‏آخر المستجداتلحظة تفكير

*عبد الله العلوي: انتصار القبيلة في المملكة العربية السعودية

في محاضرة له بجامعة أكسفورد بلندن، ألقى سفير المملكة العربية السعودية في لندن خالد بن بندر بن سلطان، محاضرة ضد دينية الأسرة السعودية، فقد صرح أن العائلة  السعودية لم تنتسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تعتمد الإسلام بل انتصرت على القبائل الأخرى وهكذا، ومن المعروف أن هذا السفير هو نجل السفير الأسبق للمملكة لمدة 25 عاما بواشنطن ورئيس المخابرات السعودية الأسبق بندر بن سلطان، وأخته –أخت خالد– هي سفيرة نفس المملكة بواشنطن، ووالدتهما هي هيفاء بنت الملك فيصل بن عبد العزيز الذي اغتيل في 1975، وأهمية هذه المحاضرة التي لا يمكن إلا أن تكون رأيا رسميا للحكام الجدد في السعودية، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي، والذي يتابع الشأن السعودي سيلاحظ أن لقب خادم الحرمين الشريفين الذي ظل لقب كل من يتولى المنصب الملكي في السعودية منذ تولي الملك فهد بن عبد العزيز قد ألغي تقريبا، كما أن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة سبق له أن صرح في لقاء تلفزيوني أن الأمير محمد بن سلمان يهدف إلى إلغاء الطابع الديني للدولة السعودية، أيضا فإن الإمارات العربية انخرطت هي الأخرى فيما عرف ب “الدين الإبراهيمي“، ومن خلال محاضرة الأمير خالد بن بندر سفير المملكة بلندن يتضح أن الأمير هذا يتجاهل أو “ لا يعرف” التوافقات بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب و آل سعود في إمارة الدرعية، حيث تم القضاء على القبائل الأخرى وهي قبائل قوية على رأسها آل الرشيد وللسيطرة على الحجاز وطرد آل البيت من الأماكن المقدسة، وبالرجوع إلى تاريخ النظام السعودي أو العائلة السعودية، فبعد طرد الشيخ محمد عبد الوهاب من منطقة العينية من طرف أميرها عثمان بن حمد سارع إلى الانتقال إلى منطقة الدرعية التي كان أميرها محمد بن سعود، كان ذلك سنة 1744م، وقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب حربا على البدع والقبائل، بعد أن التحق به أنصاره في الدرعية، وبدأ يغزو جيرانه ويقتسم مع الأمير محمد بن سعود المداخيل: الخمس للأمير والباقي للجُنُد إلى أن توفي الأمير في 1765م، وخلفه الأمير عبد العزيز، وفيما بعد سعود وعبد العزيز، ومصطلح أمير هنا لا يعني السمو أو السلطة، بل يعني قائد الجماعة أو رئيسها، فلم يك له المعنى الذي أصبح فيما بعد، فالشيخ محمد عبد الوهاب هو الذي دعم الإمارة الصغيرة بأنصاره وبالاستيلاء على الأموال من المناطق والقبائل الأخرى ودعم إمارة الدرعية وإعطاءها الشرعية التي كانت تحتاج إليها وبإلحاح، فضلا عن الدعم المعنوي والمادي حتى وفاته في 1792م. وكان ذكيا وخطيبا مفوها ومقاتلا حارب البدع –كما رآها- بل هو الذي علم سكان الدرعية استعمال السلاح، وقد أصبح الاسم الرسمي/المشهود لأسرة محمد عبد الوهاب آل الشيخ. وكان “للمذهب” الوهابي -أو الحنبلي على الأصح- خصوم في الجزيرة العربية وعلى راسهم شقيقه الشيخ حسن بن عبد الوهاب وغيرهم، لكن الشيخ محمد عبد الوهاب كان مقتنعا بالقضاء على البدع كما تصورها وتوحيد الجزيرة العربية، ومن قيادة وأفكار وكتب وفتاوى الشيخ محمد عبد الوهاب تأسست المملكة العربية السعودية في الأولى مابين 1811-1745م، وفي المرحلة الثانية 1843/1865م، ثم إمارة الرياض في 1902م، ثم نجد في 1914م، وحركة الإخوان في 1926م، وبالتالي فإن الادعاء “الجديد” بكون الأمر يتعلق بقبيلة انتصرت على باقي القبائل يفتقد إلى الدقة، إذ أن الشيخ محمد عبد الوهاب وأنصاره وأفكاره فيما بعد لعبت الدور الأساس في تأسيس إمارة الحجاز / نجد التي تحولت إلى المملكة العربية السعودية وبالتأكيد تأسست بالإسلام، وساعد النظام بريطانيا التي تواجدت بالمنطقة وتم القضاء على باقي القبائل وتوحيد الأراضي الحجازية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمان آل سعود المتوفي في 1953م والذي تأسست على يده المملكة بتاريخ 1932م، وزاد اكتشاف النفط من تقوية النظام الجديد ووحدة المملكة وهو أمر إيجابي كان له الأثر الكبير، إذ الوحدة التي تمت بالقتال والمصاهرة والاستمالة بالمال أدت في النهاية إلى تأسيس الدولة السعودية التي تبلغ مساحتها حاليا 2,15 مليون كيلومتر مربع، وأضيف لها فيما بعد أجزاء من اليمن المجاورة. وعندما تأسست باقي أقطار الخليج فإن المملكة صارت أقوى دولة في المنطقة أو الأخ الكبير وبتحالف مع واشنطن، وباتفاق على أن لا تكون هناك دولة عربية قوية في المنطقة، فتم القضاء على النظام الناصري في مصر والنظام البعثي في العراق، لكن التوافقات بين النظام السعودي وورثة الوهابية الشيوخ -وليس أسرة آل الشيخ- ظل مستمرا خصوصا بعد حركة جهيمان العتيبي في 1979م، وهو ضابط في الحرس الوطني قاد حملة احتلال الحرم المكي مع أنصاره بعد أن نصبوا شخص يدعى القحطاني خليفة للمسلمين، لكن الحركة فشلت بعد تدخل القوات العسكرية المحلية والخارجية وتمت تصفية حركة جهيمان، كما تم قبل القضاء على الحركات المعارضة، لكن تم تجديد الاتفاق السعودي/الوهابي وانخرطت المملكة في مرحلة أخرى تميزت بالمشاركة في حرب أفغانستان 1979 ومساندة الحركات المعارضة لحكم حزب الشعب الماركسي المساند من طرف الاتحاد السوڤياتي، وتعزيز حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمويل جماعات التبليغ في مختلف أنحاء العالم خاصة العالم الإسلامي، وبعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز الذي واجه دخول القوات العراقية لإمارة الكويت في 1991، وتواجد القوات الأمريكية في الأراضي المقدسة الذي رفضه الجزء الأهم من الشعب وعلى رأسه الشيخ أسامة بن لادن الذي تولي زعامة منظمة القاعدة خلفا للفلسطيني عبد الله عزام الذي اغتيل في أفغانستان في 1989 من طرف جماعة يقودها زعيم الحزب الأفغاني شاه مسعود والذي اغتيل من طرف تونسيان في 2011-09-10، قبل يوم واحد أو أقل من هجوم 11 شتنبر في نيويورك الذي كان لتداعياته تغييرات وحروب على مستوى العالم، وبعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز تولي الملك   عبد الله بن عبد العزيز الذي صار على نفس النهج، وعاصر حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وأفغانستان، إلا أن وفاة الملك عبد الله سنة 2015، وتولي سلمان بن عبد العزيز عرفت تغييرات منهجية وفكرية، خاصة أن ولي العهد محمد بن سلمان له رأي آخر، فأعلن الرؤية الثلاثين 2030 لتحويل المملكة إلى مشروع اقتصادي وسياحي والاستثمار في الترفيه وتم الإتيان بشخص يدعى تركي آل الشيخ، وهو بالمناسبة يزعم أنه أحد “حفدة” الشيخ محمد عبد الوهاب، والذي قاد حملة التغيير الثقافي وسط الجماهير وذلك بنشر ثقافة الغناء والحفلات ومهرجانات السينما والانفتاح، والذي سمي رسميا الترفيه فالشيخ محمد عبد الوهاب اعتمد أفكار الشيخ ابن تيمية، بينما حفدته اختاروا عكس ذلك تماما، وبذلك تم الانفصام بين السلطة والدين وإلغاء اتفاق الدرعية في صمت، وأزيل تقريبا اسم خادم الحرمين الشريفين كلقب للملك السعودي الذي أصبح الملك سلمان بن عبد العزيز بدون إضافة في أكثر الأحيان، وتم حل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتقل الشيوخ الذين عارضوا وتوبعوا بجناية معارضة ولي الأمر خاصة سلمان العودة، وتم اعتقال ولي العهد السابق محمد بن نايف بتهمة محاولة الانقلاب، وتم اعتقال شقيق الملك سلمان الأمير أحمد بن عبد العزيز بنفس التهمة، وتوبع عدد من الأمراء ورجال الأعمال بتهم متعددة أدوا على إثرها مبالغ مالية بمليارات الدولارات وأطلق سراحهم على أن لا يغادروا المملكة مثل الأمير وليد بن طلال رجل الأعمال الشهير والبعض لازال معتقلا، وفي الأخير تم خلق منصب جديد -كان مقتصرا على الملك- هو رئيس الوزارء أسند لولي العهد محمد بن سلمان الذي واجه هجمة أمريكية قادها الحزب الديمقراطي ضد اغتيال الصحافي خاشقجي، واتهام الأمير محمد بن سلمان بكونه وراء الاغتيال، كما تزعم المصادر الأمريكية التي عارضت بشدة عزل واعتقال ولي العهد / وزير الداخلية السابق محمد بن نايف الذي كان علاقة ممتازة بالإدارة الأمريكية.

وبالعودة إلى خطاب أو محاضرة السفير / الأمير السعودي بلندن، فالمحاضرة محاولة لنيل التأييد الغربي للخطوات التي يقودها ولي العهد السعودي لتحديث المملكة بطريقته الخاصة، وتجاوز العداء الأمريكي / للحزب الديمقراطي لولي العهد خاصة اغتيال خاشقجي وهي محاولة ابتزاز ليس إلا وعزل محمد بن نايف. ومن المعروف أن الدوائر اللندنية تلعب دورا هاما في التأثير على الدوائر الأمريكية عبر التاريخ، كون النظامان في لندن وواشنطن تقريبا نظاما واحدا وأفكارهما متقاربة، كما أن المسؤولين الانجليز يقومون بأدوار عديدة لحساب دول الخليج العربي لدى أمريكا ولدى أوروبا عبر المراحل وبمقابل.

(الصورة من الأرشيف )

*باحث

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button