صادق البرلمان الأروبي في دورته الأخيرة على توصية يتهم من خلالها الدولة المغربية بانتهاك حرية التعبير وحرية الصحافة على خلفية اعتقال ومحاكمة بعض الصحفيين والمدونين الذين أدينوا بسبب المس بقانون الصحافة والنشر أو على إثر وقائع وأحداث يؤطرها القانون الجنائي.
وفي نظري المتواضع هذه التوصية لا تشكل بالنظر إلى عيوبها وخلفياتها مدعاة للتوجس أو للإحباط ولا تمثل نصرا ديبلوماسيا لأعداء المغرب وخصوم وحدته الترابية.
فبغض النظر عن الغايات غير الشريفة والبعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان للأطراف التي صاغت القرار ودافعت عنه، فإنني اعتبر بأن التوصية لا تخرج عن نطاق ممارسة الابتزاز على المغرب ومعاقبته على اختيار طريق الإستقلالية في بناء علاقاته الخارجية، وعلى رفضه الهيمنة والتبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
لذلك فإنني أعتبر أن الرد المناسب يقتضي أولا قراءة القرار في سياقه السياسي الصحيح لاستخراج العبر والدروس والرسائل الضرورية. وبناء على ذلك ترتيب ما يلزم من التدابير المناسبة بشكل هادئ ومتأني.
وأعتقد جازما أن أفضل رد على المدى القريب والمتوسط والبعيد هو تمكين بلادنا من الأدوات الفعلية للدفاع عن سيادتها واستقلاليتها ووحدتها الوطنية، وذلك من خلال ترسيخ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا والحرص الشديد على حمايتها والنهوض بها، وتنزيلها على أرض الواقع، والمزيد من توسيع الحريات الأساسية وهوامش الديمقراطية السياسية والديمقراطية التشاركية.
ومن جهة ثانية، الاستمرار في السعي لتحقيق حلم الإصلاح الشامل لأوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومحاربة كل أشكال الفساد والريع، الذي يعيق تقدم مشاريع التنمية. ومن جهة ثالثة المزيد من دعم وتقوية الجبهة الداخلية بنزع فتيل التوثر الاجتماعي بإعطاء مفهوم الدولة الاجتماعية مدلوله الحقيقي. وهو ما يقتضي محاربة كل أشكال الإقصاء الاجتماعي والهشاشة والفقر والاغتناء غير المشروع ومحاربة كافة أنواع الفساد الاقتصادي والسياسي، وتمكين السلطة القضائية من كل الأدوات الضرورية، لتقوية استقلاليتها لممارسة سلطتها الدستورية الكاملة وعلى الوجه الأفضل.
إن مثل هذه التدابير هي وحدها الكفيلة بتمكين بلادنا من تحصين سيادتها السياسية والاقتصادية والقانونية، وتطوير مكتسابتها الحقوقية والسياسية، وإعطاء قوة ومصداقية وصورة أفضل لمؤسساتها واختياراتها وحقوقها الوطنية.
وأريد في الأخير أن أهمس في آذان الأطراف التي صاغت القرار ودافعت عنه وحركته في الكواليس المظلمة، غير البعيدة عن إغراءات كابرانات الجارة الشرقية، كان حريا بكم أيها السادة أن تصوغوا قرارا تاريخيا وأخلاقيا يقضي بتقديم زعماء بلدانكم لاعتذار رسمي وعلني لكل شعوب مستعمراتكم، التي مارستم في حقها على مدار عقود بل قرون من الزمن العبودية والإبادة الجماعية والقمع السياسي والعسكري الشرس والانتهاكات البشعة لأبسط حقوق الإنسان، والاستغلال والنهب المتوحش للثروات الوطنية لهذه الشعوب واقتطاع أراضي من أوطانها الأصلية، وضمها لبلدان أخرى وزرع كل بذور الفتن العرقية والطائفية والحروب المدمرة.
كما كان حريا بكم أن تنظروا إلى الأوضاع غير الإنسانية التي يعيش فيها جزء غير يسير من شعوبكم، بسبب حرمانه من الحد الادنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وإلى تفشي ظاهرة العنصرية والكراهية وعدم التسامح الذي تمثلها القوى اليمينية الماسكة بزمام الحكم في أكثر من بلد اوروبي.
وأخيرا أن تدينوا ازدراء الأديان الذي بلغ حد إحراق نسخة من المصحف الشريف لاستفزاز مشاعر المسلمين بصفة عامة ومسلمي أروبا بصفة خاصة، وأن تدينوا الشروط اللاإنسانية التي يعيشها الملايين من المهاجرين الذين حتمت عليهم ظروف الفقر اللجوء إلى بلدانكم سعيا وراء لقمة الخبز بعد أن نهبتم وأفقرتم بلدانهم الأصلية.
لكن من لا ضمير له ومن لا يتذكر ماضيه الأسود ولا ينظر لانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان على أرض الواقع، لا يعتذر وبالتالي لا مصداقية ولا أثر ولا مفعول ولا قيمة لتوصياته وقراراته…