زلزال 8 شتنبر 2023، عرى بكل أسف، عن واقع قرانا وبوادينا، وأيقظنا من غفلتنا ووخز ضمائرنا ودق ناقوس الخطر..
تهاوت الأكواخ، ولا أقول المنازل، على رؤوس الآلاف من أطفالنا الأبرياء وشيوخنا ونسائنا الحوامل في مشهد سريالي رهيب.
زلزال أعاد تذكيرنا بأن بناء البيوت في جل قرانا وبوادينا لازال يتم بشكل عشوائي وبدائي، بعيدا كل البعد عن شروط السكن اللائق المحترم لكرامة الإنسان والمستجيب لمتطلبات السلامة والأمان، وبأن الطرقات والمسالك هشة إن لم أقل منعدمة، وبأن المدارس والمستشفيات، إن كانت متوفرة في بعض القرى، فهي لا تستجيب للحد الأدنى الضروري من المعايير المتعارف عليها، وبأن السكان لازالوا يشربون من ماء البئر والوادي وينيرون أكواخهم بالشمع أو بواسائل بدائية، وبأنه في جل قرانا وبوادينا معظم السكان لازالوا بعيدين كل البعد عن الحضارة وعصر الرقمنة.
إنه لواقع مزري ومر يعيشه الملايين من أبناء وطني في معاناة وصمت، وكأن هؤلاء المواطنات والمواطنين لا ينتمون إلى هذا الوطن العظيم.
فعندما أتحدث عن حقوق الإنسان أمام هذا الواقع، وأدعي بأن هذه الحقوق كونية لا تعترف بالحدود ولا تميز بين الجنسين ولا تتأسس على ثروة أو جاه أو انتماء عرقي أو قبلي أو جهوي، فإنني أخجل من نفسي حين أشاهد بأم عيني البون الشاسع بين الواقع المعاش والمؤلم لسكان بوادينا وقرانا ، وبين ما تعلمته وما أومن به وما أدافع عنه من مبادئ وقيم حقوقية.
لذا أتساءل بعد عقود من الاستقلال، ما الذي ألهانا عن هؤلاء الملايين من المواطنات والمواطنين الذين يعيشون عيشة بدائية تحت وطأة الفقر المدقع والتهميش والإقصاء الاجتماعي طيلة هذه العقود؟!
لقد حان الوقت ونحن نرى بأم أعيننا هذا الزخم الرائع والهائل من التضامن والتآزر والمواساة، الذي عبر عنه المغاربة قاطبة ملكا وشعبا وأحزابا ومجتمعا مدنيا ومؤسسات، لإغاثة الضحايا والمنكوبين، أن نزيل الغشاوة عن أعيننا وأن نحطم جدار الصمت السميك الذي يخفي عنا الحقيقة المرة لقرانا وبوادينا، وأن نحث دولتنا وأحزابنا وجمعياتنا وكل القوى والضمائر الحية للعودة إلى جادة الصواب والوعي من أجل وضع البادية المغربية على رأس اهتماماتنا وبرامجنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وذلك من خلال:
أولا، المزيد من التوعية بحقيقة الواقع المر الذي يعيشه الملايين من أبناء وبنات وطننا الحبيب في صمت، مع تجنب لغة الخشب والخطابات التبريرية أو التبخيسية أو تبادل اللوم والاتهامات.
ثانيا، على الحكومة والدولة بصفة عامة إعطاء الأولوية على المدى القصير والمتوسط والطويل للبادية في الاستفادة من برامج ومخططات التنمية لتدارك الهوة السحيقة بين مدننا وقرانا.
ثالثا، الشروع الفوري في إعادة بناء المساكن لفائدة كل المتضررات والمتضررين وفق معايير تحفظ كرامة وسلامة السكان وتحافظ على خصوصيات المناطق المتضررة، وذلك في إطار بناء قرى نموذجية تتوفر على كل المتطلبات الأساسية والمستلزمات الضرورية من طرقات ومسالك وماء صالح للشرب وكهرباء ومؤسسات تعليمية ومستشفيات وكل المرافق الضرورية لحياة إنسانية ومدنية كريمة.
رابعا، مواصلة الدعم الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والمواكبة النفسية والتربوية لكل ضحايا الزلزال واعتبارهم من مكفولي الأمة.
خامسا، توفير الحماية القانونية والاجتماعية والصحية لكل الاطفال اليتامى، ولكل الأرامل والشيوخ والعجزة والمعطوبين من ضحايا الزلزال.
وأخيرا، نتمنى ألا يمر هذا الحدث المأساوي الذي أدمى قلوب كل المغاربة، دون أن تنكب الدولة على إعداد تصور شامل وبرامج فعالة لتحقيق عدالة مجالية تنموية، تحاول انتشال قرانا وبوادينا من مخالب الزلازل والفيضانات والأمراض، وأن تضمن لكافة مواطنات ومواطني هذه المناطق العيش الكريم والآمن، في إطار وطن متماسك ومتضامن وقوي يوفر لكافة بناته وأبنائه كل الحقوق الأساسية في حياة إنسانية وكريمة.