ليس بين أيدينا عدد القضايا المتعلقة بنزاعات الشغل أمام المحاكم المغربية و البعض يؤكد أن نسبتها ضخمة إذ تعادل نسبة 25%من القضايا المعروضة على المحاكم ككل، ورغم قيام المشرع المغربي بجمع القوانين الموزعة في مختلف الظهائر و المراسيم و اللوائح في مدونة واحدة منذ 11-9-2003 بالقانون رقم 99/65 ، فإن هذه القضايا تتكاثر بمتواليات هندسية:2-4-8-16-32… وخطورتها على الإنتاجية مدمرة. كما أنها تعيق الاستثمار وتخوف الرأسمال الوطني . فضلا عن حقوق الشغيلة والنسيج الاجتماعي، فعدد القضايا أمام المـحاكم تتزايد ونصفها تقريبا 50% يحكم بعدم قبول الطلب، والنصف الآخر بتعويضات عن الضرر أو الطرد التعسفي و مهلة الأخطار أو بقية الأجر والعطلة والإعفاء.
ومدونة الشغل تحدد التعويض عن الضرر أو الطرد في: أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل، فلو افترضنا أن الأجير يتقاضى 3000 درهم فتعويضه 4500 درهم عن كل سنة عمل، إلا أن التساؤل يطرح ما هي حقوق الأجير الأساسية ؟.
هل هي التعويض أم العمل في حد ذاته الذي يحمي كرامته وعائلته من الفاقة كما يضاعف الإنتاجية ويهدف إلى الاستقرار الاجتماعي فالأجير عندما يتعرض للطرد أو الإعفاء أو الفسخ يرفع الدعوى و قد يلجأ قبل إلى مفتشية التي تحرر له ورقة لرفعها للمحكمة فيبدأ بمسيرة من المواجهات مع المشغل أو المقاولة أو الشركة أو أي شخص عادي فيجب عليه إثبات العلاقة والأجر. وكون الطرد كان تعسفيا وهذا الأمر يستغرق سنة وأكثر أحيانا وينتهي الأمر بإحدى حالتين عدم قبول الدعوى أو الحكم بتعويضات ما. فتأتي مرحلة الاستئناف و نبدأ في سنة أخرى أو سنتين وقد تأتي مرحلة النقض فيلغى القرار الذي كان قد نفذ لمصلحة العامل و قد يحكم على الأجير بإرجاع المبالغ، هذا الدرب الطويل وغير المضيء يؤدي إلى فقدان الأجير قدرته على العمل، في الانتظار أن يأخذ ملايين تتحول إلى ملاليم و في النهاية يجد نفسه بالمبلغ المحكوم به -افتراضا- لا يغطى الديون التي تراكمت عليه و الأتعاب، و يتحول إلى التشرد الاجتماعي وبالتالي يفقد المجتمع عاملا منتجا كان يعيل أسرة و يساهم في الإنتاج الوطني؛ فماهو الهدف الأساسي للإجراء : الأجر المناسب للعمل وحقوقه في الصحة و التقاعد و عطلته و العيش الكريم ، مقابل العمل الذي يؤديه بصدق وأمانة، فالهدف ليس التعويضات الهزيلة ، واللجوء إلى المحاكم والإدارات فهذا لن يجعله ينال أي حق فهذه أوهام فالنصوص القانونية خاصة : المواد 53 إلى 59 من مدونة الشغل وغيرها ليست هدف الأجير أو أسرته أو المجتمع ككل، فالهدف أن يستمر في عمله أو عمل آخر وأن يطمئن اجتماعيا ، وأن يتعالج و يتقاضى أجرا و تقاعدا مريحا: ذلك أن العمال والمستخدمين أو الأجراء بصفة عامة مع أرباب العمل والمشغلين أو المقاولات و الشركات يجب أن يكون لهم الحق في مغادرة العمل أو فسخ العقد وقتما يكون الهدف مشروعا مع ربط هذه المغادرة أو الفسخ بمهلة الأخطار أي منح أحد الأطراف مهلة مدفوعة الأجر لتسوية وضعيته.
وهذا الأمر يجب أن يكون مشروطا بكون صاحب العمل قد أدى المخصصات الاجتماعية من واجبات التقاعد والتأمين الصحي وفي حال الطرد بدون ذلك يلزم صاحب العمل بأداء التعويضات القانونية ويجب تعديل الفصل 15 من ظهير 1973 المتعلق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يحمل الأجير واجب تسجيل نفسه في هذا الصندوق مما يؤدي إلى النزاعات وطرد العامل المصرح ، بل تلزم المقاولة أو المشغل فقط إجباريا بذلك وتقتطع نسبة 4% عن كل مبلغ لأجير مسجل بالصندوق الوطني و يحول المبلغ إلى صندوق التعويض عن فقدان الشغل و في حال مغادرة الأجير لعمله بسبب الطرد أو إفلاس المقاولة أو إنقاص عدد العمال فصندوق فقدان الشغل يؤدي الأجر أو الحد الأدنى منه إلى الأجير لمدة معينة أو محدودة ليجد عملا و يؤدي أيضا صندوق التعويض عن الفقدان الواجبات المتعلقة بالتقاعد والتأمين الصحي عن الأجير الذي فسخ عقده خلال المدة المنصوص عليها، وبذلك سنكون وضعنا بناءا إجتماعيا لصالح العمال والعاملات وأسسنا وضعية واضحة لصالح الاستثمار الوطني قبل الأجنبي فضلا عن الاطمئنان الاجتماعي.
*باحث
ـ الصورة من الأرشيف ـ