كتب: محمد بوخزار (صور خاصة بالموقع)
أرادت الأقدار مجددا، امتحان قدرة المغرب والمغاربة على مواجهة التحديات والصعاب المريرة. وليس أكثر رزئا وفداحة من كارثة زلزال منطقة الحوز.
وكما في تجارب مريرة، أبان المغاربة إجمالا عن تحليهم بأنبل الصفات التي تتميز بها الشعوب المتحضرة؛ وأبرزها قيم التضامن والتآزر التلقائي بين الناس؛ ولو تم بأشكال غير منظمة؛ إذ لا يلام المرء على التضحية والاستعداد، للبذل في ظروف الشدة.
إن الدول، كيفما كانت أنظمتها، تضع في الحسبان، مفاجآت وغضب الطبيعة، كونها لا تستأذن أحدا أو تضرب موعدا، كما لا تميز بين الناس والأماكن؛ لذلك فهم يتوجسون خيفة من صدماتها ويستعدون لها بما يلزم.
والمؤكد، أن المغرب، استعد بما في حوزته، منذ النكبات الأخرى التي واجهته؛ علما بأن الحرب التي يخوضها ضد الانفصال في الأقاليم الجنوبية؛ وقد أوشكت على نهايتها؛ كانت أهم المدارس والأوراش الوطنية التي تكون وتربى فيها الرجال، وحيث برزت الكفاءات والخطوات الشجاعة.
وفي هذا الجانب، يحس المواطنون، عموما بالطمأنينة وأنهم محميون بأقصى درجات اليقظة والاستعداد. وهي سياسة مستدامة؛ ما فتئت تتعزز بالدعم المالي والتكوين والعتاد.
إن الدور الحاسم، في وقف الأخطار المحدقة بالأوطان، كيفما كانت مصادرها وطبيعتها، لا يضطلع به “اللوجي ستيك” والتجهيزات الوقائية ؛ وإنما يقع العبء على من يشغله وكيف يوظفه بصورة أمثل.
ولا داعي للتباهي، بما تسعى جميع الأمم لامتلاكه؛ تضعه رهن إشارتها عند الاقتضاء والضرورة؛ ولكن من باب التواضع، القول بأن المغرب؛ إن لم يكن في مستوى الدول المتقدمة؛ فهو محصن من أخطر عاديات الزمن بفضل أدوات ووسائل وتجارب راكمها، من شأنها التقليل من الخسارات والأضرار التي يمكن ان تصيبه، جراء هول كارثة.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل النجاح الذي سجلته البلاد خلال وباء كورونا. لم ينفع في وقف الهجوم الكاسح للفيروس، سوى النجاعة والفعالية القصوى التي أدارت بها السلطات تداعيات الوباء؛ وبالتالي كانت الخسائر اقل من المسجلة في دول راسخة في التقدم. بل نسي المغاربة الكثير من انتقاداتهم للسلطات العمومية في الأوقات العادية.
يعود التحكم في جائحة كورونا والحد من خسائرها؛ بالأساس إلى عاملين اثنين، حزم السلطة وتعبئتها الشاملة وفرضها الامتثال والانضباط على المواطنين الذي تفهموا إجمالا التعليمات الإدارية؛ على اعتبار ان المصيبة لا تحتمل التراخي.
يلزم الاعتراف بأن الخصاص الذي نشكو منه صراحة لمواجهة الآفات الطبيعية؛ يمكن تلافيه وتجاوزه وذاك باختيارين هامين، أولهما المضي في تربية وتهذيب المواطن، وتوعيته بكل الوسائل، بما فيها الردع والعقاب؛ حتى يتعود على التمييز بين الخطر والظرف العادي. هي مسؤولية ملقاة ايضا على عاتق منظمات وهيئات وجمعيات المجتمع المدني.. اتضح أنها لا تقوم بدورها في تأطير المجتمع وترسيخ أخلاق وقيم المواطنة المتضامنة.
ومثلما عشنا تجارب كثيرة، ظهرت الهيئات التمثيلية الوسيطة عاجزة بل متخلية عن دورها وواجبها حيال الوطن؛ خاصة تلك التي تستفيد من دعم مالي حكومي.
إن المبادرات التلقائية التي فاجأت الملاحظين الأجانب؛ إنما نبعت من بين فئات عمق المجتمع، وتحديدا الوسطى أو من دونها. مثير للإعجاب ما سجلته وسائل الأعلام والتواصل؛ ليس غريبا على أخلاق المغاربة. إنها القمة المعنوية وطاقة المغرب الهائلة، التي يلزم تطويرها ودعمها بالوسائل المادية والمعنوية.
في هذا الصدد، أود أن اسجل دون نية في التنقيص من جهة؛ أن فاجعة الحوز، أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، أن الوعاء الفكري، السياسي والإعلامي، الرسمي بالخصوص؛ وأضيف اليهما الدور الديني الوعظي؛ كانوا كلهم دون مستوى التعاطي المطلوب مع تداعيات وأبعاد الكارثة. في بعض الجوانب والمبادرات، كنا في صف أرقي الأمم، وفي أخرى كنا، مع الأسف الشديد، في وضعية غير لائقة
لقد تفشى الكسل والتواكل في النخب السياسية، وافتقدت روح المبادرة والغيرة الوطنية مع الزمن. ركبها الخوف؛ مع العلم أن لا أحد عاقبها، إن هي تصرفت التصرف السليم بغاية مصلحة الوطن؛ وليس الركوب على الأزمات لتحقيق مكاسب انتهازية. نكبة الحوز؛ ستظل جاثمة على صدورنا، تسائلنا كأمة، مؤرقة لأذهاننا، ما لم نستوعب دروسها في الدعوة إلى القطع مع عادات الارتخاء والتباطؤ، وعادات انتظار التعليمات والأوامر؛ حين تأتي ولا تأتي.
الفيلات المهجورة في مدينة تامنصورت حلا مؤقتا لضحيا الزلزال؟؟