1 ـ ما اللحظة الثانية؟ What is the second moment
ببساطة إنها اللحظة المثنية في اللحظة المعطاة، ليست بوصفها لحظة أولى، ولكن بوصفها اللحظة التي تنعكس فيها هذه اللحظة في مرآة الوجود، وكأنها لحظة أخرى، في حين إنها ذاتها نفس اللحظة التي تنكشف فيها كينونة الكائن، كأعظم لحظة في الوجود. بعبارة أخرى فهي ليست لحظة تالية أو لا حقة next moment, بل هي هذه اللحظة المضاعفة التي لا تقاس بكم التوالي، وإنما بكيف يفتح أفقا لامتناهيا لعيش اللحظة، كما لو أنها اقتطاع من زمن الخلود، ليس لأنها كذلك خالدة بمجرد أنها لحظة، وإنما لأنها اقتدار على إبتكار كيفية نجلب فيها كل لحظة جديرة بالعيش إلى كينونتنا في صيرورة الوجود.
2 ـ الحب هو المنحى الميتافيزيقي للروح، كجسد يمتح من لامتناهي الوجود، و للجسد كروح ينتشي في متناهي الكينونة بوصفها كمالا أعظم. وهذا معناه أن الاقتدار على الحب، إنما ينبع من هذه الحركة التي نستطيع من خلالها أن أن نستعيد فيها هبة اللامتناهي بوصفها انكشافا لغاية لا تتحقق إلا في كائن متناه، بوصفه مرغوبا فيه بحد ذاته، كمحبوب نسعى أن نمنحه الوجود برمته. لذلك كان الحب بمثابة ميتافيزيقيا لدلرغبة لامتناهية تنكشف دوما في كائن متناه، نختبر من خلاله قدرتنا على تجريب هذا الفيض اللا متناهي من الحب الذي يتدفق بلا حدود.
3 ـ الحب منشأ الكينونة، أما الكراهية فلا تنشئ سوى التعديم، وليس العدم؛ وهذا يعني أن التعديم ليس من العدم في شيء، وذلك لأن العدم منطو في الوجود، ككيفية لتفعيل الصيرورة، أو كنمط حياة لكل موجود متناه ينفعل بالحب في جوف اللامتناهي، حيث الانفعال مجرد حياة عابرة، لا غير، لكنها وإن كانت عابرة فهي لا تقدر بأية قيمة، كونها مفعمة بالحب، وكون الحب هو هذا التقدير اللامتناهي للوجود مع الغير، أو في حضن هذا الآخر الذي نلتقيه بمحض صدفة الوجود. بعبارة أدق ينطوي التعديم في كيان بلا أفق، في كيان مبني للمجهول، كنمط لإضمار الوجود، وإتلاف القيمة، واجتثاث المعنى، وتبخيس الوجود بالمعية، أو بالأحرى كراهية هذا الآخر الذي لم يرتكب جرما يستحق العقاب، سوى كونه يشاركني الوجود. وهذا معناه أن الوجود ليس هو مبعث التعديم، بل هو هذا الكيان أو ذاك الذي لم ينعم على الإطلاق، بنعمة الحب، من حيث لا يحب إلا ذاته، ومن حيث أن وجوده لا يحتمل فضيلة التعايش مع آخرين أو بالقرب منهم، كونه صاغ من التعديم معيار وجوده الخاص، من حيث هو كيان مصطفى أو مختار، ليس بعلة اللا متناهي الخالص الوجود، أو الجوهر من حيث هو جوهر محض، وإنما بسبب كراهية الوجود، كنمط لتعديم هذا الغير، وكتشريع لقتل مجاني، وبدون أي مبرر على الإطلاق، يوجب الرأفة بهؤلاء الأبرياء الذين يتساقطون تباعا، بهذا الفعل الذي يشرع لهذا التعديم الطائش، أو لهذه النزعة البربرية التي ليس لها اقتدار سوى على هذا التعديم الذي لا يحتمله أي كائن كان، ولا حتى الوجود عينه.
4 ـ ينكشف الوجود من خلال الكينونة، وتنكشف الكينونة من خلال مقاومة العدم؛ لذلك ليس العدم شيئا مقابلا للوجود على الإطلاق، كما لو قلنا ثمة وجود وثمة عدم بالمقابل، لأن العدم لا يملك قط هذه الثمة التي تحيل إلى وجود شيء ما، يوجد لأنه كذلك وجود هناك، وبالتالي فليس ثمة عدم يقابل الوجود أنطولوجيا. وإذا كنا نبحث عن هذا العدم، فلن نعثر عليه على الإطلاق. لكن هذا العدم الذي نتساءل عنه ليس إلا كيفية من كيفيات الكينونة، أي الموجود بما هو قابل لأن ينعدم، فلا يعود له وجو د من حيث هو كائن يكون. لذلك لا يلازم العدم الوجود ولكنه يلازم الموجود من حيث كونه ينتزع وجوده، فلا يملك أن يكون كينونته الخاصة. إن العدم ليس قابلا للإثبات إلا من حيث هو هذا النفي المطلق للوجود الذي لا ينبع من ذاته كعدم، بل ينبعث من شيء آخر تلقائيا أو عن قصد. إنه نفي يسلب الكينونة يتشكل من خلال ما يوجد، مما يشكل تهديدا للذات كالأمراض والكوارث، أو كالحروب والقتل والإجرام التي تهدف لإبادة كينونة الآخر. وهذا معناه أن الكينونة هي دوما في مواجهة العدم، وأن السبيل الوحيد لمواجهة العدم إنما هي المقاومة. فلا كينونة من غير مقاومة، لهذا لا تنكشف الكينونة إلا من خلال المقاومة ليس فقط كرغبة في مجرد الحفاظ على مجرد البقاء، وإنما أيضا كرغبة في إبتكار التاريخ من حيث هو تاريخ كينونة ليست جديرة بحق الوجود والحق في الحياة فقط، بل هي جديرة أيضا بالكرامة التي تنكشف من خلال المقاومة.