1 ـ كم هو جبار !
ولكنه مهادن ،هو من جمع بين النقيضين ، فكان بنا آسرا في مده وجزره ، في سكونه وهديره ، في ليله الرمانسي تحت نجوم ترصعه ، وشمس صباح تنير له المسير والمسار .
يحلو لنا ونحن نغرق في زرقته ، في زبده ، في انكساره هو العنيد أمام جبروت الصخور الراسخة المتحدية له ، والرافضة ان يطويها تحت أعماقه البعيدة .
يظلان يشاكسان بعضهما البعض ، فلا الصخر يلين وينخو ، ولا البحر يهدأ ويستكين .
هو صراع يمنح للناظر فرجة تشهد على حكمة دالة ، لا يمكن ان تدركها عين لاهثة وراء موج للغطس ورمل للاستجمام ، بل هي عين تبحث عن ملاذ للجمال ولبهجة من بهجات كون ما فتئ يسحرنا رغم كل شيئ بعجائبه وأسراره .
عين وذهن يمكنهما ان يدركا طبيعة وجود غير ثابت ولاقار ،وجود كل شيئ فيه يخبر عن ذلك :
موج يتمدد ، يعلو ،ثم يتراجع ، يتقهقر ، كأنه يغيب الى الابد ، ثم يعود في صورة أخرى ، حجم و تمدد وانكماش مختلف عن سابقيه ولا حقيه .
هي رحلة لا تنتهي ولاتفتر ، حتى وإن نحن اعيانا النظر وتملكتنا الدهشة ، والرغبة في استكناه حقيقة ما يجري حتى لو طال الانتظار .
2 ـ هو البحر ، ويسمونه أيضا الكافر ، هو الذي في مده وجزره ،في سكونه وهيجانه ، في زرقته الفاتنة ، او لحظات ارتدائه لون الرماد او الحلكة ….في كل احواله هاته هو لا يعير ولا يأبه لخطوات المارين جملة وفرادى ، ولا بما يحملونه معهم اليه من الفرح او الغبن ، لا يكثرت بالنوارس التي قد تحط على رماله الساخنة أحيانا او الباردة احايين اخرى ، سواء حطت فرادى او جماعات ، حلقت مثنى او ثلات او سربا منتشيا كل صباح او مساء …
هو البحر الكافر ، لا يأنس الا لأمواجه وصوت هديرها المتسلل الينا كلما جاورناه كمتأملين لجماله وعظمته ، أو كمشدوهين أمام جمعه بين نعومة وعنف لا يملك غيره ان يوفق بينهما .
3 ـ تراه بماذا تحدثه به نفسه ، على اعتبار افتراضنا أنه يملك مثلنا نفسا شبيهة لنفوسنا ، هو الذي نعرف جيدا أنه لا يملك القدرة على التفكير .
لكن ، قد يحدث ان يكون هذا استثناء في بني جلدته ، وأخد من الطبيعة ما لم ينجح فيه أشباهه ، فتحدث الى ذاته (مونولوج )، وكنا نرخي بسمعنا اليه ، هو الواقف أمام بحر قد مد بساطه الازرق على مد البصر ، لكن ، الزرقة المعهودة لم تظل على حالها ، لقد شابها تحول وتداخلت فيها الوان فاتحة ، كانت تدين فيها إلى شمس أصيل وهي تغادر ، مودعة وواعدة بأنها ستعود في الغد .
لكنها ، وهي في طريق عودتها إلى هناك حيث ستشرق في بهاء ، وتصدر بريقها وسطوعها ، آثرت أن تنثر هنا شفقا أحمر خلابا ، ومالكا حزينا فقد بانعكاس الظل عليه ، بياضه ليتحول إلى طائر أسود .
لم يكن يحب أن يعتريه كل هذا التغيير ، حتى ولو لدقائق ، حتى ولو كان مجرد خدعة ضوء ، حتى لو كان أمام منظر يخلب العقل …….
هو يبغي لو لم يخنه انعكاس الاشعة الغاربة ، ليظل محافظا على جماله المعهود .كما الشفق الاحمر .
تريث هنيهة وهو يخمن بالطيران في الاعالي بعيدا ، حتى يتجاوز الشفق الاحمر ، والبحر المتلاطمة أمواجه وألوانه، مسترجعا كل بياضه وبهائه ، وماذلك بعزيز على قدراته هو الطائر المرتحل باستمرار .