كتب: عبد الواحد الطالبي
ليس على كل ما تدعيه دولة الجزائر لنفسها وتنحله لثقافتها من تراث المغرب وحضارته، يستحق ما ناله من تعقب ومطاردة، لأن التاريخ المشترك للشعوب المغاربية يكاد يطمس الحدود الوطنية للدول كما ترسمه خرائط جغرافية اليوم والتي لم يكن في شمال إفريقيا من أمسها سوى دولة وحيدة قائمة هي إمبراطورية المغرب ثم المملكة الشريفة وعاصمتها إما مراكش أو فاس.
وما لجاحد أن ينكر روابط البيعة لسلاطين المغرب والسلطة المركزية في عاصمة المملكة الشريفة في أقاليم شاسعة ومن ساكنة عريضة في شرق المغرب الكبير وجنوبه من تلمسان إلى تيديكلت وحسي مسعود والقنادسة وشنقيط حتى نهر السينغال، وكل مجتمعات هذه الأرض تتبع تاريخيا لسيادة المغرب وحكمه وكانت تحت حمايته.
وبصنيع الجزائر فإنما يعود الماء لمجراه، ويغالب التاريخ في ذلك عناد حكام المرادية وساسة العسكر حيث لا يلجأون من المغرب إلا إليه لا يحيدون في كل مايسترجعونه من بطولات شهدائهم وأيقونات ثقافتهم وسادات رجالهم وفصول رواياتهم وقصص أحلامهم، عن السجل الحافل على مدى 12 قرنا لدولة المغرب التي كانت تحت سيادتها ردحا طويلا من الزمن أرض الجزائر ومازال بعض أهلها في توات وبشار وحسي بيضا وتندوف يدينون بالولاء لملك المغرب والشرفاء العلويين.
لا يضير المغاربة تقاسم تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم مع الشعب الجزائري بالعهد على الوفاء للمشترك في هذا التاريخ وضمن الوحدة المغاربية والتضامن الأخوي، إلا أن يتنكر الجزائريون لما جمع الشعبين والبلدين من قيم تأسست عليها روابط الجوار بتسامح شمل الأرض وما عليها، ولدى المغرب بقية من هذا التسامح يمكن أن يطال البحر وما تحته لتجد الشقيقة الجزائر منفذا على الأطلسي في إطار تعاون مثمر وتكامل هادف اقتصاديا واجتماعيا لإقامة اتحاد مغاربي للبلدان الخمسة على رقعة جغرافية لا حدود فاصلة بينها.
أما وأن تركن الجزائر بسبق إصرار وترصد إلى التزييف المستمر لحقائق التاريخ وتزوير معالمه وشواهده، وإلى السرقة نهارا جهارا للرأسمال المادي واللامادي لثروة المغرب الحضارية، فوجب التذكير في ما ينفع المؤمنين بالذكرى أنه حين لم تكن الجزائر شيئا مذكورا كانت مراكش بحضارة أصيلة وهوية تليدة مركز القرار السياسي عاصمة الدولة العظمى لنفوذ السلاطين المغاربة شرقا وشمالا وجنوبا وغربا.
ومهما ينتحل حكام الجزائر الرواصع والنواصع والأكاليل والتيجان… لدولتهم الناشئة من تاريخ المغرب فلن يكونوا ملوكا وسلاطين ولن يستطيعوا ما قدروا ان يصنعوا البطولات لعرائس من قصب في بزات عسكرية نياشينها نخب هواء… فليحفلوا بكل ما أتاهم المغرب وجعل لهم منه نصيبا ولن يحتفلوا أبدا بتاريخ ليس لهم فيه نصيب.