منذ أن كنا صغارا ونحن ندرك بشكل لا غبار عليه ، أن القفة هي جزء لا يتجزء من مقتنيات الأسرة ، التي يتم توظيفها في كل عملية تسوق ، وكانت فيما مضى تصنع من نبات الدوم ، لكن ، فيما بعد طرأت عليها هي الاخرى تغييرات، فأصبحت تصنع من مادة البلاستيك، وبألوان مختلفة .
لكن ، القفة كانت إلى جانب هذا الاستعمال المتعارف عليه لدى الجميع ، كانت تستعار ( كلفظ ) في المجال الرمزي التواصلي ، لتصبح بذلك وسيلة تمرر منها الرسائل إلى من يهمهم الأمر .
فتجد القائل لمن يريد أن يسخر من أحدهم ، ويبين عيبه بأنه لا يصلح لشيء ،”أنت قفة بلا يدين “، أو لمن يريد تبليغ الآخرين أنه لم يعد يريد شيئا ، فقط أن ينجو بنفسه من كل المشاكل “بغيت قفة بلا عنب “. أو عندما يراد إظهار استقلال المرء عن غيره، وبأنه ليس مجبرا على الخنوع له ، أو الصبر عليه من جراء سلوكاته غير المحمودة ، فيقال ” أنت ماشي كتعطيني القفة, أو أنت لست من يحمل لي كل يوم قففا حتى أصبر على ما تفعله ، وهذا طبعا يراد منه القول، أن الخنوع قد يفرضه هذا الاحتياج ، في علاقة غير متكافئة بين من يمنح ومن يستفيد ، على أساس أن المستفيد ( أي الذي تحمل إليه القفة كل يوم ) ليس له أن يأخد زمام أموره بيده ، لأنه يعيش حالة عوز واحتياج ( علاقة سيد /,عبد ).
ومع الأسف ، نجد أن النساء اللواتي لا يمارسن عملا ما ، تجدهن يعشن هذه الوضعية ، ويفرض عليهن السكوت والانضباط القواعد الموضوعة من طرف صاحب القفة ( الزوج ) الذي أحيانا قد تبلغ به الوقاحة إلى حد المن على زوجته بأنه هو من يعيلها ، ومن يحمل عنها ( القفة كل يوم ) هي التي فقط تستهلك ما يتم جلبه من حاجيات .
القفة العار ، التي تسحب من تحتها بساط الأمان والكرامة الإنسانية .
كذلك نجد أن القفة ارتبطت بالخير والرفاه ، فيقال: فلان يحمل إلى داره أو إلى غيره في زيارة مجاملة ، قففا ، دليلا على ترفه ، أو كرمه ، وأحيانا على تبجحه ، ومحاولة إظهار أنه يملك من الثروة الشيء الكثير .
القفة ، أيضا وكما يحكي بعض المقاومين والمقاومات ضد الاستعمار الفرنسي ، استغلت بشكل إيجابي ، وحذر خصوصا من طرف النساء ، لمد المقاومين بالسلاح من أجل التحضير لعمليات فدائية ضد المستعمر .
وقد تكون القفة في شكلها العصري ، كوعاء يحمل زهورا برية أو غير برية ، تنشر من حولها الجمال والفرح ….
إنها القفة ، ذات المخزون الكبير من الوظائف والأسرار .
لنجدها اليوم تتحول إلى وسيلة لمد يد العون للمعوزين ، في محاولة للتخفيف من فاقتهم ولو لحظيا ، وقد تكون المبادرة نابعة من نوايا طيبة وإنسانية خالصة ، على أساس أن التضامن الاجتماعي مفروض علينا أخلاقيا ، وأن من واجبنا جميعا أن نكون كجسد واحد ، إذا اشتكى منه عضو ، اشتكت لذلك سائر الأعضاء ، وبهذا تتقوى الروابط الانسانية بيننا .
لكن ، هناك من لا يحسن التقاط البعد الحقيقي لهذا المسعى الانساني ، فيحاول الركوب عليه لأغراض في نفسه ، والتي تسقط عنه سلوكه هذا البعد الانساني الأخلاقي الذي من أجله كان هذا الدعم وهذا التكافل .
دعم وتكافل يمكن أن يستمر من أجل فقط خلق الشعور بأن هناك من الناس من لازال يحمل فيه إنسانيته ، وجمال روح ملائكية ، لكن ، لا يجب الاقتصار على ما قد تقدمه القفة من معونة مؤقتة ، وحتى لا تزيغ عن غاياتها التي وجدت من أجلها ، بل لا بد من العمل أكثر وأكثر من أجل القضاء على العوز والفقر ، بترسبخ أسس الدولة الاجتماعية ، التي ستحفظ كرامة المحتاجين الذين أحيانا قد يقعون ضحية من نسي أن القفة في ثقافتنا المغربية هي رمز الخير والعطاء….وليست مطية لمن يبحث من خلالها وبين ( الدوم /البلاستيك ) عن فرصة أخرى للحصول على مكتسبات و”غنائم ” يسيل لها لعاب من لا ضمير له .
*كاتبة من أسرة “كش بريس”