحقوقية، لها أنشطة ميدانية في مجال التنمية الذاتية ومحو الأمية ومساهمات تحسيسية للنهوض بأوضاع المرأة باتحاد العمل النسائي
★عضو مؤسس لشبكة القراءة بالمغرب
★عضوة بمركز الدراسات والابحاث في العلوم الاجتماعية
★عضو نشيط بمؤسسات أدبية وفكرية:صالون مؤسسة الربوة وصالون صديقات العمر الجميل