زار رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي واشنطن خلال شهر يونيه 2023 وهي الزيارة التي اعتبرها المستشار القومي الأمريكي سوليفان أهم من زيارة وزير الخارجية الأمريكي لبكين اللتان تزامنتا، وتحتاج واشنطن للهند بقوة في إطار الصراع مع بكين، ونفس الأمر بالنسبة للهند التي لازالت تطالب بالأراضي التي احتلتها الصين في حربي 1958 و1962. كما أن بكين تطالب بولاية هندية كامل هي ولاية أرونال براديش. وهذه الأزمات أدت إلى سباق نووي في المنطقة، فالصين فجرت قنبلتها في 1964، والهند فجرتها في 1974، بينما فجرت باكستان قنبلتها النووية في 1998، وواشنطن التي تعتبر مع اليابان الهند رأس الحربة في مواجهة الصين التي تمتد سلطتها في منطقتها وفي العالم، خصوصا مع خطة طريق الحرير الذي أحيته من جديد، كما أن علاقتها مع باكستان وامتداد هيمنتها على دول الجوار الهندي أوصلت إلى قيام الهند بتطوير علاقتها مع واشنطن قائدة العالم الغربي. وقد تنازلت اليابان عن قاعدتها العسكرية في جيبوتي لصالح الهند، مما جعل هذه الأخيرة تراقب البحر الأحمر، وبالتالي تراقب الدول المتواجدة على ساحله خاصة العالم العربي، وأبرمت عقودا برعاية واشنطن لفتح مجال الدراسة للطلبة الهنود في اليابان، وهذه الأخيرة أسست مجموعة إعلامية ضخمة في الهند خاصة في المجال الإعلامي/التلفزي. ولما كان رئيس وزراء الهند المتشدد هندوسيا والمعادي للأقلية الضخمة الإسلامية في الهند. فقد شجعت واشنطن مع باقي الدول الغربية خاصة استراليا ونيوزيلندا وبريطانيا التقرب من فِكر رئيس حزب جاناتا ورئيس الوزراء الهندي الهندوسي المتشدد، وذلك بجعل 21 يونيه عيدا أمميا لليوغا، وفي هذا التاريخ كانت زيارة رئيس وزراء الهند لواشنطن. فلمحاربة انخراط الغربيين في الإسلام التجأ مُنظروا الغرب نظرا للخواء الروحي الذي تعرفه هذه المجتمعات إلى اليوغا كبديل عن الإسلام الذي يتنشر في هذه المجتمعات، ولا تتوقف علاقة الغرب بالهند في هذا المجال، خصوصا في مرحلة حزب جاناتا، فرئيس وزراء الهند ناريندار مودي كان كبير وزراء ولاية كوجرات الهندية، وقد أشرف بنفسه على المذابح التي تعرض لها المسلمون في 2002 بالولاية، مما جعل واشنطن تضعه في لائحة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة طبقا للفصل 12 من قانون الحقوق الأمريكي، إلا أن صعود حزب جاناتا مع موجة تطرف هندوسي عرفتها الهند خلال 2014، والضعف البنيوي لحزب المؤتمر الهندي المؤسس في 1885، والذي قاد الهند منذ استقلالها في 1947 عن بريطانيا، ووضع دستورها العلماني في 1950 بقيادة رئيس الوزراء جواهر لال نهرو 1889-1964، – جعل- واشنطن تحتضن حزب جاناتا، خصوصا أن علاقتها مع حزب المؤتمر أثناء قيادة الراحلة أنديرا غاندي 1917-1984 لم تك سلسة، لكون أنديرا كانت من قيادة عدم الانحياز، كما أبرمت معاهدة صداقة مع الاتحاد السوڤياتي، وقد ربطتها وحزب المؤتمر علاقة تاريخية بالعالم العربي وقضيته الفلسطينية.
وخلال المؤتمر الصحفي في:22-06-2023 للرئيس الأمريكي بايدن ورئيس وزراء الهند، أكدا على أن اليابان وأستراليا عضويين أساسيين مع الهند وواشنطن في مواجهة الصين.
لقد تجاوزت واشنطن أفعال كبير وزراء كوجرات الذي أصبح رئيس الوزراء في الهند ككل، بعد تبيان نجاح حزب جاناتا في انتخابات 2014. وكانت الولايات المتحدة قد أبرمت مع الهند معاهدة 2008 لإعادة هيكلة برنامج الهند النووي، رغم الحظر الذي تنص عليه معاهدة 1 نونبر 1968، التي تقتصر نوويا على 5 دول فقط، وقد احتجت المعارضة الهندية على المعاهدة التي ستؤدي إلى فتح أسرار البرنامج النووي الهندي أمام واشنطن، فحولت هذه الأخيرة هذه الهيكلة إلى اليابان التي تقوم حاليا بتجديد هذا البرنامج من أجل تقوية الهند في مواجهة الصين، هذه الأخيرة التي ربطتها معاهدات مع باكستان البلد المقرب إلى واشنطن، والمتباعد عنه في نفس الوقت. فقد منحت باكستان 2% من منطقة “لا داخ” وهي جزء من كشمير الباكستانية وعاصمتها ظفر أباد، إلى الصين التي أصبحت تطل على الهند من الجانب الآخر من شبه القارة الهندية.
وبرغم أن مساحة الهند 3.287,206 كلم2، لا تصل إلى مساحة الصين التي تقارب 10 مليون كلم 2، فإن الهند يتجاوز مواطنيها الصين بحوالي 5 ملايين نسمة وتتوفر على جيش في الخدمة قوامه 3 ملايين جندي، والأهم أن لديها خصومة وحروب مع الصين ونزاعات حدودية، وهي البلد المؤهل عقائديا، واقتصاديا، وديمغرافيا، ونوويا، لمواجهة بكين في المنطقة لحسابها، ولحساب الغرب واليابان التي لازالت هي الأخرى تطالب بجزر أربعة في بحر الصين، تؤكد أن بكين استولت عليها رغم تابعيتها لطوكيو وهي المساند الخفي للهند في برامجها العسكرية والاقتصادية من أجل مواجهة الصين، التي تشكل مع التاريخ الظلامي لما قامت به اليابان أثناء احتلال منشوريا الصينية من مذابح واستغلال، ظل العائق الأهم في أي مصالحة لطوكيو مع بكين، ويلقي ظلال من الشك والمواجهة التاريخية على مستقبل هذه العلاقات.
إن من أهم الملاحظات التي تبرز في علاقات الغرب مع الهند، أن نائبة الرئيس الأمريكي -رئيسة مجلس الشيوخ- هندية الأصل، كما أن بريطانيا “تسامحت” لأول مرة، وهي النسخة المصغرة للولايات المتحدة الأمريكية، وأسندت رئاسة الوزراء لهندي الأصل لأول مرة في التاريخ، فالمناخ العام الذي يميز علاقات الهند مع الغرب أدى إلى ربط علاقات اجتماعية / سياسية للجاليات الهندية خاصة في استراليا وأمريكا وبريطانيا، حيث كل 4 أطباء أحدهم هندي، وكل 5 مهندسين أحدهم هندي وفي مجالات أخرى، مما أدى إلى تصاعد أهمية ذوي الأصل الهندي في البلدان الغربية، وزادت الأزمة مع الصين إلى ربط وتثمين هذه العلاقات.
لقد كان الاهتمام الأمريكي بالهند ذا أبعاد استراتيجية حتى قبل استقلال الهند في: 1947-08-15 ، لأن الولايات المتحدة حلت محل الاستعمار البريطاني في عديد من الدول، وكان تاج هذه البلدان الهند، مثلما كانت تنعت الهند في العهد الاستعماري البريطاني تاج المستعمرات ، ومع الزمن زادت أهمية الهند لدى صناع القرار الأمريكي. ورغم الخلافات بين البلدين، والرغبة الشديدة لدى الهنود للاستقلال عن واشنطن وعن المعسكرين الاشتراكي / الرأسمالي في مرحلة الحرب الباردة 1945-1991، فقد ظلت الهند تنأى عن الدخول في المعسكرات الأمريكية، وتعتز باستقلالها السياسي ، خصوصا الفترات التي تولى فيها حزب المؤتمر الهندي السلطة في عهد جواهر لال نهرو ونجلته أنديرا غاندي، فهناك إحساس عميق لدى الشعب والقيادة الهندية في كون الهند دولة عظمى تخطط مصلحتها الوطنية، خاصة وأن اليسار الهندي سواء تمثل في الحزب الشيوعي الهندي الذي تأسس في 1920، والحزب الماركسي المستقل الذي تأسس في 1966، وباقي الأحزاب الاشتراكية كان لها صوتا ضاغطا في المسألة ، لكن انهيار المعسكر الاشتراكي بعد 1991، وانهيار قيمه الفكرية ، وصعود اليمين إلى السلطة في أوروبا، أديا إلى تصاعد أهمية الأحزاب اليمينية في الهند التي رفعت شعار الهند للهندوس، والذي نظرت له مؤسسة المجلس العالمي للهندوس، ومع سقوط قيادة حزب المؤتمر الهندي اغتيالا: أنديرا غاندي في 1984، واغتيال نجلها راجيف غاندي في 1991، والوهن الذي أبان عنه الحزب خلال السنوات التالية، كل ذلك جعل حزب جاناتا أو الشعب والأحزاب الإقليمية المتعصبة ضد المسلمين تفوز بالمراكز السابقة لحزب المؤتمر. وكان صعود دونالد ترامب وقبله جورج بوش، وصعود الحكومات الفاشية في أوروبا، والفوبيا من الإسلام، كل ذلك صنع حزبا وحشيا في الهند هو “جاناتا” بزعامة ناريندرا مودي، هذا المترهب الذي لا يخفي ميوله المتطرفة في مناخ عالمي متسامح مع الفاشستية ويعاني من فوبيا الإسلام، فقد كان أول رئيس وزراء هندي يزور الكيان الصهيوني.
والزائر للهند سيلاحظ موجة التطرف التي تعرفها الهند خاصة في الغرب والشمال، والدعوى التي يقودها أشخاص ومطربين تدعو المسلمين إلى مغادرة الهند لباكستان، وهؤلاء لا يطالبون المسلمين الذين يشكلون 300 مليون مسلم بأخذهم أرضهم معهم بل فقط المغادرة دون أرض. وهذا المناخ صنعته التنظيمات الإرهابية الهندوسية التي منعت الأصوات الأخرى من الظهور، بل حاولت بعض الجماعات ثني المسلمين عن دينهم، وهو الأمر الذي لم ينجح، لكن المسلمين في الهند يعيشون ظرفا جد صعب، خصوصا مع الانهيار الذي يعرفه العالم العربي وصعود الصهاينة الجدد وتصاعد النزعة الإقليمية وديكتاتورية الأقلية في هذه البلدان، مما أدى إلى غياب الدور العربي في السياسة العالمية وجعل العالم الإسلامي الذي يتجاوز منتسبيه الملياري مسلم بدون قيادة معنوية أو فكرية أو سياسية أو تنظيمية، وبالتالي الأقلية الإسلامية الضخمة في الهند تعيش وتكافح وحدها بدون مساند طبيعي هو العالم العربي والإسلامي ونفس الأمر تعيشه القضية الفلسطينية.
*باحث