في محاضرة له بجامعة أكسفورد بلندن، ألقى سفير المملكة العربية السعودية في لندن خالد بن بندر بن سلطان، محاضرة ضد دينية الأسرة السعودية، فقد صرح أن العائلة السعودية لم تنتسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تعتمد الإسلام بل انتصرت على القبائل الأخرى وهكذا، ومن المعروف أن هذا السفير هو ابن السفير الأسبق للمملكة بواشنطن ورئيس المخابرات السعودية الأسبق بندر بن عبد العزيز، وأخته –أخت خالد– هي سفيرة نفس المملكة بواشنطن، ووالدتهما هي هيفاء بنت الملك فيصل بن عبد العزيز الذي اغتيل في 1975، وأهمية هذه المحاضرة التي لا يمكن إلا أن تكون رأيا رسميا للحكام الجدد في السعودية، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي، والذي يتابع الشأن السعودية سيلاحظ أن لقب خادم الحرمين الشريفين الذي ظل لقب كل من يتولى المنصب الملكي في السعودية منذ تولي الملك فهد بن عبد العزيز قد ألغي، كما أن سفير الإمارات في واشنطن سبق له أن صرح في لقاء تلفزيوني أن الأمير محمد بن سلمان يهدف إلى إلغاء الطابع الديني للدولة السعودية، أيضا فإن الإمارات العربية انخرطت هي الأخرى فيما عرف ب “الدين الإبراهيمي“، ومن خلال محاضرة الأمير خالد بن بندر سفير المملكة بلندن يتضح أن الأمير هذا يتجاهل أو “ لا يعرف” الاتفاق الذي أبرم بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد آل سعود في الدرعية، والذي تم بين الرجلين للقضاء على القبائل الأخرى وهي قبائل قوية على رأسها آل الرشيد للسيطرة على الحجاز وطرد آل البيت من الأماكن المقدسة، وساعدت بريطانيا الاتفاق بين الرجلين فيما بعد وتم القضاء على باقي القبائل وتوحيد الأراضي الحجازية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمان آل سعود المتوفي في 1953 والذي تأسست على يده المملكة بتاريخ 1932، وزاد اكتشاف النفط في تقوية النظام الجديد ووحدة المملكة وهو أمر إيجابي كان له الأثر الكبير، إذ الوحدة التي تمت بالقتال والمصاهرة والاستمالة بالمال أدت في النهاية إلى تأسيس الدولة السعودية التي تبلغ مساحتها حاليا 2,15 مليون كيلومتر مربع ، وأضيف لها فيما بعد جزء من اليمن المجاورة. وعندما تأسست باقي أقطار الخليج فإن المملكة صارت أقوى دولة في المنطقة وبتحالف مع واشنطن، واتفاق على أن لا تكون هناك دولة عربية قوية في المنطقة، فتم القضاء على النظام الناصري والنظام البعثي في العراق، لكن الاتفاق بين النظام السعودية وورثة الوهابية ظل مستمرا خصوصا بعد حركة جهيمان العتيبي في 1979، وهو ضابط في الحرس الوطني قاد حملة احتلال الحرم المكي مع أنصاره بعد أن نصبوا شخص يدعى القحطاني خليفة للمسلمين، لكن الحركة فشلت بعد تدخل القوات العسكرية المحلية والخارجية وتم القضاء على حركة جهيمان، كما تم قبل القضاء على الحركات المعارضة، لكن تم تجديد الاتفاق السعودي/الوهابي وانخرطت المملكة في مرحلة أخرى تميزت بالمشاركة في حرب أفغانستان ومساندة الحركات المعارضة لحكم حزب الشعب الماركسي المساند من طرف الاتحاد السوڤياتي، وتم تعزيز حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمويل جماعات التبليغ في مختلف أنحاء العالم خاصة العالم الإسلامي، وبعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز الذي واجه دخول القوات العراقية لإمارة الكويت في 1991، وتواجد القوات الأمريكية في الأراضي المقدسة الذي رفضه الجزء الأهم من الشعب وعلى رأسه الشيخ أسامة بن لادن الذي تولي زعامة منظمة القاعدة خلفا “للفلسطيني” عبد الله عزام الذي اغتيل في أفغانستان في 1989 من طرف جماعة يقودها زعيم الحزب الأفغاني شاه مسعود، الذي اغتيل من طرف تونسيان في 10-09-2011، قبل يوم واحد أو أقل كان هجوم 11 شتنبر في نيويورك الذي كان لتداعياته تغييرات وحروب على مستوى العالم، وبعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي صار على نفس النهج، وعاصر حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وأفغانستان، إلا أن وفاة الملك عبد الله، وتولي سلمان بن عبد العزيز عرفت تغييرات منهجية وفكرية، خاصة أن ولي العهد محمد بن سلمان له رأي آخر، فأعلن الرؤية الثلاثين لتحويل المملكة إلى مشروع اقتصادي وسياحي والاستثمار في الترفيه وتم الإتيان بشخص يدعى تركي آل الشيخ، وهو بالمناسبة أحد حفدة الشيخ محمد عبد الوهاب، الذي قاد حملة التغيير الثقافي وسط الجماهير وذلك بنشر ثقافة الغناء والحفلات ومهرجانات السينما، والانفتاح والذي سمي رسميا الترفيه فالشيخ محمد عبد الوهاب اعتمد أفكار الشيخ ابن تيمية، بينما حفدته اختاروا عكس ذلك تماما، وبذلك تم الانفصام بين السلطة والدين وإلغاء اتفاق الدرعية، وأزيل اسم خادم الحرمين الشريفين كلقب للملك السعودي الذي أصبح الملك سلمان بن عبد العزيز بدون إضافة، وتم حل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتقل الشيوخ الذين عارضوا وتوبعوا بجناية معارضة ولي الأمر، وتم اعتقال ولي العهد السابق محمد بن نايف بتهمة محاولة الانقلاب، وتم اعتقال شقيق الملك سلمان الأمير أحمد بن عبد العزيز بنفس التهمة، وتوبع عدد من الأمراء ورجال الأعمال بتهم متعددة أدوا على إثرها مبالغ مالية بمليارات الدولارات وأطلق سراحهم على أن لا يغادروا المملكة مثل الأمير وليد بن طلال رجل الأعمال الشهير والبعض لازال معتقلا، وفي الأخير تم خلق منصب جديد هو رئيس الوزارء أسند لولي العهد الذي واجه هجمة أمريكية قادها الحزب الديمقراطي ضد اغتيال الصحافي خاشقجي، واتهام الأمير محمد بن سلمان بكونه وراء الاغتيال، كما تدعي المصادر الأمريكية التي عارضت بشدة عزل واعتقال ولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف الذي كان علاقة ممتازة بالإدارة الأمريكية.
وبالعودة إلى خطاب أو محاضرة السفير / الأمير السعودي بلندن، فالمحاضرة محاولة لنيل التأييد للخطوات التي يقودها ولي العهد السعودي لتحديث المملكة بطريقته الخاصة، وتجاوز العداء الأمريكي / للحزب الديمقراطي لولي العهد خاصة اغتيال خاشقجي وعزل محمد بن نايف. ومن المعروف أن الدوائر اللندنية تلعب دورا هاما في التأثير على الدوائر الأمريكية عبر التاريخ، كون النظامان في لندن وواشنطن تقريبا نظاما واحدا وأفكارهما متقاربة، كما أن المسؤولين الانجليز يقومون بأدوار عديدة لحساب دول الخليج العربي لدى أمريكا ولدى أوروبا عبر المراحل وبمقابل.