ونحن في غمرة عرس كروي عالمي ،وفي عز نجاحات فريقنا الوطني ،الذي كان في الموعد، وهو يهدينا نصرا تلو النصر ،وفرحا يستدعي ٱخر ،حتى اننا اصبحنا نطلب الاستزادة منه ،ولا نقنع بأقل منه ،نحن العطاشى إلى كل ما يحمل الينا الإبتهاج ،خصوصا بعد ما عشنا تجربة كوفيد 19 ومخلفاتها ،وكذلك الاحباطات التي عشناها من جراء اندلاع الحرب الروسية -الاوكرانية ،
ومخلفاتها فيما يخص ارتفاع الاسعار الذي زاد من معاناة المواطنين ، خصوصا في غياب حكومة مواطنة يمكنها أن تسهم في حل هذه الازمة الاجتماعية التي تعاني منها الفئات الهشة وغيرها. الامر الذي خلق أجواء من القلق والغضب اللامحدودين داخل المجتمع المغربي ، لم يستطع تبديد تغولهما في النفوس ،سوى نصر كبير حققه هذا الفريق البطل ،فكان بذلك قد نجح في إرواء المغاربة أجمعين بما يجعلهم /ن ينتعشون ،وتسري الحياة مجددا في دمائهم /ن ،بعد أن كادت أن تجف .
لم يكن المغاربة وحدهم من أسعدهم هذا النصر ،بل شاركهم /ن فيه غيرهم من الدول العربية ،والافريقية ،والاسلامية
وقد أغامر ،واقول وغيرهم أيضا ممن يخالفونهم في كل مكونات هويتهم .
إن الحدث الكبير الذي ولدته هذه الانتصارات المباركة ،هو أنها أحيت لدى هذه الأمم المختلفة الهويات شعورا بوحدة الانتماء،ووحدة القضايا المشتركة ،وأيضا وحدة التاريخ والمصير .
في الحقيقة هو أمر قد لا يقبله عاقل ،ولن يستسيغه حكيم ،خصوصا ونحن نعرف أن لكل أمة تاريخها الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي والثقافي الخاص بها ،فكيف يمكن ان تتوحد بعد كل هذا التعدد ؟.
وهنا ،سيتأبط الجميع التاريخ واحداثه التي تأرجحت بين ماض ذهبي كان قد شهد تفوق هذه الشعوب
وسجل مشاركتها المجيدة في كتابة تاريخ الانسانية ،وٱخر شاهد على تعثرها وتراجعها ،وإعلانها كأمم ‘متخلفة “او”متوحشة “او “في طريق النمو “….وكلها نعوث تخفي أن ثمة حسابات كبيرة بين كل هذه المجموعات الانسانية والتي لم تتم تصفيتها الى حد الان ،رغم مرور كل هذا الزمن على استقلالاتها ،وبنائها لدولها و”لامجادها “الجديدة ، أو أحيانا المزعومة .
تناثرت الشعارات والهتافات بوحدة من طبائع متعددة :
عربية ، افريقية ، اسلامية ، ووجدت في النفوس مكانا لها ،فاحتلته وملأته زهوا وافتخارا ،لكنها بالمقابل اخرجت كل ما في جعبتها من غضب وحقد على “ٱخر ” ،رسمت له في وعيها الجمعي الذي يعكس الواقع ،صورة مظلمة وقاتمة استمدتها من ٱثار أقدامه الغاشمة على أراضيها ، وخيراتها ، و شاهد أبطالها ورموزها التاريخية .
لم يكن غضبا من فراغ ،ولا كان فرحا من عدم ،كلاهما كانت له جذور خفية ممتدة عبر تاريخ لم يكتب بشكل يوفي ذوي الحقوق مالهم ،ويعلن أن ثمة عنف كان قد ملأ فضاءات العالم ولازال ،ويجب ان يوضع له الحد ،حتى تتمكن الذاكرة المتعددة ان تتوحد .
عنف تولد عنه عنف ٱخر ،عبر عن نفسه في احتفالات بعض ساكنة الدول الغربية ( فرنسا ،بلجيكا ) خلف ردود فعل متباينة ،من مدافع عن هوية مشروخة ،ممزقة هناك ، والتي لم تجد لها ملاذا حقيقيا ،هي من “كتب “على اهلها “الهجرة ” الذين لم يعترف لهم أبدا بالحق في الوجود الكريم ،حتى وإن أصبحت تلك الاوطان مستقرهم الدائم .
في حين كانت هناك ردود فعل تتربص بهم /ن من طرف كل من يحمل فكرا ويخفي نزعة استعمارية ،وحقدا على الآخر المختلف ،يمين متطرف و إعلام مهووس بالهجرة كمعضلة، على اوروبا ضرورة إيجاد حل عاجل لها ،مع اعتراف محتشم وخبيث بأهمية تواجد يد عاملة رخيصة ،لا زال الغرب دائما في حاجة إليها ،هو” المتفوق ” الذي لا زال يمجد تقسيم العمل ، ويرفع من قيمة ماهو فكري على حساب ماهو يدوي .
غرب لم يتخلص بعد من عقدة تفوقه على غيره من الشعوب ، ولم يتوقف عن اعتبارها تابعة له ، كما أنه لم يستوعب بعد أن هاته الشعوب اكتسبت من الوعي ما يكفي كيف تعمل على إيقاف مده الامبريالي المتوحش ، وأن تعلن انها جميعها ،رغم خصوصياتها المتعددة ، أنها وحدة لا تنفصم ، وأن انتصارات شعب من شعوبها هو انتصار لها جمعاء ، وهذا ما جسدته بعد فوز الاسود الكبير على عديد من الفرق ،في لوحات بهية،منعشة للارواح ، مكثفة الدلالات ،عميقة الابعاد ،سامية الرؤى ، و خالدة في الأذهان .