لا يتعلق الأمر هنا بمسألة الاعتراف الكوني بالمرأة في سياق جدل الذكورة والأنوثة، كما هو الشأن بالنسبة لجدل السيد والعبد على نحو هيجلي، لأن المسألة لا علاقة لها بصراع عنيف حد الموت بين الرجل والمرأة من أجل نيل الاعتراف، وإنما بصراع ناعم بين نزعتين بطريركية أو أبيسية منغلقة على ذاتها الذكورية، وبين نزعة إنسانية منفتحة على غيريتها أو بالأحرى على مجالها البيإنساني الخاص، حيث لا يكتمل الاعتراف بمجرد حصول اعتراف شامل ومتكافىء بين طرفين يتنازعان السيادة والوجود، لأن المرأة لم تدخل هذا الشكل من الصراع قط، إلا على نحو غير مباشر، أي من خلال صراع لم يكن يجري إلا بكيفية أبيسية صرفة، حتى وإن كانت هي طرفا فيه. لأن مهمة المرأة بالأساس لا تنبع من قوة غاشمة أو من حركة عنيفة موجهة ضد آخر، قصد استعباده أو الهيمنة عليه، أو إخضاعه للذات، بقدر ما كانت تنبع دوما من قوة ناعمة أو بالأحرى من قوة مناهضة للعنف والصراع على الوجود.
لذلك ترمز المرأة على الدوام للسلم والتساكن البشري. إلى الحد الذي يمكن أن نقول فيه أن مجرد وجود المرأة هو رمز للسلم والتعايش البشري، للتسامح ولفضيلة الجوار، للقرابة ولقيمة العيش الآمن داخل الفضاء الحر لسكن البشرية جمعاء. لهذا السبب وحده يمكن أن نعتبر المرأة هي الانكشاف الأخير للكينونة المشتركة، وذلك لأن الوجود لا ينعطي فقط من خلال الأنثى، كرمز للخصوبة والتعدد، وإنما لكونه ينكشف من خلال المرأة كاختلاف وكتعايش وكاقتدار على إبتكار نمط الوجود الناعم الذي يشمل البشرية جمعاء. وهذا معناه أن المرأة هي شرط إمكان الحقيقة الإنسانية، كاعتراف غير مشروط بتاتا، وكاختلاف غير مقيد بأية هوية، وكعطاء من غير مقابل، وكإيواء للغير من غير ولاء، وكمنبع للقيمة والمعنى والغاية، أي كتجل أخير لإنسانية بلا حدود.