حقق المغرب خلال العقدين الأخيرين ، تقدما في مجال النهوض بوضعية المرأة والدفاع عنها ، بفضل تظافر مساهمات ومرافعات القوى التقدمية أحزابا وجمعيات مدنية عن حقوق النساء .
وقد جاء دستور 2011 لتعزيز هذه المكتسبات من خلال الدعوة إلى سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتكريس أكثر من 18 مقتضى لصالح المساواة بين الجنسين ومحاربة العنف والتمييز الممارس على النساء .
إلا أن تفعيل المقتضيات الدستورية ، الذي يعزز انخراط المغرب كبلد ذي ثوابت وهوية ثقافية متعددة ، في مسلسل ملاءمة تشريعاته وسياساته الوطنية مع المرجعية الكونية، والاتفافيات الدولية في مجال حقوق الإنسان عرف بطءا في مجال إصلاح القوانين التمييزية، ووضع سياسات وطنية وآليات للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، مما جعل الإنجازات المتحققة في أغلبها شكلية ، لا تستجيب لانتظارات الحركة النسائية ، وكل من يؤمن بالحق في المواطنة الكاملة للنساء .
فماهي الإنجازات المتحققة ،وما حدودها ؟
ما هي المعيقات الحقيقية التي تحول دون فعلية حقوق النساء ؟
هل ثمة علاقة بين المسألة الثقافية وحقوق النساء ؟ وماحدود تأثيرها على هذه الاخيرة؟
ماهي الرهانات والتحديات لتحقيق المواطنة الكاملة للنساء ؟
إن دستور 2011 حمل معه إشارات قوية بأن المغرب دخل مجال الحداثة من باب أوسع ،وأنه كدستور جد متقدم وطموح قد نص على إحداث مؤسسات هدفها تقوية الآليات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وحقوق النساء ،كما نص على النهوض بالتنمية البشريةوالمستدامة، والديموقراطية التشاركية ،والعمل على إحداث هيئة المناصفة ،ومحاربة جميع أشكال التمييز ،وكذا إنشاء المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة …
كل هذه المقتضيات الطموحة لا زالت تعرف في أغلبها تعثرا ومقاومة يعطلان مشروعا مجتمعيا رائدا، كان سيقضي على ظواهر لا تنسجم والصورة الإيجابية التي يريد البلد أن يظهر بها على المستوى الدولي ، أي كبلد يحفظ الحقوق والحريات ويكفلها بواسطة القوانين التي يتساوى أمامها الأفراد .
فنحن لا زلنا نشهد التمييز الناجم عن العلاقة غير المتوازية بين الجنسين على مستوى : ( الطفولة ، والدراسة، والمسار المهني الذي لا يضمن لهن أحيانا الحد الأدنى للأجر، وشروط السلامة ،والكرامة ).
هذا من بين مايبرر ضرورة مراجعة مدونة الأسرة ، للعمل على الحد من كل أشكال التمييز ،والعنف، والقوانين المجحفة في حقهن ،و أيضا ضمان الحماية الاجتماعية لتمكينهن في مختلف المواقع والأوضاع الاجتماعية من حد أدنى للدخل يضمن لهن العيش الكريم .
هذه المراجعة التي سوف تصحح مسار المدونة التي عرفت في تطبيقها عدة انحرافات ، كما أظهرت أنه آن الأوان لكي نخطو كبلد منفتح على العالم ، أن نقوم بإصلاحات تشريعية قادرة على أن توقف نزيف الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة :
تزويج الطفلات/مشاكل إثبات النسب /الحضانةوما تطرحه هي الأخرى من مشاكل على الأم والطفل /الاعتراف بمجهود المرأة في تنمية ثروة الأسرة /الولاية القانونية على الأبناء في حالة الطلاق/تفعيل الفصل المتعلق بالتدبير المشترك للأموال التي تكونت خلال فترة الزواج /التعصيب …).
لكن ، يبدو أن هذا الطموح الكبير في إحداث نقلة حقيقية في حياة المرأة كي تستشعر كما الرجل إنسانيتها ،و تمنح لها فرصة ثانية ،وجديدة كي تعيد ترتيب وجودها الذي بفعل جمود ثقافي ، أصبح مفرغا من كل نبض حياة .
فالعادات والتقاليد والأعراف،وحتى القوانين التي نظمت العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع ،لم تكن في أغلبها تراعي مصلحة المرأة ،وتؤمن لها حياة كريمة ،ولم لا سعيدة ؟
سيادة العقلية الذكورية المرتبطة بالمجتمع الأبوي ،حولت المرأة إلى مجرد وسيلة للمتعة ،وأداة للإنجاب ، وللعمل غير المأجور و عورة ،و مصدر شهوة ورغبة ،لذا عليها أن تحجب.
عقلية غلب عليها التزمت والمحافظة ،وركنت إلى الجمود بدل الاجتهاد ،وإلى الخرافة واللاعقل ،بدل العلم والعقل ،وإلى التبرير والأدلجة ،بدل الغوص في البحث الدقيق والجدي في كل أمور الدين كما أمور الدنيا ،قصد مسايرة التطورات الكبيرة التي يعرفها العالم اليوم ،والتي تنعكس على الناس رجالا ونساء ،الأمر الذي يفرض التمتع بحس نقدي متوقد ،من خلاله يمكن الدفع بعجلة التقدم المجتمعي إلى الأمام ،دون هدم لمرتكزاته ، من خلال احتواء المستجدات وملاءمتها مع خصوصية المجتمع .
لكن ،هذا لا يعني أن تصبح هذه الخصوصية عاملا سلبيا يقصي المخالف بحجة أنه كذلك ، أو كيل التهم المغرضة له ….،بل لا بد من توافر مرونة تجيز التحول المرغوب فيه ،دون إقصاء تام لما هو كائن ،في حوار هادئ متزن يتغيا المنفعة لصالح الأسرة ومكوناتها .
هي عملية توازن لا بد من العمل بها ،وإتقانها ،حتى نستطيع كأمةأن نسجل قفزة نوعية في مسارنا التاريخي ،دون أن نذوب في مسارات غيرنا من الأمم ،أو ننصهر فيما بدا أنه لم يعد الآن منسجما، وما يقدمه الواقع من معطيات تؤكد أن ثمة تحولات كبيرة يعيشها المجتمع المغربي .
وبهذا سنكون قد نجحنافي احتواء كل جديد ونافع ، بتجديد عقلاني متبصر لهويتنا المغربية التي نعتز بها ، كما سنحفظ بذلك حقوق كل مواطنينا ،(نساء ورجالا) دون إقصاء لأي منهما ، ولا انتصارا لأحدهما على الآخر ، وبهذا سنكون قد نجحنا فعليا في الحفاظ على الأسرة وعلى مقوماتها بشكل سليم وناجع .
*من مواليد الدار البيضاء
أستاذة مادة الفلسفة ( متقاعدة )
ـ مستشارة جماعية ( مدينة المحمدية )
ـ عضو (ة)المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي .
ـ عضو (ة)منظمة النساء الاتحاديات .
ـ عضو(ة) الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء Amdf
ـ عضو (ة)المختبر المدني للعدالة الاجتماعية .