(كش بريس/وكالات) ـ حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الإثنين من أن “البشرية تمشي على طبقة رقيقة من الجليد الذي يذوب بسرعة”. حتى إن هذا الجليد يذوب بوتيرة أسرع من معدل تسارع الاحتباس الحراري نفسه. فبحلول سنوات 2030 و2035، سيبلغ 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعي، وفق ما أكد خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي في ملخص تقريرهم الجديد، وهو ثمرة عمل بحثي متواصل خلال التسع سنوات الأخيرة، بما يمثل أحدث إجماع علمي حول المناخ.
يأتي هذا الإعلان السيء لسكان كوكب الأرض، فيما كان الاتفاق الذي توصلت إليه قمة المناخ (كوب21) في باريس عام 2015 جعل من عتبة 1.5 درجة مئوية بوصلة لسياسات المناخ.
في هذا السياق، يذكر وولفغانغ كرامر مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS) بالمعهد المتوسطي للتنوع البيولوجي البحري والقاري: “منذ اتفاقات باريس، كان الهدف المعلن للدول هو الحفاظ على الاحترار المناخي أقل بكثير من درجتين مئويتين مقارنة بعصر ما قبل الصناعي وبتكثيف الجهود لتقييده عند 1.5 درجة مئوية”. مضيفا: “أعطى ذلك أفقا مستقبليا وهدفا محددا للسياسات المناخية”.
كما يرى الخبير الذي كان أحد المؤلفين الرئيسيين لتقرير سابق للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ نُشر في فبراير 2022: “فعلا، اليوم، وبالنظر إلى المسارات المختلفة المحتملة والجهود الضئيلة المتخذة من قبل الحكومات، يبدو من الصعب جدا تحقيق هذا الهدف الثاني”.
بلغة الأرقام، وحسب ما ورد في المخلص البحثي الجديد، فإن فرص الحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، هي مرهونة بتقليل انبعاث الغازات الدفينة المسببة للاحتباس الحراري بحوالي 45 بالمئة بحلول 2030 مقارنة باليوم. سيتوقف هذا على تحقيق نسبة انخفاض سنوية مماثلة لما حدث عام 2020 في خضم جائحة فيروس كورونا، عندما كانت الاقتصادات متوقفة في جميع أنحاء العالم.
كان ذلك بمثابة الانخفاض الهائل لكن في المقابل يبدو أن سكان الكوكب اليوم قد اتخذوا مسارا معاكسا. فوفقا لهيئة (Giec)، نحن نتجه على كل حال نحو احترار مناخي مقدر بـ 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، في حال تم احترام الوعود التي قطعتها الدول، أو بحوالي 2.8 درجة مئوية إن استمرت تلك الدول في اتباع نفس السياسات الحالية.
- الاحتباس الحراري… “حمى” الكوكب
رغم كل ذلك، يجمع الخبراء على أنه لا ينبغي الاستسلام. يوضح وولفغانغ كرامر في هذا الصدد: “لأن ما نقوم به حاليا سيحدد أيضا حجم التغير المناخي على المدى الطويل”. ويرى عالم البيئة بأن “الهدف، دائما، هو التوصل إلى إبقاء (الاحترار) عند أدنى مستوى ممكن”.
يضيف نفس المتحدث: “على أي حال، كان هذا الهدف (2.5 درجة مئوية) مبالغا فيه، مع ما نراه اليوم: نحن بالفعل عند 1.2 درجة مئوية من الاحترار ونواجه عواقب تفاقم موجات الحرارة، الجفاف، والفيضانات…”.
لفهم أهمية هذه التباينات الإضافية في درجات الحرارة، يقارن الاختصاصي الأرض بالإنسان الذي يعاني من الحمى. فمن المعتاد أن تكون درجة حرارة الجسم 37 درجة مئوية، لو أضفنا درجة مئوية واحدة فقط لحرارة هذا الشخص، فإنه سيعاني وسيصاب بصداع خفيف. ولو رفعنا حرارته درجتين مئويتين إضافيتين، سيعاني أكثر. لكن عند 3 درجات مئوية إضافية، يمكن أن تصبح حالته خطيرة، خاصة إذا كانت مناعة هذا الشخص ضعيفة.
ينطبق هذا المثال على كوكبنا. لفهم ذلك، يشرح كرامر: “لن تكون العواقب هي نفسها عند بلوغ كل درجة مئوية وكذلك في الأجزاء المختلفة من العالم. فبالنسبة للفئات الهشة، ستكون العواقب أكبر بكثير من تلك التي يتعرض لها الأشخاص الذين هم في وضع أحسن”. يضيف الخبير البيئي: “درجة 1.5 مئوية ستكون دائما أفضل من 1.6 درجة، والتي ستكون بدورها دائما أفضل من 1.7 درجة مئوية. كل عُشر درجة مهم”.
- التهديد الأكبر يتربص بالتنوع البيولوجي
عواقب هذه “الحمى” التي تحيط بالكوكب وتهدد سكانه هي عديدة، لعل من أبرزها انقراض التنوع البيولوجي. فمثلا، حيوانات لو-ميلوميس برامبل كاي Le Melomys de Bramble Cay، وهي عبارة عن قوارض صغيرة تعيش في الجزر الواقعة بين أستراليا وبابوا غينيا الجديدة، اختفت بالفعل جراء ظاهرة الاحتباس الحراري. في هذا الشأن، كان كميل بارسيسان مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS) والمتخصص في الروابط بين التنوع البيولوجي والمناخ قال لفرانس24 خلال مداخلة سابقة في ديسمبر2022: “كشف العلماء بأن اختفاءه (لو-ميلوميس برامبل كاي) كان بسبب غمر موطنه الطبيعي بالمياه”، مضيفا: “لاحظنا أيضا اختفاء 92 نوعا من البرمائيات التي قُتلت بسبب تكاثر الفطريات. لدينا الدليل على أن هذه الأخيرة قد تطورت لأن تغير المناخ، قد عدّل النظم البيئية وجعلها توفر ظروفا مواتية” لانتشار الفطريات. هناك أيضا مثال صارخ آخر يتمثل في الشعاب المرجانية، فعند درجة 1.5 مئوية يمكن أن يختفي ما بين 70 إلى 90 بالمئة منها، يرتفع هذا الرقم عند 2 درجة مئوية ليبلغ 99 بالمئة.
اليوم، ووفقا لهيأة خبراء التنوع البيولوجي التابعة للأمم المتحدة IPBES ، فقد بات لدينا أكثر من مليون من الأصناف مهددة بالانقراض وأن “تغير المناخ في طريقه ليكون أبرز تهديد لها”. يضيف الخبراء الأمميين في تقريرهم الذي نُشر في 2021، بأنه “كلما استفحل (التغير المناخي)، ازداد اضطراب النظم البيئية، مع ما يترتب عليه من عواقب على الحيوانات والنباتات”.
- “ظواهر جوية متفاقمة وأكثر تطرفا”
يتابع الخبير البيئي وولفغانغ كرامر بأن “كل درجة مئوية إضافية ستؤدي أيضا إلى تفاقم الظواهر الجوية وزيادة حدتها”. ويشدد كرامر: “مع مزيد من التداعيات ستطال 3.3 مليار شخص يعيشون في المناطق المعرضة للخطر”.
ويعمل بعض العلماء منذ بضع سنوات على “علم الإسناد” الذي يهدف إلى دراسة الروابط بين ظواهر الطقس المتطرفة وبين تغير المناخ. من خلال عملهم، أكد العلماء على أن موجات القيظ، الفيضانات أو الأعاصير تزداد في شدتها وحجمها وتواترها بشكل مترابط مع الاحترار العالمي. ويقدر العلماء مثلا، بأن هذا جعل موجة الحر التي ضربت الهند وباكستان في مارس وأبريل 2022 محتملة الحدوث بأكثر من ثلاثين مرة.
من جانبه، يرجح غيرهارد كرينر عالم الجليد وأحد مؤلفي الملخص الذي نشر الإثنين. وكان موجها خصيصا لصانعي القرار: “في مواجهة هذه التهديدات، يجب أن تسمح جهودنا أيضا بإبطاء الاحترار قدر الإمكان”، مضيفا: “هذا الأمر لا يقل أهمية. فكلما تفاقم الاحتباس الحراري بسرعة، كلما تراجع الوقت المتاح للسكان للتكيف معه. سيزيد هذا من مخاطر حدوث الندرة لتوضيح المعنى من المستحسن إضافة لمن تشير هذه الندرة، المجاعات أو النزاعات”.
يضيف عالم الجليد إلى كل ذلك، بأن بعض التغييرات ستكون لا رجعة فيها، وبالتالي يجب أن يتم تأجيلها إلى “وقت متأخر قدر الإمكان”. ويتابع: “الأنواع المنقرضة، مثلا، لن تكون قادرة على الظهور مرة أخرى”، يتابع كرينر: “لن يكون بمقدور نهر جليدي ذائب إعادة تكوين نفسه. أما بالنسبة إلى ارتفاع منسوب المياه، فهو سيستمر لقرون بسرعة أكبر أو أقل حسب الاحترار”.
- الخوف من “نقاط التحول”
هذا، ويحذر الخبيران من “نقاط التحول”. حيث يصر كريمر على أن “هذه الأحداث، من الصعب للغاية معرفة في أي مرحلة من الاحترار المناخي يمكن أن تقع، وبأنه سيكون لها عواقب وخيمة على الكوكب”.
“على سبيل المثال، هذا هو الحال، في حالة زعزعة الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي. ورغم أن احتمال وقوع ذلك اليوم منخفض إلا أنه يزداد بسبب الاحترار مع وجود أخطار حقيقية لتسارع هائل في ارتفاع مستوى سطح البحر عند درجات الحرارة ما بين 1.5 و2 درجة مئوية “. وفي الواقع، إذا ذابت الأرض المتجمدة (التربة الصقيعية) في القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا، سينجم عن ذلك إطلاق المليارات من الغازات الدفيئة المخزنة في جليدها. سيؤدي هذا إلى رفع حرارة الكوكب وتسريع وتيرة ذوبان الجليد. من بين الأمثلة الأخرى التي يتم الاستشهاد بها غالبا، تحويل غابات الأمازون إلى سافانا أو حتى ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند.
يمكن للعالم تجنب كل هذه السيناريوهات وفقا لما يطرحه المتختصصان. فمن جانبه، يقول وولفغانغ كريمر إن “لدينا اليوم في المتناول العديد من الحلول المتاحة والفعالة لإبطاء تغير المناخ والحد منه. كما أن العقبات لم تعد في مجال الابتكار، بل في السياسة”. بدوره، يخلص جيرهارد كرينر إلى أنه “ستُحدث الجهود التي نبذلها الآن فرقا كبيرا على المدى الطويل ويمكن لها أن تجنبنا تلك الأعشار الإضافية من الدرجات المئوية”.
أمين زرواطي/ سيرييل كابو (أ ف ب)