1 ـ بنية الانتماء
تنشأ اللغة في بنية الانتماء وليس في عرف الانتساب؛ أعني أن اللغة بما هي لغة وجود ناطق، تنطوي على الكائنات اللغوية برمتها بمقتضى مبدأ للغيرية سابق أنطولوجيا على مبدأ التطابق أو عرف الانتساب، إذ يستحيل أن تختزل لغة ما في ذات كائن ناطق ما، وإلا لتحولت إلى أداة في جوف هويات متناحرة، لا تتخذ من اللغة مأوى للكينونة، بقدر ما تستغلها، بمقتضى عرف الانتساب، كعقيدة لهوية شوفينية معادية لكل انتماء حر للغة كبيت حر يتسع للجميع.
2 ـ اللغة بوصفها أعظم كمالات التعبير
بمجرد ما تنجذب لغة ما، بوصفها لغة حية، نحو حركة الوجود، وتتخذ لذاتها موقعا في أفق عالم متحول بلغ من السرعة أقصى درجاتها، من شدة كثافة الأحداث the events ،وتعاظم أحوال الصيرورة في مجرى سائل بدون هوادة، بدون قرار مكين، وبدون معطى سابق، فإنها تبلغ أعظم كمالات التعبير، كونها تتوفر على إمكانيات لا متناهية من أساليب القول، وأشكال الخطاب، وكونها سابقة أنطولوجيا على كل معايير تنميط الخطاب التي لا تتجلى كقول، بل كمقول للقول. لذلك فليس بإمكان الموجود البشري من حيث هو حريص على النمط أن يطوي اللغة في بطنه العسير الهضم، بل إن اللغة من حيث هي لغة حياة، هي من تمنح الكائن الإنساني إمكانية الاقتدار على اللغة، لا وفق مقتضى المقول كمعطى جاهز، وإنما وفق مقتضى القول، كإمكانية لابتكار أفق تعبير جديد. بعبارة أخرى إننا لا نحافظ على اللغة بقدر حرصنا على اتباع نمط المقول، بل بابتكار إمكانيات مغايرة تنبع كقول، كما لو أنه قيل لأول مرة، وحتى لو تحدثنا هذه اللغة المعهودة لدينا، بكيفية غير معهودة.
3 ـ بصريح العبارة ..
اللغة العربية لغة حية بالتأكيد، لا لأنها تحافظ على شرط الفصاحة من حيث هو حفاظ على سلامة النطق كإخراج للحروف من مخارجها الأصلية، أو على سلامة الشكل كضبط لعلامات تظهر في أواخر الكلمات، وكأنها شرط ضروري لحصول المعنى، وفق ما تقتضيه قواعدالإعراب؛ بل لأنها كلغة كباقي اللغات الحية، تنقال بأوجه متعددة، ومنها استعمال التسكين كأسلوب سليم، وقديما قيل لتجنب إحراج الإعراب، اجزم تسلم، ومنها أيضا استعمال الإدغام للتخلص من الثقل، ومنها أيضا إهمال إخراج بعض الحروف الزائدة عن المطلوب كالذال والظاء وغيرهما، مما يقتضيه لسان الحال في التعبير عن حركة اللغة المتجهة توا نحو بناء المعنى، أي وفق سياق التركيب، أي في سياق اللغة عينها، لا وفق سياق علامات وأشكال مرسومة وكأنها غايات في حد ذاتها. بصريح العبارة لم تعد العربية في حاجة قط للإعراب، لأنه ليس هو شرط حصول المعنى في عمليات التواصل والفكر، ولا في حاجة إلى نطق للحروف من مخارجها بالكيفية التي تعيق تحقق جريان المعنى والفكر في لغة حية تقتسم العالم مع بقية اللغات الأخرى في مجرى التاريخ.
4 ـ
يمكن القول إن الإنسان حر من حيث المبدأ، لا من حيث الواقع. إذ أن الحرية ليست معطى سلفا لكائن بإمكانه أن يكون حرا أو لا يكون، ولا من حيث مقتضى حكم صوري، إذ أن الإنسان ليس محكوما بالحرية، كما يزعم سارتر، ولو كان كذلك لكانت الحرية ماهية سابقة على الكينونة، ولكان الإنسان لا يملك أي خيار آخر سوى أن يكون حرا، ولانتفى شرط العبودية على الإطلاق. والحال أن الإنسان حر من حيث المبدأ لا غير، أي أنه، بما هو إنسان، فإنه يكون مقتدرا على الحرية. من جهة أخرى ليست الحرية من قبيل العدم، بل هي من قبيل الإثبات بما هي غاية تنبع من المستقبل، لا لأنها معطاة فيه، بل لأنها ناتج سعي حتيت أو عن اقتدار على جلب الحرية إلى المجال الخاص للكينونة، أما العبودية فهي وحدها من قبيل العدم، ككيفية للعجز عن الوجود، وعن ابتكار الكينونة، وبالتالي كتعبير عن الضرورة، من حيث وجود غفلي، بدون أفق ومن غير مستقبل أو تاريخ.
5 ـ
التفلسف فضيلة الفكر، كون التفلسف ينتمي كباقي الممارسات الفكرية الأخرى للدائرة الأوسع للفكر، شأنه شأن أي فكر آخر ينبع عن مجالات أخرى عديدة غير الفلسفة؛ حيث إن الفكر لا يقتصر على الفلسفة وحدها، إذ يتعذر على الفكر أن يختزل في الفلسفة، أو أن تشمل أو بالأحرى أن تحتكر الفلسفة الفكر بعامة، حتى ولو قلنا بأن ثمة فلسفة للعلوم الفيزيائية والرياضية، و فلسفة للفنون والاقتصاد والاجتماع، فإن ذلك لا يعني سوى أن الفلسفة تتقاسم مع مجالات أخرى موضوعات الفكر المشتركة، بحيث لا يمكن للفلسفة أن تحتوي الفكر الرياضي أو الفيزيائي أو الفني في جوفها. لذلك فكما نسمي الرياضي رياضيا، والفنان فنانا، والفزيائي والفزيائي فيزيائيا، فمن الأجدر أن أن نسمي من يتفلسف فيلسوفا، وليس مجرد مفكر وحسب، حتى ولو كان هو بالفعل مفكرا بمقتضى ممارسة الفكر الفلسفي.