كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المؤسس في 1959، بعد الانشقاق عن حزب الاستقلال المرحلة الأولى لظهور اليسار الوطني في المغرب، كان الخلاف ذا أبعاد حول المرحلة مابعد الاستقلال، فالاتجاه الأول يؤكد على تحويل المنافع التي كان يستغلها الأجانب إلى المغاربة* ومحاربة الفقر بالعمل، وماعبر عنه الراحل الأستاذ علال الفاسي -توفي في 1974- بـ «التعادلية» لكن الجناح الآخر أكد على تحويل المغرب إلى دولة ينتفع منها الشعب بكل فئاته من هذه المنافع عبر التأميم وتوزيع الأراضي ووضع مؤسسات شعبية ومنع وتحريم الإثراء الفردي، وهو ماعبر عنه تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تأسس وذ.عبد الله إبراهيم رئيسا للحكومة -1958-1960- التي وضعت في برنامجها وتصميمها الخماسي هذه الآمال، لكن بعد إقالة الحكومة في 1960 وعقد مؤتمر الحزب الثاني في 1962، وانتخاب قيادة جماعية من 10 أعضاء الشيء الذي أدى إلى خلافات كان الاتحاد المغربي للشغل بقيادة الراحل المحجوب بن الصديق أحد أسبابها، وانتهى الأمر إلى بيانات 30 يوليوز 1972 التي أعلن فيها الجناح -الذي سمي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما بعد- بأن المرحلة لم تعد مناسبة إطلاقا للوحدة الحزبية والنقابية السابقة.
وكانت المحاولة الانقلابية في 16 غشت 1972، لا يفصلها إلا 17 يوما عن بيانات 30 يوليوز 1972، بعد هذه المرحلة وفي 1974 أعلن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة عبد الله إبراهيم مؤتمره الرابع، وبعده بسنة في 1975 عقد الاتحاد الاشتراكي مؤتمره أيضا، وبذلك تم الانفصال وازداد الخلاف شراسة خاصة أن الاتحاد الاشتراكي بعد هذه الفترة تميز بحيوية ونشاط إعلامي وطلابي وتواجد على الساحة، الشيء الذي لم يواكبه الاتحاد الوطني الذي اقتصر على بعض المدن وعلى إعلام متعثر وبيانات متباعدة وتواجد طاغي لشخصية عبد الله إبراهيم، وفي 1983 عقد الاتحاد الوطني مؤتمره الخامس، وظهرت خلافات أثناء المؤتمر وتقرر انتخاب الأمين العام لمدة 7 سنوات وانتخاب باقي الأجهزة خلال ستة أشهر عن طريق جمعية وطنية، إلا أن هذه الجمعية لم تعقد وبقي الأمين العام فقط وبدون أجهزة حزبية باستثناء مجلس وطني ينعقد بين الفينة والأخرى، وإصدار بلاغات عنه حسب الظروف والأحداث السياسية وأحيانا تصدر عن المجلس الوطني المفتوح. وكان الراحل عبد الله إبراهيم عندما يلاحظ أحد حيوية حزب الاتحاد الاشتراكي، يجيب: “ذاك حزب بني على سوء تفاهم” وهي شفوفية ثاقبة.
وقد عرف عن الراحل ثقافته الواسعة باعتباره خريج جامعة ابن يوسف، فضلا عن كونه خريج جامعة باريس وأستاذا للعلاقات الدولية، وفي تقاريره أمام مؤتمرات الحزب الثاني 1962 ، والرابع 1974، والخامس 1983، أكد على الإيمان ضد الإلحاد، وأكد على الاشتراكية في جانبها العلمي، لا المادي الجدلي وعلى المرتكزات الإسلامية، حتى أنه وضع كتابا تأثرا بالثورة الإسلامية في إيران هو “الإسلام في آفاق سنة ألفين”، لذلك فإن حركات الإسلام السياسي خاصة العدل والإحسان انفتحوا عليه، وكان الراحل عبد السلام ياسين بعد أن أسس مجلة الجماعة ووضع مشروع “المنهاج النبوي ومشروع وحدة العمل الإسلامي بالمغرب” قرر اللقاء مع الراحل عبد الله إبراهيم -توفي سنة 2005-، وكان اللقاء الأول في 1979، وبعده تمت عدة لقاءات في محاولة للقيام بمشروع مشترك أو على الأقل وضع الأستاذ عبد الله إبراهيم في صورة العمل الإسلامي الذي قام وسيقوم به الأستاذ عبد السلام ياسين -توفي في 2013-، وكان قد زار أيضا الراحل المحجوب بن الصديق -توفي في 2010-، ويبدو أن الأمور لم تتطور مع المرحوم عبد الله إبراهيم إلى تعاون حزبي، لكن العلاقة الودية استمرت حتى أن الراحل عبد السلام ياسين أَبّنَ الفقيد عبد الله إبراهيم في 24-09-2005 بكلمة طيبة في مجلس إرشاد الجماعة، أما حركة التوحيد والإصلاح -العدالة والتنمية فيما بعد- فقد اتصلوا بالأستاذ عبد الله إبراهيم منذ البداية، وبالرجوع إلى تاريخ تأسيس العدالة والتنمية فقد مرت في البداية من حركة “الإصلاح والتجديد” التي ترأسها ذ.عبد الإله بن كيران، ثم اندمجت معها “رابطة المستقبل الإسلامي” التي ترأسها الشيخ أحمد الريسوني، وأصبحتا “حركة التوحيد والإصلاح”، وبعد الانخراط مع الدكتور عبد الكريم الخطيب أصبحت “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية” ثم بعد مؤتمر 1997 صارت العدالة والتنمية، وكاد أن ينجح تأسيس حزب يندمج فيه الطرفان خاصة حركة التوحيد والإصلاح و بقايا الشبيبة الإسلامية في الداخل مع الاتحاد الوطني. وكان عراب هذه المحاولة ذ.أحمد عبادي* الذي كلف من جهة ما بالاتصال بالأستاذ عبد الله إبراهيم عن طريق المرحومين محمد الحبيب محي -توفي سنة 2020-، والصديق الغراس -توفي سنة 1996- وآخرون، وهما من الحركة الوطنية بمراكش أثناء مرحلة من مراحل الاستعمار الفرنسي 1912-1956 أو من بعض المناضلين في مرحلة الاستقلال، وغير معروف بدقة كيف بدأ الحوار مع الأستاذ عبد الله إبراهيم وحركة التوحيد والإصلاح، فالبعض يؤكد أن الحركة هي التي كلفت ذ.أحمد عبادي بالاتصال في إطار الاندماج المقبل الذي لم يتحقق مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والبعض يؤكد أن المبادرة كانت من طرف أحمد عبادي الذي كان عضو المكتب التنفيذي للحركة، فهو الذي أقنع بها الحركة لأنه كان على علاقة جيدة بأعضاء الاتحاد الوطني بمراكش خاصة ، فضلا عن تقديره الكبير -السابق- لعبد الله إبراهيم ، إلا أن جهات عليا -كما يبدو- لم ترضى بهذا الانخراط فكلفت الدكتور الخطيب بحضانة الحركة.
كان أعضاء ماعرف فيما بعد بالعدالة والتنمية يبحثون عن “بيت سياسي” أو حزبي مع قيادة لشخصية ذات أبعاد وطنية وقد وقع اختيارهم على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتباره في نظرهم فارغ ولا يتوفر على مؤسسات حزبية ولا توجد فيه حياة حزبية /سياسية، كما يتوفر على شخصية وطنية لها قيمة كبيرة على الصعيد الوطني. وبدأت اللقاءات في سنوات 1994 و1995 و1996 التي وصلت إلى خلوة بمنطقة آسني/مولاي إبراهيم استمرت 4 أيام، ومن المعروف أن الحركة الإسلامية/الحزبية بالمغرب ابتدأت مع جمعية الشبيبة الإسلامية في 1967 التي أسسها عبد الكريم مطيع الحمداوي، والتي عرفت انشقاقات عديدة بعد 1975، فقد خرجت منها حركة إصلاحية تنبذ العنف وتدعو إلى الدعوة والإصلاح هي حركة التوحيد والتي انبثق منها فيما بعد حزب العدالة والتنمية، والذي تجرى محاولات لتغيير اسمه حاليا، ومنها -أي الشبيبة الإسلامية- انبثقت حركة المجاهدين التي أسسها عبد العزيز النعماني والبديل وحزب الفضيلة ، وقبل هذه المرحلة تم التفكير في تأسيس حزب باسم: التجديد الوطني، بل وصدرت جريدة تدعى “التجديد” للتهييء الإعلامي له، إلا أن البعض فكر في البحث عن تنظيم متوفر والانخراط فيه مع وجود شخصية عامة أو وطنية تشرفه، فكان الاتصال بالراحل عبد الله إبراهيم باعتباره قامة وطنية وحزب بدون أجهزة في رأيهم -كما ذكرنا سابقا-، وقد استمرت اللقاءات التي شاركت فيها شبيبة حزب التجديد أو العدالة والتنمية، إلا أن الاتصالات توقفت، والاجتماعات كذلك لأن الأجهزة الرسمية -كما يبدو- لم تقبل حزب يرأسه عبد الله إبراهيم، ويُذكر بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان من أعضاءه ذ.المهدي بن بركة -توفي في 1965- وذ.عبد الرحيم بوعبيد –توفي في 1991- والفقيه محمد البصري -توفي في 14 أكتوبر 2003- وغيرهم، وتم فتح لقاءات مواكبة مع الدكتور الخطيب، فالأستاذ عبد الإله بنكيران بدأ يتخلف عن الاجتماعات التي حضرها أحيانا الدكتور سعد الدين العثماني نيابة عنه، وفجأة تم الإعلان عن مؤتمر لتأسيس الحزب -بدون الاتحاد الوطني- لكن وزارة الداخلية رفضت الإذن له في البداية بالانعقاد في مكان عام فتقدم الدكتور عبد الكريم الخطيب -توفي في 2008 – الذي تولى حضانة الحركة وأشرف عليها وقدم منزله كمكان لانعقاد المؤتمر بالرباط، ولم تتدخل وزارة الداخلية هذه المرة لمنعه وهكذا تم الاندماج في الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. والانخراط في نقابة هذا الحزب “الاتحاد الوطني للشغل“، وفيما بعد تم تغيير الاسم إلى العدالة والتنمية ويطرح السؤال: كيف كانت الأمور ستجري لو انخرط الحزب القومي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع حزب العدالة والتنمية كما عرف لاحقا!
ملحوظة:
- ذ.أحمد عبادي هو الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء حاليا.
- تحقق برنامج التعادلية “بطريقة” أخرى غير التي طرحها الراحل ذ.علال الفاسي وهي المغربة في 1973، حيث تم نقل نصف أملاك وشركات الأجانب إلى بعض المساهمين المغاربة.
- تساءل ذ.عبد الله إبراهيم مرات عن سر غياب ذ.عبد الإله بنكيران عن الاجتماعات الأخيرة .
*باحث