هدوء حذر يعم المكان ، بين زائرتنا الجديدة شيراز ، وبين القاطن القديم hermmes.
في هذه الأيام يعيش بيتنا تجربة إحلال سلام بين عدويين تاريخيين ، فرضت عوامل التكوين ، وقوانين الطبيعة، أن لا يكونا إلا متصارعين ، وتكون العلاقة بينهما هي علاقة صراع حتى الموت . ويكون بقاء أحدهما رهينا بإلغاء وجود الآخر .
هي ضرورة فرضتها سنة الطبيعة .
Hermes الكلب الذي شاركنا لمدة خمسة عشرة سنة،
وجودا مليئا بالوفاء الناذر في عالم البشر وفي زمن أغبر ، كما قاسمنا الفرح الذي بادلناه إياه بسخاء كلما التقيناه . هو الذي كلما غاب أحدنا عن البيت ، ولو لمدة طويلة ، التقاه بحفاوة وسعادة يعبر عنها من خلال قفزه وارتمائه في احضانه، وكأن لسان حاله يقول :
أين كانت غيبتك ياهذا ؟.
ظل طيلة وجوده بيننا ، يمرح ، يصول ويجول في شرفة البيت الفسيحة ، يطارد أسراب الحمام والطيور التي لم يعد لها الحق في أن تحط على السور الحديدي المسيج للشرفة ، متمددا تحت أشعة الشمس ، فاتحا عينيه بخبث شديد كلما حط عصفور على أرضية الشرفة ، موهما إياه بنومه ، وهو كان يبيت له رغبة اصطياده .
لكن ، له عذره هو سليل الذئاب .
والآن وقد بدأت الشيخوخة تداهمه ، ويفتضح أمرها من خلال شخيره وهو في نوم عميق ، أصبحنا نشفق عليه أكثر، ونحبه أكثر فأكثر.
كان سعيدا في بيتنا ، لا أحد يزاحمه في أي شيء، سيد الفضاء بأكمله.
إلا أن دوام الحال ، كما يشاع ، من المحال ، وهذا حتى إن لم يكن قولا له مصداقيته ، وإطلاقيته ، فهو مع الأسف يصدق الآن ، بعد أن حل الوافد الجديد علينا، إنها القطة شيراز ذات الأصل الفارسي ، والتي لم تتجاوز سنها الشهرين ، ما إن لمحها hermmes من خلف النافذة المطلة على الشرفة ، حتى أصابه ما أصابه :
هيجان ، ورغبة في الإنقضاض على هذا الغريب الذي يقتحم عليه فضاءه .
لا يمكنم تصور تعقد الوضع ، إذ كان دورنا يماثل دور قوات حفظ السلام الأممية .
كنا مجبرين أن نحمي شيراز الصغيرة من احتمال عضة غادرة من الكلب ، كما كنا ملزمين بأن لا نشعر هذا الأخير بأنه أصبح غير ذي نفع ، وأنه فقد مكانته لدينا .
كان الجميع حريصا “نفسية” “hermmes لأنه قد يصاب باكتئاب إن هو شعر بتخلينا عنه .
كنا نضحك ونحن نتلقى توصيات الأبناء بضرورة حماية حقوقه كاملة التي يجب أن تحفظ ، بأن لا نتكر له و نظل أوفياء له على الدوام .
وحتى نفك العزلة عنهما ، وفي محاولة منا لمباشرة “التطبيع ” الذي يبدو متعسرا بين كائنات متعارضة التكوين والمنشأ والتاريخ ، خصوصا وأن الغريزي يفرض نفسه بشكل كبير ، شيراز تخرج مخالبها التي ما فتئت تظهر ، يتقوس ظهرها مستعدة للانقضاض عليه ، وكان بدوره يتحين فرصة الإنقضاض عليها .
كان الصراع من أجل البقاء فارضا نفسه عليهما ، متحكما في علاقتهما ، وكان علينا أن نجد خطة طريق لإحداث السلام العادل بينهما ، مع السعي التام لحماية حقيهما معا في الوجود والتواجد ، بحيث لا يكون هناك تسلط لاحدهما على الآخر، بحجة أنه الأقوى ، أو أنه صاحب حق على فضاء هو في حقيقة الأمر مفتوح لكليهما معا يتعايشان فيه في أمن وسلام .
كانت المحاولات الأولى محسوبة الخطى والأهداف ، تلتها أخرى تحقق فيها تقارب مشوب بالحذر بينهما ، وبخوفنا نحن كافلي السلام .
لا زال الوضع على ماهو عليه ،
فهل ياترى سيتحقق السلام والتعايش يوما ما بينهما ؟.