عقدت جمهورية مصر العربية -مساحتها: 1,010,408 كلم2 سكانها حوالي:140,784,00 نسمة- اتفاقا مع حكومة الصومال التي تواجه انفصالا وحرب أهلية شرسة تجعل سلطتها على البلد الغني بالموارد جد واهنة، وهذا الاتفاق يشمل مساعدة مقديشو في بسط سلطتها الكاملة على أراضي الصومال بما فيها دولة أرض الصومال التي أعلنتها جماعة ما كدولة منفصلة، وإن كان الهدف الأساسي والجوهري للاتفاق بالنسبة لمصر سد النهضة الذي شيدته أثيوبيا مساحتها:1,104,300 كلم2 سكانها: 126.905.326 نسمة- والذي بدأت الأشغال فيه منذ 2011، واكتمل بناءه وملئه دون أن تقوم حكومة أثيوبيا
بإجراء أو تعديل الاتفاقات التاريخية سواء منها اتفاق 1855 حول نصيب مصر من المياه، أو اتفاق 1903 الذي يمنع بناء أية سدود على مجرى النهر العظيم الذي تنبع منابعه كبداية من أوغندا ويعتبر شريان الحياة بالنسبة لدولة المصب: مصر. ويعتبر الشعب المصري أن سد النهضة مؤامرة دولية تتشارك فيها عدة دول من أجل إحكام السيطرة عليها، فقد وعدوها بمشروع مارشال بعد اتفاقيات كامب ديفيد 1979 أو هكذا على الأقل ما أكده الرئيس المصري الأسبق أنور السادات -اغتيل في 1981- كما وعدوها بمساعدات ضخمة تنقلها إلى دولة غنية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك -أزيح في 2011- والذي عرف عهده فسادا منقطع النظير في تاريخ الدول، كما ساهم هذا النظام في أزمة السودان -مساحتها: 1,861,484 كلم2 سكانها: 47,958,856 نسمة- التي تشترك مع مصر خاصة في المجرى المائي “النيل الأزرق“.
والحرب الأهلية في السودان التي أدت إلى تمزيق هذا البلد الغني بموارده الزراعية والذي يمكنه تغذية العالم العربي وذلك بظهور دولة جنوب السودان، وتجرى عملية تمزيق ثالثة تقودها منظمات غامضة لتأسيس دولة ثالثة تدعى “كوش“، ومصر غائبة خلال أكثر من 30 سنة عن أزمة السودان، والذي كان حتى العهد القريب جزءا من مصر إذ كان الاسم دولة مصر والسودان، فقد قبلت مصر بالقاعدة المعروفة: السعودية / خليج قوي يعني مصر ضعيفة، بعد أن كان الشعار مصر قوية تعني عالم عربي قوي، وذلك مقابل مليارات الدولارات لشراء المواد الغذائية وبناء السجون للمعارضين وتمويل أجهزة الشرطة وإثراء الطبقة الحاكمة، بل إن مصر تنازلت عن جزء من أراضيها وبحرها خاصة جزيرتي تيران وصنافير، وجزر أخرى بدون إعلان لأبو ظبي، وقبلت نووية الكيان الصهيوني، لكن حتى الأجهزة المصرية الرسمية الموغلة في العمالة اتضح لها أن الأمر تجاوز الصلح مع الكيان الصهيوني، أو مليارات الخليج، وأن الأمر يتعلق بتجويع مصر والقضاء عليها ككيان باعتبارها هبة النيل، فأي نظام مصري حتى ولو وصل إلى العمالة لا يمكنه الموافقة على خطة إخراج مصر من التاريخ وإهانتها ببضع دولارات حتى ولو كان قد قبل به سابقا البعض من المسؤولين. وقد ظلت مصر منذ بداية 2011 تحاول مع أديس أبابا عقد اتفاق ينص على حقوق مصر والسودان على مياه النهر، إلا أن اثيوبيا
تؤكد أن الماء سيصل إلى مصر، دون إبرام اتفاق واضح يحل محل الاتفاقات السابقة، قبل بناء سد النهضة والتي لم يعد لها محل -أي الاتفاقات السابقة- بعد بناء السد، ولما كان هدف دول المنطقة إضعاف مصر إلى الدرجة الذي لا يبقى لها إلا الانهيار، خصوصا أن 96% من أراضيها صحراء وكل سكانها يعيشون في 4% هي مجرى النهر، ولأن لا دولة يمكنها مواجهة مصر علنا في نزاعها مع أثيوبيا، فالكيان الصهيوني قد يغامر -إذا ساند أثيوبيا- باتفاقية كامب ديفيد التي احترمتها مصر حتى ضد القضية الفلسطينية وقتل وتجويع غزة وكذا دول الخليج العربية التي مولت جزئيا سد النهضة خاصة أبو ظبي، والرياض التي استولت على جزر مصر في البحر الأحمر أو هي على أبواب الاستيلاء عليها، لن تستطيعا أيضا إعلان نواياها ضد مصر، لذلك يجري البحث عن دول أخرى لإعانة أديس أبابا في نزاعها مع القاهرة، ويبدو أن الحرب في فلسطين المحتلة ولبنان واليمن والحرب في السودان وفي الصومال قد تنتقل إلى مصر وأثيوبيا، هذه الأخيرة التي استغلت الصراع السياسي في مصر للاستيلاء على النيل، مثلما استغلت تركيا حرب العراق/إيران لبناء سد أتاتورك الذي منع مرور المياه إلى العراق وسوريا خصوصا في سنوات الجفاف.
ملحوظة:
يروي المرحوم أحمد زكي -توفي سنة 1975- صاحب كتابي “مع الله في الأرض” و “مع الله في السماء” والذي كان رئيسا لمجلة العربي في مرحلتها المتميزة -يروى- أنه كان مديرا للري في وزارة الزراعة المصرية في الأربعينيات، وجاءه مهندس يوناني بفكرة ومشروع السد العالي وذهب بسرعة إلى الوزير عارضا وحاثا على تبني المشروع فإجابه الوزير نحن في سنة الانتخابات ولا نريد سدا، ورجع خائبا، وبقي المشروع في أدراج الوزارة حتى جاء الراحل جمال عبد الناصر وتم تشييد السد العالي وإكرام المهندس اليوناني. وقد لعبت مياه هذا السد الدور الحياتي الهام في تاريخ مصر الحديث.
*بــاحــث
ـ الصور من الأرشيف ـ