لاريب في أننا نعيش اليوم ثورة إعلامية غير مسبوقة من خلال ما يوفره الأنترنيت من إمكانيات وخدمات عمومية للتواصل والإخبار ونشر المعلومات والمعطيات جعلت كل الحدود والقيود والممنوعات تضعف وتنهار ليصبح العالم بكل قاراته عبارة عن قرية صغيرة..
ويمكننا أن نجزم نتيجة ذلك وبشكل لا غبار عليه، أن البشرية جمعاء قد استفاذت وستستفيذ أكثر من هذا التطور العلمي الحاصل في وسائل الإعلام والتواصل الرقمي، وذلك أساسا بسبب التداول القوي للأخبار وللمعلومات في كل الميادين والمجالات والتخصصات، مما مكنها من الاطلاع الواسع عما يحدث حولها من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وعلى جني ثمار ما يتراكم لديها من معلومات ومعطيات، مما جعل الناس في كل بقاع المعمور أكثر وعيا وإدراكا بواقعهم وبمستقبلهم مما كان عليه الأمر في سابق العهود وأكثر استعدادا وتأهيلا لاتخاذ المواقف المناسبة وضبط السلوكات اللازمة وفق ما تقتضيه ظروفهم ومصالحهم ومتطلباتهم في الحياة.
لكن بالرغم مما يوفره الإعلام الرقمي من مكاسب هائلة كما سبقت الإشارة إلى ذلك بفضل التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم، فإننا مع الأسف الشديد حينما ننظر إلى الوجه الآخر للعملة نلاحظ توسع دائرة الاستغلال السلبي للفضاء الأزرق المفتوح على مصراعيه من طرف بعض المتطفلين ومرتزقة الإعلام الذين يعملون ليل نهار على تحريف كل معاني التواصل الاجتماعي عن مقاصده وتشويه حرية الرأي والتعبير والنشر. حيث جعلوا هذا الفضاء مسرحا لنشر التفاهة وتكريس الميوعة وممارسة الابتزاز وشرعنة النهش في أعراض الناس ووسيلة للبحث عن مجد لم يصنعونه وزعامة لا طاقة لهم بها وبطولات لا يصدقها أحد..
لذا فقد حان الوقت لقتل الثعبان في بيضته كما يقال، من خلال السعي الجماعي الواعي والمسؤول والحثيث إلى الارتقاء بمستوى ونوعية ما ننشره من أخبار ومعطيات ومانتداوله من أفكار وما نتبادله من آراء، وفي نفس الوقت إقفال كل المنافذ التي يطل علينا من خلالها التافهون والمرتزقة وآكلي لحوم البشر وعدم التفاعل مع ما ينشرونه أو على الأقل عدم تشجيعهم على ذلك.
إننا أصبحنا أمام موجة عارمة من انتشار التفاهة والميوعة مما يجعلنا مطالبين بحماية أعراضنا ومجتمعنا وقيمنا الإنسانية النبيلة وحماية المعاني النبيلة والسامية للحرية وللحقوق الإنسانية وللديمقراطية من معاول التخريب وسياط الجلادين الجدد، الذين اتخذوا من الكذب والتضليل والتعتيم والفتنة والكراهية ونشر الجهل وتبرير الفساد ديدانهم وعقيدتهم…
فإذا كانت الغاية النبيلة من دمقرطة الإعلام هي فتح المجال على مصراعيه للحوار وتبادل الآراء وتقاسم المعلومات في جو من الحرية والمسؤولية، فإن تأطير هذا الحق وهذه الحرية أخلاقيا وحقوقيا وسياسيا واجب يقتضي في آن معا العمل على وضع القوانين أو تحيينها من أجل حماية الحق في التعبير وإبداء الرأي دون أن يعني ذلك الاعتداء على حقوق الآخرين بنشر الكذب والمس بكرامة الناس وتضليل المتلقي بالأخبار الزائفة وتمييع المشهد الإعلامي بنشر التفاهة والتزمت والكراهية والتطرف. كما أن الحماية من كل أشكال الاستعمال السلبي لحرية التعبير والنشر لا يمكن أن تتم فقط بالارتكاز على القوانين الزجرية. بل كذلك بالتوعية والتحسيس والتربية على حقوق الإنسان، ولعل هذا الأمر موكول للجميع دولة وأحزاب ومجتمع مدني وبشكل خاص موكول للإعلام المسؤول والهادف والنزيه.