في خرجة غير موفقة للسيد محمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب الحمامة بمناسبة استضافته من طرف مؤسسة لفقيه التطواني، لم يخف الشخص المعني استيائه مما أسماه ب “سيطرة تيار واحد” على مؤسسات الحكامة، حيث قال: “كلهم رؤساء هذه المؤسسات ينتمون لتيار سياسي يساري، سواء تعلق الأمر بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين (ويقصد لحبيب المالكي) أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان (ويقصد أمينة بوعياش) أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ويقصد أحمد رضى الشامي). وأكد أوجار في تصريحه: “حينما نقوم بالانتخابات وتفرز هذه الأخيرة أغلبية تبقى مؤسسات الحكامة تنتمي إلى زمن سياسي وإيديولوجي ما، وهذا الزمن كان دائما بأشخاص في لحظة تعارض واليوم في لحظة صدام”.
والمقصود من هذه الإشارة الواضحة هو: بما أن الانتخابات السابقة قد أفرزت أغلبية تدبر الشأن الحكومي فهذا يقتضي بالضرورة أن تكون مؤسسات الحكامة تحت سيطرة أحزاب الحكومة وليس في يد أطر من أحزاب المعارضة أو بالضبط من أحزاب يسارية. وتساءل أوجار مستغربا: “هل من الطبيعي أن يكون توقيت التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات لحظة تقديم رئيس الحكومة لعرضه أمام البرلمان؟”. ويستشف من ذلك أن السيد أوجار لايقبل أن تكون لحظة تقديم رئيس الحكومة لعرض أو تقرير أمام البرلمان لحظة حوار وتدافع وترافع ونقاش عام يعطي للديمقراطية مضمونها الشامل والعميق، بل يرغب في أن تكون هذه اللحظة لحظة صمت كاتوليكي وكأن خطاب رئيس الحكومة خطاب مقدس أوقرآن منزل غير قابل للنقد أو المعارضة، وكأن دور مؤسسات الحكامة ليس تنبيه الحكومة إلى أخطائها وبلورة الحلول والمقترحات وإنجاز التقارير لتسليط الضوء على اختلالات وإكراهات الواقع، بل أن تقول هذه المؤسسات “العام زين” وأن تصفق وتطبل للحكومة وتعمل على الرفع من أسهم الدعاية الرخيصة والمبتدلة لسياساتها ” الرشيدة”
وحتى نواكب أقوال وادعاءات أوتحامل السيد أوجار نود أن ندلي ببعض الملاحظات التوضيحية:
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان منذ التأسيس سنة 1959 إلى يومنا هذا قبلة للنخب المثقفة والأطر الواعية من مختلف المشارب والتخصصات والاهتمامات والفئات الاجتماعية. لكن للتوضيح فقط لم تكن أبواب هذا الحزب الوطني والديمقراطي والاشتراكي الكبير مشرعة لمن هب ودب للاختفاء فيه من طرف أصحاب السوابق ورموز الفساد الانتخابي والمالي، بل إن الانتماء إلى الاتحاد كان دائما يتم على أساس معايير أخلاقية كالصدق والنزاهة والاقتناع بمبادئ ومواقف الحزب. وبأن هذا الحزب لم يكن في يوم من الأيام دكانا انتخابيا يفتح أبوابه بمناسبة الانتخابات في وجه الطامعين إلى غنيمة المناصب والمقاعد لتحقيق المآرب والامتيازات والريع السياسي والمالي السريع وبمجرد أن تنتهي “حفلة” الانتخابات يذهب كل واحد إلى حال سبيله وتغلق المقرات إلى موعد آخر لتفتح مقرات جديدة لاستقبال زبائن جدد وهكذا دواليك…
إن الاتحاد الاشتراكي قد شكل منذ التأسيس خزانا للأطر الكفأة والنزيهة والمناضلة، حيث لم يتردد الملك الراحل محمد الخامس في تعيين الشهيد المهدي بن بركة على رأس أول مؤسسة تشريعية (المجلس الاستشاري من 1957 إلى 1959) حيث ساهمت هذه المؤسسة في وضع اللبنات الأولى للدولة الوطنية المستقلة. كما نصب المرحوم محمد الخامس الراحل عبد الله إبراهيم ونائبه المرحوم عبد الرحيم بوعبيد على رأس الحكومة سنة 1958، حيث بلورت هذه الحكومة الوطنية أول مخطط خماسي لتحرير الاقتصاد الوطني واسترجاع أراضي المعمرين وبناء المؤسسات الاقتصادية الوطنية. ولولا تكالب القوى الرجعية ممثلة في أوفقير وأكديرة والخطيب وأحرضان الذين أسسوا في ما بعد ما يسمى بـــــــ(فديك) وهو حزب مشابه في النشأة والظروف لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي ينتمي إليه السيد أوجار. هذا الحزب وكل الأحزاب التي صنعت في مطبخ أم الوزارات في عهد أوفقير والبصري عملت على تزوير الانتخابات التي أفرزت مؤسسات مزورة ساهمت في إيصال المغرب إلى مشارف السكتة القلبية حسب تعبير الملك الراحل الحسن الثاني وذلك بانتهاج سياسة الإقصاء والقمع تجاه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من جهة وتبني سياسات لاشعبية ولا ديمقراطية معارضة لطموحات الشعب ولمطالبه المشروعة ولما كانت الحركة الوطنية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تناضل وتقدم كل التضحيات من أجله من جهة أخرى. هذا الحزب الوطني والديمقراطي والاشتراكي الكبير الذي صمد وتحمل واستمر مخلصا لوطنيته ولشعبه وللمبادئ التي تأسس من أجلها وظل وظلت أطره رهن إشارة الوطن لخدمة الوطن والشعب في أوقات الشدة والرخاء.
ومن جهة أخرى نذكر السيد أوجار أن الاتحاد الاشتراكي قد ساهم بشكل كبير في تأطير وتنظيم المجتمع المغربي من خلال خلق العشرات من التنظيمات الجماهيرية نذكر من ضمنها علي سبيل المثال لا الحصر النقابات العمالية كالاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والنقابة الوطنية للتعليم العالي والاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنقابة الوطنية للمهندسين والنقابة الوطنية للأطباء والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات النسائية والشبيبية وغيرها من التنظيمات الجماهيرية التي تؤكد الامتدادات الشعبية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التي تميزه عن أحزاب الكوكوت مينوت ومنها حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يعتبر من الأحزاب التي ولدت في مطبخ الداخلية وفي فمها ملعقة من ذهب لتمييع السياسة وتبخيس العمل السياسي النبيل وللتضييق على الأحزاب الوطنية الحقيقية التي تكبدت عناء النضال من أجل استقلال البلاد و من أجل بناء دولة الاستقلال ووضع لبنات وأسس الدولة الديمقراطية الحديثة والمستقلة.
وأذكر السيد أوجار الذي يسعى إلى المزيد من التضييق على الاتحاد الاشتراكي وإقصاءه وإقصاء أطره الوطنية من المساهمة في تدبير شؤون بلادنا أنه في عز الحاجة إلى هذه الأطر المخلصة والكفأة عين الملك الراحل الحسن الثاني المرحوم السي عبد الرحيم بوعبيد ليشغل منصب سفير متجول عندما كانت بلادنا في حاجة ماسة إلى تثبيت الدعم الدولي لسيادتها على أقاليمها الصحراوية المسترجعة وذلك بعد إطلاق المسيرة الخضراء المضفرة، حيث جال عددا من العواصم العالمية وأقنع عددا من قادة العالم بمغربية الصحراء.
ولا يجب أن يتناسى السيد أوجار أنه في عز الأزمات الاجتماعية شغل الاتحاديون مناصب حساسة حيث عين الملك الراحل الحسن الثاني لحبيب المالكي أمينا عاما للمجلس الوطني للشباب والمستقبل لوضع حلول لعطالة الشباب حاملي الشهادات العليا ثم عينه الملك محمد السادس رئيسا للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحت العلمي وقبل ذلك انتخب المالكي رئيسا لمجلس النواب من طرف مختلف الفرق لأنه الشخص المناسب لتبوء هذا المنصب الكبير رغم قلة عدد النواب المنتمين لحزب الاتحاد الاشتراكي. وفي نفس السياق عين الملك محمد السادس أحمد رضى الشامي أمينا عاما للمجلس الاقتصادي الاجتماعي ثم سفيرا للمغرب لدى الاتحاد الأروبي على اعتبار أن هذه المناصب الحساسة لا يمكن إسنادها إلا إلى الأطر المحنكة وذات الخبرة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية. كما عين أمينة بوعياش رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان والتي في عهدها استطاع المغرب أن يتبوء رئاسة المجلس الدولي لحقوق الإنسان وأن تصبح تجربة العدالة الانتقالية التي اختارت بلادنا الاستناد إلى مبادئها لتسوية مخلفات سنوات الجمر والرصاص من بين التجارب المحتدى بها.
هذه التعيينات في مناصب حساسة ليست منة أو هدية أو ريع تمنحه الدولة لأطر اتحادية لسواد عيونها وإنما هو تعبير واضح على أن الدولة في أمس الحاجة إلى هذه الأطر الكفأة التي راكمت تجربة طويلة وتربت وترعرعت في بيئة حزبية وطنية سليمة اكتسبت وتشربت فيها قيم الوطنية والوفاء والصدق والنزاهة والإخلاص والكفاءة في تدبير الشأن الوطني.
وأخيرا ليتذكر أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن حزبه الذي ولد في ظرفية ملتبسة هيمن عليها إرادة الزج ببلادنا في متاهات السياسات اللاشعبية واللاديمقراطية التي هندس لها أكديرة وأوفقير والبصري ومن لف لفهم والتي أوصلت بلادنا إلى مشارف سكتة قلبية كادت أن تودي بوجودها لولا المراجعة الشجاعة التي قام بها الملك الراحل الحسن الثاني ولولا الوطنية العالية والصدق الكامل للمجاهد الراحل عبد الرحمان اليوسفي حيث قادا معا تجربة التناوب التي أعادت الأمل للمغاربة في مواصلة طريق التغيير والإصلاح باطمئنان.
فلولا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولولا عطاءات وتضحيات وإبداعات أطره ومناضليه حيث حظي بثقة الراحل المجاهد عبدالرحمان اليوسفي الذي قبله كوزير لحقوق الإنسان في حكومة التناوب لما كان للسيد أوجار الفرصة للتبجح والتغني بأغلبيته المتغولة والفاشلة التي يعرف الجميع كيف تسربت هذه الأغلبية إلى قبة البرلمان وإلى المجالس المنتخبة، ولما كانت له الجرأة للتطاول على حزب وطني ديمقراطي اشتراكي كبير ساهم بقوة في بناء صرح هذا الوطن وفي صنع أمجاده والذي يعتبر ملكا مشاعا للمغاربة أجمعين وليس حزبا طارئا أنزل بالمظلات بعد ولادة عسيرة في دهاليز أم الوزارات بهدف تزوير الإرادة الحقيقية للشعب المغربي في الإصلاح والتغيير.
إن الدعوة المبطنة لأوجار ولمن لف لفه من الطارئين والساقطين سهوا على العمل السياسي المسؤول والنبيل بالعودة إلى هيمنة واستبداد الأحزاب الإدارية قد ولى دون رجعة. فالحرية والديمقراطية وسيادة الشعب ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان أصبحت قيما مشاعة بين كل المغاربة ملكا وشعبا. قيم لا راد لها ولا يستطيع أوجار وحزبه النيل منها أو المس بأسسها ومضامينها الثابتة والمقدسة مهما استسهلوا في توزيع الملايير لشراء الكراسي في سوق النخاسة.