‏آخر المستجداتلحظة تفكير

عبد الله العلوي: اغتيال غــــــانــــدي

في كل سنة يحتفل العالم بميلاد غاندي في 2 أكتوبر 1869 والذي اغتيل في 30 يناير 1948 لأنه طالب الهندوس بمراعاة حقوق المسلمين في الهند، هل من الممكن نقل تجربة هذا الرجل السلمية إلى العالم؟ أم أن تجربة غاندي لمحاربة الاستعمار بالسلم وعدم استعمال المنتوجات الأجنبية وعدم الفعل هي منتوج خاص واستثنائي بالمرحلة التاريخية لغاندي؟

غـــانـــدي

في 30 يناير 1948 اغتيل غاندي من طرف أحد المتعصبين من أعضاء منظمة R.S.S  الهندوسية، وكان زعيم الهند قد ولد في 2 أكتوبر 1869 لعائلة تنتمي إلى المذهب الجانتي و إلى طبقة “فيسيا”.

وفي الذكرى 156 لميلاده والذكرى 77 لوفاته المأساوية أيضا نتذكر هذا الرجل العظيم، ولكي نتحدث عن “غاندي” والمهاتما أو الروح المقدسة أو السامية، لابد أن نتحدث عن المذهب “الديني” الذي انحدر منه و الذي هو أحد مذاهب الهندوس المتعددة، لأننا عندما نعرف المذهب الجنتي قد نستوعب فلسفة العصيان أو اللاعنف أو النضال السلمي أو عدم التعاون – البهميسا والساتياغراها- فغاندي عبر بطريقته النضالية في مكافحة الاستعمار الإنجليزي عن قيم يكتنزها الشعب الهندي وهي ضمن معتقداته العديدة المتميزة. لقد كان غاندي أحد “القديسين” الذين عرفهم التاريخ، والأغرب أنه عاش في القرن 20 كان اسمه “موهنداس كارام شاند غاندي”، وكانت عائلته تنتمي إلى المذهب الجانتي وطبقة “فاسيا” وفق النظام الطبقي الديني عند الهندوس الذي يتميز بالطبقات الأربع وهو غير النظام الطبقي الاقتصادي المعروف في باقي العالم، فالهند تعرف نوعين من الطبقات فقد تكون غنيا لكن الانتماء يكون لطبقة المنبوذين الذين لا يجوز لمسهم حتى. وكان غاندي كريما مع هذه الطبقة حتى أنه خلع عليها اسما جديدا الهاريجان “الكرام”.

في سنة 1869 ولد هذا الرجل الذي قاد أمة بعصا ونصف لباس خشن وصندال بسيط ونول و عنزة للحليب و الذي لم يأكل لحما إلا مرة واحدة في حياته تحديا أثناء فترة الشباب والذي تحول إلى “براهما شاري” أي إلى “اعتزال الجنس وهو متزوج” وكان خطب زوجته الوحيدة “كاستور باي” في الثامنة من عمره و تزوج بها و هو في الثانية عشرة – زواج الأطفال لازال يتعثر في الهند حتى الآن-، وفي عمر 18 حصل على الشهادة التي تخوله الدخول إلى الجامعة و سافر لمتابعة دراسته القانونية في لندن بعد أن تعهد لعائلته ولطائفته باحترام عقيدته في المأكل والملبس والعفة، إذ أن الهندوس من الطبقات العليا كانوا لا يسافرون إلى الخارج بسبب التحريمات و كان غاندي أولهم. وعاد إلى الهند حيث حاول فتح مكتب للمحاماة في مدينة بومباي الواقعة على بحر العرب إلا أنه فشل في ذلك وانتقل إلى مسقط رأسه “كوجرات” للعمل بمكتب شقيقه المحامي. وأثناء هذه الفترة كلف للذهاب إلى جنوب إفريقيا وكان الهنود قد كونوا جالية كبيرة في جنوب إفريقيا وبقي غاندي في جنوب إفريقيا حيث كافح الظلم الواقع على بني جلدته وغيرهم وهناك انبثقت عقيدة عدم التعاون.

20 عاما في جــــنــوب إفـــــريـــــقيــــا

كان انتقال غاندي إلى جنوب إفريقيا التي كانت إحدى مهاجر الشعب الهندي أثرا كبيرا في حياته، فهو الذي كان مكلفا بالدفاع في قضية لمدة مؤقتة زمنيا أصبح مقيما في جنوب إفريقيا لعشرين عاما بعد ذلك، بل وهناك انبثقت في أعماقه خطة (الساتيا غراها) المرتبطة “باللاهميسا” وهناك كافح الظلم الاستعماري والتمييز العنصري والأوبئة ودخل إلى السجن عدة مرات، ثلاثة على وجه التحديد في 1908 وفي 1913 وإن لم يكمل المدة التي حكم بها عليه لضغط الرأي العام وللطابع السلمي لنضاله. وكان إقليم “ناتال” هو المركز الذي قاد منه غاندي نضاله من اجل مكافحة الاستعمار والتمييز العنصري وأسس أول تنظيم سياسي ومن أهم التأثيرات لغاندي في حركة جنوب إفريقيا تأسيس المؤتمر الوطني الإفريقي في 1912، ولم يكن الأمر بعيدا عن حركة غاندي. وعندما عاد إلى الهند ترك رصيدا نضاليا هائلا للحركة الإفريقية، وحتى بعد وفاته فقد أعلن المؤتمر الوطني الإفريقي في 1952 حركة العصيان الكبرى التي شلت جنوب إفريقيا بتأثير الساتيا غراها ومن المعروف أن نيلسون مانديلا من أتباع الحركة.

وغاندي هو أول من أسس منظمة سياسية لمناهضة الاستعمار في جنوب إفريقيا “مؤتمر ناتال الهندي” عام 1894 وكان بحركته تلك قد أعطى للأفارقة وغيرهم فكرة عن التنظيم الجماعي الذي أسس لأول مرة. وإذا كانت حركة مناهضة الاستعمار هي دائمة عنيفة بطبيعتها فإن غاندي هو الذي أبدع فكرة مناقضة تماما، وهي أن مناهضة الاستعمار يمكن القيام بها بشكل سلمي، والسنوات التي قضى في جنوب إفريقيا كانت من أخصب سنوات حياته. وقد عاش مراحل الوباء الذي أصاب جنوب إفريقيا وأقسى مراحل التمييز العنصري تجاه السود وتجاه الهنود ومرحلة التنظيم السياسي لمناهضة الاستعمار في سنوات 1896 و 1902 و 1912، وعاد إلى الهند ليقود الكفاح الكبير الذي انتهى في 15 غشت 47 باستقلال الهند و باكستان. وكانت مرحلة صعبة واجه فيها غاندي الصراع الطائفي بين المسلمين والهندوس والخلافات بينهما بالإضافة إلى الاستعمار.

والخلاف مع قادة حزب المؤتمر الهندي– تأسس في 1885 بعيدا عن غاندي- رغم أنه كان الزعيم الأول لهذا الحزب بفضل جماهيريته الواسعة جدا ورغم أن حزب المؤتمر من كان لا يرى نفس رؤية غاندي بل إن خلافات عديدة كانت تنشأ بينه وبين زعماء الحزب ومن ضمنهم جواهر لال نهرو (1964-1889) رئيس وزراء الهند (47-64) ووالد أنديرا غاندي (1917-1984) إلا أن هذه الخلافات لم تؤثر في العلاقة بين الأطراف وبمكانة المهاتما غاندي.

المذهب الجــانتــــــي

جاءت الكلمة جانتي من “جنا” أي القاهر لا بمعنى المنتصر على الملذات فقط بل بمعنى المعلم أو الأستاذ أو المصلح، فكما كان “بوذا” مجرد تجلي “لبودات” كانوا في السابق وسيأتون فيما بعد، كذلك معنى “جنا” وكان زعيم المذهب هو “ماهافيرا” الذي وضع أسس المذهب في القرن السادس ق.م والذي توفي بعد عمر 72 عاما وطائفة الجنتيين ترتكز على الأسس التالية:

  • عدم إيذاء أي كائن حي.
  • أن الحق مسألة نسبية ولا وجود لحق مطلق.
  • أنه ليس هناك سبب أول.
  • أن أسفار “الڤيدا” وهي كتب الهندوسية المقدسة لا تنفع.
  • أن الحياة ليست إلا عذابا وقيدا مقيما بما فيها التناسخ المتوالي إلى الأبد بدون خلاص.

والخلاص لا يكون إلا ب “الاهميسا” أو المبادئ الخمسة وهي:

  • أن لا تؤدي كائنا قط.
  • أن لا تـــكـــذب.
  • أن لا تأخذ حق الغير.
  • أن تمارس العفة وقد تصل إلى أن تكون “براهما شاري”.
  • أن تلغي جميع اللذائذ الخارجية لباس-طعام-رغبات-والتي يمكن أن تضعف تجاهها.

لذلك كان الجانتي التقي يضع كمامة على فمه حتى لا يؤذي الكائنات اللامنظورة، لا يحرث لأن المحراث يمزق التربة، لا يأكل العسل لأنه غذاء النحل، يضحي من أجل الحيوانات، لا يزهق أي روح، والحياة الوحيدة التي يمكن للجانتي أن يزهقها هي حياته. فالانتحار جائز عند الجانتيين حتى أن والدا مؤسس المذهب ماتا انتحارا … من الجوع. من هذا المذهب الذي اختصرناه جاء غاندي… والمذهب نفسه جاء من عالم الهندوسية الواسع الذي يقبل أي عقيدة و يدمجها في فكره الشاسع، لذلك فإن غاندي عندما نادى بالاهميسا (عدم الإيذاء) (والساتياغراها) اللاعنف كان يستند إلى قيم مكتنزة في الشعب الهندي الذي استجاب إلى دعوته الفريدة في تاريخ العالم والجانتيون الذين ضاعوا في بحر الهندوسية، ولم يبق من أتقيائهم إلا القليل تعبيرا عميقا عن الفكر الفلسفي الذي  يستمد منه الشعب الهندي ويغرف من معينه الذي لا ينضب وكان غاندي بانتمائه إلى هذا المذهب و إلى الهندوسية ككل وقراءاته الإسلامية والمسيحية العديدة وفضائله الشخصية و ثقافته الإنسانية … “جنا” أي قاهر القرن العشرين، وفي اللحظة الزمنية المعاصرة كان قائدا استقلاليا في مواجهة الاستعمار البريطاني. ورغم انتمائه الفكري النخبوي والاجتماعي فقد ألغى المسافة الفاصلة بين النخبة والجماهير حتى يعجز المتتبع عن التمييز بينهما هل نزل غاندي إلى الجماهير  أو صعدت هي إليه أم التقيا معا واندمجا في “الساتياغراها” و أبدعا مع بالنظرية وبالتطبيق أحد أعجب الكفاحات لمقاومة الاستعمار حتى أن القانون الجنائي الاستعماري وقف عاجزا لمعاقبة هؤلاء فكان أن تتدخل المشرع لوضع قوانين جديدة تعاقب على النضال السلمي أو اللاتعاون. ومن تأثيرات ذلك أن صدر في المغرب مثلا ظهير 1935 الذي يعاقب على كل ما من شأنه أن يمس بالسير العام … والذي ألغي فيما بعد….

فـي الهـــنـد

رغم مقام غاندي الطويل في جنوب إفريقيا إلا أنه غادرها عدة مرات للعودة للهند لأسباب عدة… التعرف على الظروف التي تعيشها الهند آنذاك والتحاق الأسرة بجنوب إفريقيا والتي بقيت في الهند لان غاندي عندما رحل إلى ناتال كان الهدف الترافع في قضية والعودة إلا أن المقام طال 20 سنة وفي جنوب إفريقيا شكل غاندي التنظيمات الاجتماعية والسياسية التي كانت نواة لما كانت و ستكون عليه في الهند، كان حزب المؤتمر الهندي قد تأسس في 1885 أي بعد ولادة غاندي بستة عشر عاما. وقد ضم الحزب مختلف الطوائف هندوس ومسلمين وغيرهم و كان هدفه في البداية تحسين أوضاع الهنود في وطنهم في ظل الاستعمار البريطاني الذي بدأ يزحف و يتراجع مع ضعف و قوة الدولة الإسلامية إلى أن استطاع القضاء على آخر أباطرة الهند المسلمين في 1858، علما أن الدولة الإسلامية في الهند عاشت حوالي 8 قرون ما بين 1193-1857.

وكان حزب المؤتمر الذي انتقلت مطالبه من المطالبة ببعض حقوق المواطنة إلى المطالبة بالاستقلال فيما بعد وتحت زعامة غاندي بجميع الطوائف كلها وأهم طائفتين هي المسلمين والهندوس، إلا أن جزءا هاما من المسلمين أسسوا حزبا جديدا وانفصلوا عن حزب المؤتمر في 1906 وأعلنوا الجماعة الإسلامية التي أظهرت خوفها الشديد من الأغلبية الهندوسية وحاولت نشر الانتماء إلى الخلافةالإسلامية “تركيا” تمتطور الطلب إلى الانفصال عن الهند بعد مؤتمر لاهور في 1941 قبل ست سنوات من الاستقلال عن انجلترا…

عاد غاندي إلى الهند في هذه الظروف القاسية الصعبة في ظل خلاف شديد بين قادة الهندوس وقادة المسلمين حول كيفية حل المسألة الطائفية وهناك حزبان كبيران في البلاد، بالإضافة إلى جماعات سياسية عديدة وجماعات دينية ومذهبية هنا وهناك أيضا إمارات مستقلة، ثم الاستعمار البريطاني الذي يعتبر الهند جوهرة التاج والحركة الشيوعية، بحزبها المخضرم الذي تأسس في 1920. وكانت كل الظروف الموضوعية تؤكد أنها تعمل لصالحه وأن الهند حقل خصب للاشتراكية كما الصين وڤيتنام بماوتسي تونغ 1976-1893 وهوشي منه (توفي عام 1969) ، إلا أن الحركة الشيوعية في الهند كان ينقصها غاندي الذي بخلفيته الدينية العميقة جاء إلى حزب المؤتمر الوطني بعد أن كان عضوا مؤسسا لفرع الحزب في جنوب إفريقيا، رغم أن ولادة “البهميسا” و “الساتياغراها” بشكلها الجديد كانا في إفريقيا فإنهما سيجدان في الهند انتشارا هائلا قاده غاندي بصيامه المتكرر و بطريقته النضالية المتميزة …لذلك فإن حفيد “الجانتيين” الذي ترك كل شيء من أجل المبدأ السامي الذي نذر نفسه له اضطر الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى الجلوس معه في مائدة المفاوضات بعد أن انتشر العصيان المدني في الهند وتوقف الشعب الهندي عن استعمال و استهلاك المنتوجات البريطانية وعم النضال السلمي ذي الفعالية القوية في وسط الشعب الهندي.

اللاماســـسية لقد واجه غاندي تعقيدات المجتمع الهندي رغم خلفيته الهندوسية فقد واجه المشكل الطائفي بين الهندوس ككل و المسلمين وهو أمر معروف و الذي انتهى بمأساة الانفصال وإنشاء باكستان، علما أن عدد المسلمين في الهند يبقى كبيرا، ثم واجه المشكل الطبقي بين الهندوس أنفسهم. فالهندوسية عقيدة تتسع حتى للإلحاد، فقد استوعبت عقائد سكان الهند الأصليين (=الدرافيديين) و الآريين الذين جاءوا إلى الهند و استوطنوا شمالها قبل الميلاد. و هم الذين وضعوا أسس الهندوسية وكتبها المقدسة “الفيدا” و ملاحمها “المهابهارتا” و “الرامايانا” و “الاوبانشياد” لكنهم أدمجوا عقائد الهنود الأصليين في الجنوب و آلهتهم.

ولكون الآريين كانوا أقلية فقد وضعوا وسودوا بينهم و بين باقي السكان حتى يمنعوا ذوبانهم ووضعوا إحدى أعجب الطبقيات التي عبر عنها قانون “مانو” واحتالو بذكاء يتميز به فقهاء الدين في كل مكان و زمان. فقانون “كارما” و معناه التناسخ فالكائن لا تموت روحه (بل وعاءه فقط أي جسده) وهي تنتقل إلى (وعاء) جسد آخر طاهر على أساس أن لا يرتكب الذنب في حياته السابقة لا بفكره ولا بجسده ولا بلسانه. فمن ارتكب باللسان أو بالجسد عوقب في حياته المقبلة حجرا أو حيوانا، ومن ارتكب بفكره كما لو رفض واقعه كمنبوذ يولد في حياته المقبلة منبوذ أي جسد بلا روح والجسد بلا روح معناه انعدام الطهارة و ارتكاب المعاصي في الحياة السابقة. ولا يجوز لمس المنبوذ أو الأكل معه أو السكن المشترك.

واللامساسية هذه هي التي حاربها غاندي وكانت في جنوب إفريقيا أخف منها في الهند حيث كانت-ولا زالت نسبيا في الريف الهندي-متمكنة من الشعب ورغم أن غاندي لم يعلن رفضه لقانون “مانو” فانه قبل التعاون في “الأشرم” الذي أسسه بأعضاء من المنبوذين علما أنه واجه رفضا مبطنا وأحيانا صريحا من باقي أعضاء “الاشرم”. وقد واجه غاندي “اللامساسية” باعتبارها دخيلة على الهندوسية، وتعاون مع المنبوذين ورغم أنه نظرا لخلفيته الدينية لم يستطع إعلان المطالبة بإلغاء الطبقية الطائفية تلك و مساوئها، فقد استطاع التخفيف من قسوتها.

وبعد الاستقلال، فإن الدستور الهندي الذي أعلن في 26 يناير 1950 ساوى بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بل إن الرئيس الهندي الأسبق السيد “كوشريل رامان نارايان” من طائفة المنبوذة ولأول مرة في التاريخ الهندي وأن كان الريف الهندي لازال يعاني من هذه “الطائفية” المعقدة اجتماعيا…

رجل الــمــبــادئ

إن الحديث عن غاندي الزعيم يرتبط أشد الارتباط بغاندي الإنسان، فالرجل كان متمسكا بمبادئه حتى في مواجهة الجماهير فعندما أعلن في الأربعينيات رفضه لسياسة بريطانيا في الهند وقامت الجماهير بترجمة هذا الرفض كل جماعة بطريقتها أدى ذلك إلى قتل العشرات فأعلن توقيف حركة اللاتعاون مما أدى إلى ردة جماهيرية و حزبية ضده لكن هذا لم يفت في عضده فالرجل كان كتلة من العظم و المبادئ، نفس الأمر عندما أعلن أثناء الحرب العالمية الثانية المساندة لبريطانيا وسط رفض عام إذ كيف تساند الهند مستبعدتها في مواجهة ألمانيا و المحور؟ و هو أمر يدل على ذكاء استثنائي.

وغاندي الإنسان الذي كان صريحا مع نفسه ومع الآخرين إلى درجة الإيلام فقد اعترف طوال حياته بارتكابه الأخطاء وكان يقولها بكل بساطة بل وسار الأمر حتى في حياته المهنية كمحام فقد أكد أنه في أول قضاياه أمام المحكمة لم يستطع حتى الكلام وارتج عليه واعترف بأكل اللحم مرة واحدة في حياته ومحاولته ممارسة الدعارة والتي لم تنجح، فالرجل الذي كان يمشي حتى 30 يناير 1948 و الذي اعتبر أحد أبرز شخصيات القرن العشرين كان سهلا ممتنعا وكان أشبه بالقديس منه بالإنسان، وكان تأثيره عالميا ليس فقط على مستوى الحركات التي أخذت عنه كحركة نلسون مانديلا في جنوب إفريقيا وعبد الغفار خان في باكستان، ولكن على المستوى العالمي في شعوب الأرض بأسرها.

وعلى مستوى القوانين الجنائية فبريطانيا اضطرت أثناء العصيان المدني الذي قاده إلى تعديل القانون ليواكب هذه الحركة لكون القانون الجنائي قبل “البهميسا” و“الساتيا غراها” كان يعاقب على الفعل وليس على عدم الفعل لكن المشرع البريطاني تدخل لإصدار قوانين جديدة في هدا الصدد وانتقلت هذه القوانين إلى الاستعمار الفرنسي وكمثال فقد صدر في المغرب قانون عرف بقانون 1935 يعاقب على كل ما من شأنه إثارة الرأي العام وكان هذا القانون السيئ الذكر قد الغي في تسعينيات القرن الماضي من تأثيرات نضال المهاتما غاندي السلمي.

*باحث

هوامش:

  • غاندي تعني البقال
  • براهما شاري (الصائم جنسيا) بإرادته المعتزل للجنس باعتباره رغبة جسدية توهن وتعرقل الإنسان ليصبح أكثر شفافية وحرية وأقرب للنرفانا أو الفناء في الذات العليا.
  • سافر غاندي في 1887 إلى لندن وعام 1891 وذهب إلى جنوب إفريقيا في 1893.
  • يشكل المسلمون في الهند حاليا حوالي 300 مليون نسمة أي 20% من مواطني الهند الذي يبلغ عددهم مليار ومائتا ملون نسمة، و هناك المسيحيون الذين يشكلون 2%و البوذيين حوالي 1% والسيخ نفس النسبة والباقي هندوس.
  • الأشرم: مدرسة أو زاوية تتعايش فيها مجموعة من الأسر أو الأفراد يشتركون في السكن والعمل والتعليم والإنتاج بغض النظر عن خلفيتهم المذهبية فكأننا أمام كومونة من نوع خاص.
  • لا قرابة بين المهاتما غاندي ورئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي فالأخيرة نجلة جواهر لال نهرو الزعيم الهندي الكبير وقد أخدت لقب غاندي عن زوجها فيروز غاندي والد نجليها سانجاي وراجيف.
  • الرامايانا: ملحمة تحكي قصة “راما” ومعركته من أجل انقاد “سيتا”.
  • المهابهاراتا: ملحمة تحكي صراع عائلتين ملكيتين من أجل السيطرة على شمال الهند.
  • الاوبانشياد: “الجلوس قرب الأستاذ” كتاب الحكمة الهندي.
  • الڤيدا “المعرفة” الكتب المقدسة الهندية وهي أربع في مختلف نواحي الحياة.
  • R.S.S منظمة المجلس الهندوسي العالمي وهو تنظيم يعتبر أن الهند للهندوس فقط و قد تفرعت عنه منظمات عديدة ولازال يعمل في الهند وفي التجمعات الهندوسية في الخارج. وحزب جاناتا الحاكم في الهند حاليا أحد نتائجه والذي يعادي أفكار المهاتما غاندي.
  • حكم نظام الطبقات المغلقة ظهر مع حكم الآريين للهند في القرن 6 قبل الميلاد يتفرع إلى أكثر من 2700 طبقة إلا أنها حرف أكثر منها طبقات، أما الطبقات الأربع الأساسية فهي: البراهما-الكشاتريا-الفايشا-الشودرا أما المنبوذين ففي أسفل السلم الاجتماعي و تشكلوا في البداية من العبيد والقبائل والأسرى وهم في الهند حوالي 260 مليون نسمة وأن ما يشكل خطورة غرائبية هو إيمان الناس بهذا النظام بما فيهم المنبوذين أنفسهم.

*باحث

‏مقالات ذات صلة

Back to top button