في صباح يوم العيد ، تناولت عبير وجبة فطورها على الطريقة المغربية ، كانت قد ابتاعت حلوى وفطائر من إحدى السيدات اللواتي يكسبن عيشهن اليومي ببيع الخبز والحلويات ، وكانت بذلك تشعر أنها تقدم لهن العون ، تذكرت أمها التي كانت تقوم بتحضير الحلويات ، وأنواع الخبز ، والأطعمة … وكانت تسعد بذلك رغم كل الارهاق الذي يصيبها ، مادام الجميع فرحا بالعيد ، ومادمت اللمة متحققة .
بعدها أخدت تتهيأ للذهاب إلى الشاطئ ، فالحرارة المفرطة حركت لديها هذه الرغبة التي لم ترغب في مقاومتها ، رغم أن اليوم هو يوم عيد ، لكنها فضلت أن تستلذ بحمام سباحة ، من المؤكد أن الشاطئ سيكون قفرا ، فالجميع ملتهون بذبح الأضحية ، ٱه ، كانت أياما لاتنسى عندما كانت تتحلق مع أفراد أسرتها حول مائدة الغداء ، في يوم العيد ، لكن، الشيء الوحيد الذي لم تستطع استساغته هو كل تلك الحركة الذائبة التي يعيشها البيت، كلما تبدأ تباشير العيد تلوح في الأفق، تنظيف الأثاث الذي كان نظيفا أصلا ، تبييض للجدران ، شراء معدات للذبح ، السلخ ، الشواء ، التوابل المثيرة لونا ، رائحة، طعما … استعدادات على قدم وساق ، وحديث طول الوقت عن الكبش السردي الذي ارتفع ثمنه ، وعن الجار الذي اشترى كبشا فارق الحياة ساعات بعد اقتنائه ، الجيران المتلصصون على بعضهم البعض لمعرفة أخبار أكباش الحي بأكمله، أثمنتهم ، حجمهم ، وكل ما لا يعنيهم ….حركة ذائبة لا تتوقف ، ( الحظية ) ، لا ينام الواحد منهم /ن مرتاحا إن هو لم يعلم بما يجري من حوله .
يوم العيد ، الجزارون هناك من هو في قسم الحرفيين ، يستدعى يوما أو يومين قبل يوم العيد ، ويتم الاتفاق معه ، والتأكيد على حضوره ، والتزامه بموعده المهم جدا ، لأنه في عدم الوفاء به ، سيظل الكبش في حالة انتظار إلى أن يتم استقدام جزار من قسم الهواة ، والذي يعرف عنه عدم الكفاءة اللازمة من خلال الثقوب التي يحدثها في ( البطانة ) فذاك معيار حرفيته أو عدمها ، الجميع ينتظر قدوم الجزار الذي سيزهق روح كبش ترق لذبحه القلوب الهشة ، التي يبتعد أصحابها عن مسرح الذبيحة الدامية .
أخدت مكانها تحت شمسية برتقالية ، وضعت في أذنيها سماعة هاتفها النقال تنصت لصوت العندليب عبد الحليم حافظ وهو يغني “بتلوموني ليه “، رددت معه بعض المقاطع وهي في أوج مرحها …
البحر هادئ ، الناظر إليه يحسبه
ملتصقا بالافق الأزرق ، تمرر طلاء طبيا للوقاية من أشعة الشمس الملتهبة ، وتحتسي ماء باردا ، ذكرها بكؤوس الشاي التي كانت تصاحب الشواء المعد ، والخبز المعجون بالينسون ، ما ألذه !
سال لعابها له، وعادت تنظر إلى النوارس التي تحط على الشاطئ الذي تخلص من مرتاديه هذا الصباح . اغمضت عينيها واستسلمت لنوم خفيف تستعيد به بعض الراحة خصوصا بعد أسبوع من العمل داخل الشركة المتعددة الجنسيات التي تشرف على فرعها في المغرب .
ترآى لها طيف أمها وهي تعد الأطباق المغربية الشهية ، التي كان الجميع لأجلها يقبل يديها ويدعو لها بالصحة وطول العمر ، كانت تتقن فن الطبخ ، وكل شيء .
لكنها ، لم تكن تتقن جيدا كيف يمكنها أن تمنح بحساب ، وكيف أن عليها أن لا تنصهر كلية في الأعباء المنزلية التي أخدت من وقتها وجهدها الكثير ، كانت لا تتوقف عن العمل حتى عجزت عن القيام به وهي في سن متأخر .
ودت لو كانت تتمدد آلى جانبها الان ، على الرمل الساخن الذي كانت تدفن فيه قدميها ، طمعا في التخلص من ٱلام الروماتيزم الذي أصابها .
انفلتت من عينيها دمعة ساخنة ،
ألقت بجسدها الغض في البحرالساكن ، تطفئ غضبها الهادر.