ليس التحريض الذي صرح به أحد أعضاء حكومة الكيان الصهيوني بالدعوى إلى ضرب غزة بالقنابل النووية هو أول تصريح في تاريخ هذا الكيان، ففي حرب أكتوبر 1973 هددت غولدا مايير الحيزبون بخيار الشيطان، مما أرغم واشنطن على فتح جسر تسليحي لإنقاذ الكيان/الهش على أرض فلسطين. فضلا عن مورد خاي فنونو الذي فضح نووية الكيان قبل ذلك، ومن المهم الإشارة إلى كون حافظ الأسد –المتوفى سنة 1997– قال أن أي ضربة نووية ضد الدول العربية ستكون لها نفس الأثر على يهود الكيان. وهو ادعاء غير منطقي لكون التطور النووي تطور إلى قنابل تكتيكية لا تتجاوز الجهة المهاجمة، فضلا عن كون سوريا حافظ الأسد لم تحترم برنامجها حول التوازن الاستراتيجي التي طالما دعت له دون أن يتحقق وسقطت هي نفسها في حرب أهلية ماكانت لتكون لو جهزت نفسها بما تجهز به جميع الدول جيشها.
لقد كانت سياسة الغموض النووي الهدف منها عدم إثارة انتباه الدول العربية إلى نووية هذا الكيان، وبالفعل نجحت هذه السياسة بالنسبة لمصر /جمال عبد الناصر، كبرى الدول العربية التي سقطت بعده في يد خلفاء له، صارت مشكلة شعبهم الأساسية الخبز فقط. فضلا عن الدول الأخرى التي تدور أصلا ومنذ البداية في الفلك الغربي/الأمريكي التي لا طموح لها في هذا المجال أو غيره من المجالات المهم الاحتفاظ بالسلطة ومراكمة الأموال.
وكانت واشنطن تطالب هذه الدول بتأييد نووية الكيان الصهيوني، بل وتمويل كوريا الشمالية بمليارات الدولارات، إذ تم التوصل إلى الاتفاق معها على إزالة برنامجها النووي، إلا أن ما أثار انتباه الغرب العدو الطبيعي لطموحات الأمة العربية والإسلامية وهو العدو الحقيقي لهذه الأمة نووية إيران الإسلامية، إذ شكلت أول انتباه لهذه الدول ومعها واشنطن والكيان، فقد تم الاتفاق على مناهضة البرنامج النووي الإيراني بعد تصفية الدولة العراقية، وتصفية الدولة الليبية، وإخراج سوريا من التاريخ. وكان المنطق السياسي للغرب المطالبة بإزالة البرنامج النووي الإيراني والكوري دون البرنامج الصهيوني؟ لأن واشنطن أمرت بذلك، بل إن الرئيس الأسبق أوباما طالب علنا بذلك، وأضاف الرئيس ترامب أن واشنطن هي التي تحمي الجميع، وفي خطاب علني أمام ولي العهد السعودي (فعليكم تسليمنا الأموال لأجل الحماية).
وفي كتاب التجربة لوزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس كلينتون حذر من الخطر /البرنامج النووي لإيران وكوريا وكل الدول إلا الكيان الصهيوني، فلم يشر ولا إشارة إلى هذا الخطر، بل على العكس فالخطر من الدول العربية التي لا تملك برنامجا نوويا، لذلك فواشنطن تحرص على الحفاظ على الأنظمة العربية ومساعدتها على البقاء لأنها تتبع هذه السياسة، حتى لا تتطور إلى دول قوية بل مجرد أنظمة تنتظر المساعدة أو الحماية حسب الأحوال وتجر شعوبها إلى الفقر والتجويع والهوان برعاية واشنطن /الغرب.
السلاح النووي الصهيوني
قامت أوربا الغربية والولايات المتحدة بمساعدة الكيان الصهيوني بشكل كامل لبناء قوة نووية. وكانت فرنسا هي المبادر الأول لمساعدة الكيان الصهيوني، عندما زار المسؤول الفرنسي ” فرانسيس بيرن “ فلسطين المحتلة في الخمسينات، حيث بدأ التعاون الفرنسي الصهيوني وبعده الكندي خلال 1956 ببناء المفاعل النووي ” كيروس”. وخلال السنوات التالية لهذا التاريخ، كان شمعون بيريس – باعتباره رئيس الهيئة النووية الإسرائيلية – هو المكلف بإجراء المفاوضات مع الغرب، لامتلاك السلاح وبمساعدة الفرنسيين تم بناء مفاعل ” ديمونا ” عن طريق شركة ” سون” الفرنسية. وبعد الأزمات مع فرنسا في الستينات، في عهد الجنرال ديغول ضعف هذا التعاون إلا أن دولا غربية أخرى مثل كندا وواشنطن وبشكل “ سري ” دعمتا القوة النووية الصهيونية. وبالنظر إلى التعاون الفرنسي القديم فإن فــــرنســا والكيان الصهيوني كانا متقاربين في التكنولوجيا النووية، فقد فجرت فرنسا قنبلتها النووية بصحراء الجزائر في 1960، تلتها تجارب نووية فرنسية إسرائيلية مشتركة بين فرنسا والكيان الصهيوني هناك.
لقد كانت الإمكانيات النووية الصهيونية – إذن – في مستوى نظيرتها الفرنسية، غير أن البرنامج النووي الصهيوني تم إخفاؤه بادعاءات مختلفة خوفا من إثارة اهتمام العرب خاصة مصر، وسوريا، والعراق، واستمر ذلك إلى حين إجراء التجربة النووية المشتركة في جنوب افريقيا في 1980، كما جاء في تصريحات ” مورد خاي فعنونو “ الباحث النووي في معهد “ديمونا “.
ويمتلك الكيان الصهيوني بالإضافة إلى السلاح النووي أسلحة كيميائية وبيولوجية منها مصنع لإنتاج الغازات في سوق مدينة الناصرة، ومصنع للكيميائيات في منطقة تدعى بتاح تكفا معمل يسمى مختئيم للكيميائيات والمبيدات في تل أبيب، ومصنع دوريت للكيميائيات في القدس المحتلة، ومصنع هايل في حيفا وتنتج هذه المعامل غاز الأعصاب والغازات الكاوية والخانقة والنفسية، وفيما يتعلق بالقدرات البيولوجية فواشنطن تتعاون مع الكيان في مجالات الجمرة الخبيثة والكوليرا والجذري والحمى الصفراء، علما أنها استخدمت غاز سيانور في حرب لبنان في 1982.
أما البرنامج النووي العراقي الذي كان حديث عهد بالانطلاق، فقد تعرض لهجوم في 1981، عندما تم تدمير المفاعل النووي ” تموز “ – لم يكن العراق قد وزع منشآته النووية مثل إيران – بمساعدة لوجستية من أمريكا، وفرنسا، وبعض الدول ذات الحدود المشتركة مع العراق. وفي 2007 جاء الهجوم على دير الزور السورية، بدعوى وجود منشاة نووية. ولم تتخذ سوريا أي رد مضاد مما جعلها هدفا ” لهجوم “ المؤسسات والدول الغربية فيما بعد. لأن السياسة العالمية لا تعرف التعقل، أو التساهل، أو احترام المواثيق والتعهدات، أو الإسترضاء، أو إظهار المرونة، ويعتبر هذا وهنا في العلاقات الدولية، لأن العضوية في المجتمع الدولي تستلزم القوة النووية، ففي مجلس الأمن يعتبر حق النقض منحصرا في الدول النووية. ما قبل 1967 وذلك وفق معادة 1968 .
وحسب التقارير الدولية فإن القوة النووية الصهيونية تتألف من طائرات بعضها يستطيع حمل رؤوس نووية مداها 1600 كلم، إلى 5400 كلم، وصواريخ باليستية مداها 1500 إلى 1800 كلم، وكانت أول تجربة باليستية في 1/6/2001، لصاروخ من نوع أريحا 1، ثم أريحا 3 الذي يبلغ مداه 4000 كلم في يناير 2008، وغواصات نووية نوع دولفين . وقد زودت ألمانيا الكيان الصهيوني بعدد من الغواصات النووية مجانا. ويمتلك الكيان حوالي 200 رأس نووي ويتوفر على مادة اليورانيوم لصناعة حوالي 120 رأسا نوويا جديدا.
والكيان الصهيوني حـــالـــيا وحـســب تقارير مراكز الأبحاث العالمية، يملك ما بين 100 إلى 220 رأسا نوويا. وقد أجرى تجارب لصواريخ بالستية. كما زودته ألمانيا بثلاث غواصات نووية بثمن رمزي آخرها في مارس 2012، وألمانيا هي العنصر السادس في الدول التي تحاور إيران لتدمير مفاعلاتها النووية.
*باحث