(إشكالية تزويج الطفلات)
إذا كانت أسباب ظاهرة تزويج الطفلات مركبة تتداخل فيها الجوانب السوسيوثقافية والاجتماعية والاقتصادية فإن الأمر يقتضي وبإلحاح معالجة الأسباب والمسببات باعتماد مقاربة شمولية عبر مداخل متعددة
مدخل تشريعي:
يتطلب مراجعة عميقة وشاملة لمدونة الأسرة والقطع مع الاستثناءات ، والنص بشكل دقيق على الأهلية القانونية للزواج في سن 18سنة.
ويتطلب كذلك مراجعة القانون 103/13 الذي رغم تجريمه للإكراه في الزواج، واعتبار وجود طرف قاصر ظرفا مشددا في عقاب الجريمة إلا أنه لم يجرم تزويج القاصرات بشكل قانوني مما ترك إمكانية التحايل على القانون واردة ، حيث يلجأ الآباء الى تزويج طفلاتهن باللجوء إلى العرف (زواج الفاتحة) وبعد بلوغهن سن الرشد يتم رفع دعوى أمام القضاء للاعتراف بهذا الزواج .. لذلك أعتبر أن مدخل القوانين والتشريعات أساسي باعتباره أداة لتغيير العقليات والتمثلات السائدة عن الزواج والموروث الثقافي ..وتكوين وإعادة تكوين المسؤولين عن إنفاذ القوانين لأن قوانين جيدة تحتاج إلى منفذين جيدين متشبعين بثقافة حقوق الإنسان والحقوق الإنسانية للنساء والفتيات، وهناك مدخل الوقاية وإشاعة ثقافة المساواة داخل المجتمع و إذكاء الوعي الجماعي بخطورة ظاهرة تزويج الطفلات، وبالأضرار المترتبة عليها وانعكاساتها الوخيمة على الصحة والسلامة البدنية والنفسية للقاصر وعلى تكلفتها الاجتماعية والاقتصادية ، وهذا يتطلب تعبئة كل وسائط التنشئة الاجتماعية: المدرسة ، المناهج الدراسية ، الكتاب المدرسي، وسائل الإعلام مؤسسات الرعاية الاجتماعية ، دور الطالبة . المرشدات الدينيات من خلال وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية،الأندية النسوية ودور الشباب…..
وهناك المدخل الاقتصادي الاجتماعي، ويتمثل في النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأسر المغربية وإقرار حقوق المواطنين والمواطنات في التغطية الصحية، والتسريع بالحماية الاجتماعية، وضمان الحق في الصحة في ارتباطه بالمحددات الاجتماعية، كالحق في التعليم و الشغل والسكن والماء وفي بيئة سليمة ، للحد من العنف الاقتصادي والقهر الاجتماعي الذي يعد أحد أسباب ظاهرة تزويج الطفلات .
وبخصوص خطة إرجاع النيابة العامة ل20 ألف فتاة قاصر إلى مقاعد الدراسة في إطار اتفاق مع وزارة التربية الوطنية هو قرار مهم جدا ، لكنه يتطلب ضمان استمرارية هؤلاء الفتيات في المدرسة ، ولذلك ينبغي إحداث آليات للمتابعة وللتقييم ، وهنا نتساءل ما العمل بالنسبة لحالات زواج الفاتحة ، أعتقد أن النيابة العامة طرف في القضايا الأسرية، لها من الوسائل ما يمكنها من تتبع مآل هؤلاء الطفلات من أجل حمايتهن من هذه الظاهرة التي تعد انتهاكا صارخا لحقوقهن الإنسانية.
إن أرقام ونسب تزويج الطفلات سواء من خلال الدراسة التشخيصية التي قامت بها النيابة العامة أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان مقلقة ومزعجة وخاصة ما يتعلق منها بآثارها الصحية ، يكفي أن نقف على أن نسبة وفيات الأمهات القاصرات تصل إلى 40% ، ووفيات أطفالهن أثناء الولادة تصل إلى 50%، أما الأضرار الصحية فمتعددة على رأسها ارتفاع هامش خطر الإجهاض، التمزق المهبلي ، وحسب شهادة طبيبات عرضت عليهن حالات قاصرات افتقدن للمهبل نهائيا وقد صرحن لهن بعنف العلاقة الجنسية، ولا يسع المجال هنا التطرق لكل أشكال المعاناة الصحية والنفسية وهي متعددة كالاكتئاب والخوف واضطرابات النوم. وغيرها من الاضطرابات النفسية، وتزداد استفحالا في غياب التغطية الصحية 53% من الطفلات المتزوجات لم يستفدن من خدمات الصحة حسب الدراسة التي قامت بها النيابة العامة. ركزنا في تقريرنا الأخير الذي قدمناه في إطار الأيام الدولية والوطنية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، على ما تعيشه هؤلاء النساء من عنف مؤسساتي وعنف خاص، و الآن وفي سياق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المغرب والجفاف والارتفاع المهول للأسعار ، وما ترتب على ذلك من ارتفاع معدل الفقر والبطالة عامة و في صفوف النساء على الخصوص وتدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، أصبحن بين مطرقة الفقر والعنف، وصعوبة الولوج الى العدالة، إذ رغم كل المجهودات ظلت النساء تعشن مشاكل التمييز في القوانين والسياسات العمومية، فنسبة مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي وصلت إلى أقل من 20% حوالي نصف النساء العاملات في الوسط الحضري لا يتوفرن على عمل قار، وما يزيد على 53,5%من النساء في الوسط الحضري و98,8 في الوسط القروي لا يتوفرن على تغطية صحية. ومازالت المرأة تحرم من الولاية على أطفالها، وهنا أشير إلى تنامي معدل العنف ضد النساء والفتيات وعلى رأسه العنف القانوني والإقتصادي، وقد زادت الجائحة من تفقير النساء، وفاقمت الأزمة الاقتصادية من تعميق الفوارق والفقر في صفوفهن ، لذلك وجب التأكيد على مسؤولية الدولة في حماية النساء والفتيات ضحايا العنف من خلال العناية الواجبة كما تنص عليها المواثيق الدولية، والتغيير الشامل والعميق لمدونة الاسرة ، و للقانون الجنائي بما يضمن إلغاء كل النصوص التمييزية واعتماد مبدأ المساواة كمبدإ مهيكل ومؤطر لكل القوانين، وأن تخضع نصوصها للواقع و لمختلف التحولات التي يعرفها المجتمع وملاءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. وبالتالي لابد من إحداث آليات حماية النساء والفتيات ضحايا العنف كمراكز الايواء من طرف الدولة والجماعات الترابية بمعايير خاصة تأخذ بعين الاعتبار أوضاع النساء وأطفالهن الناجين من العنف، لدينا الآن فرص هامة للتصدي للعنف والتمييز ضد النساء والفتيات ، هناك الدستور و المواثيق الدولية، وورش الحماية الاجتماعية، وهناك النموذج التنموي وإن لم يطرح مساواة النوع كأساس مؤطر للسياسات التنموية الجديدة فإنه وضع من أولوياته التمكين الاقتصادي للنساء، وهذا مدخل للتأكيد على مطالبنا بإقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء.
*فاعلة نسائية وحقوقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبذة عن السيرة الذاتية :
فاطمة المغناوي أم لابنتين
فاعلة نسائية حقوقية وخبيرة في النوع الاجتماعي
ناضلت في صفوف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
في صفوف منظمة العمل الديمقراطي الشعبي
وفي صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا .
مفتشة منسقة جهوية على مستوى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالرباط
من مؤسسات جريدة 8
عضوة هيئة التحرير من تاريخ صدورها سنة 1983 الى 1995.
من مؤسسات اتحاد العمل النسائي .
مديرة مركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف بالرباط مند تأسيسه سنة 1996 إلى الآن
حاصلة على جائزة خميسة في المجال الاجتماعي والإنساني سنة 2007.
مؤسسة ومنسقة وطنية للائتلاف من أجل الحق في الصحة بالمغرب منذ 2012
عضوة فاعلة في السكرتارية الوطنية للمسيرة الدولية للنساء 12 مارس 2000.
عضوة سابقة في المرصد الوطني لمحاربة العنف ضد النساء .
شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية حول المراة وحقوق الإنسان وفي دورات مجلس حقوق الإنسان بجنيف.